أجْهِضونا!
حسن اليوسفي المغاري
منذ أكثر من عقدين وحضوري في الوسط الإعلامي، صحافيا مهنيا، إعلاميا متتبعا، مسؤولا ومسيّرا ومدرّباً.. بتكوين إعلامي وبشهادات عليا متخصصة، التزمت طيلة هذه المدة بالمصداقية والمسؤولية والأخلاق المهنية.. لم أبتغِ شُهرة ولم أدّعِ التفوّق ولم أسعَ إلى ما يسعى إليه الكثرة من الناس.. رفضت الانصياع ووقفتُ أمام الظلم و”الحكّرة”، وأمام عبودية رأس المال ودافعت بشراسة عن كرامتي وحقي في العيش الكريم..
أحيانا جهرت بذلك، وأحايين عديدة جعلت الأمر حبيس الجُدران وأحايين أخرى وقفتُ صامدا أمام خفافيش الظلام ولم أنصع لأوامر من هم “فوق” لأنهم يرونا نحن “تحت”، فقلت يوما لأحدهم طلب مني حينها التواصل مع “رجل دولة” من أجل أخذ التعليمات قبل الشروع في إنجاز مادة إعلامية، قلت له إن اليوسفي لا يأخذ التعليمات من”فوق” لإنجاز عمله الإعلامي المهني.. استشاط صاحبنا غضبا وأنجزتُ عملي بكل مهنية، وأدّيت طبعا ثمن الرفض، لكني خرجتُ منتصرا بأنفة الإعلامي الذي يحترم المبادئ التي يؤمن بها.
منذ أكثر من عقدين وواقعنا الإعلامي يتأرجح داخل أرجوحة التقنين والتضييق والحرية، ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي ونحن نتأرجح معهم أملا أن يصيبنا يوما سهم حرية الرأي والتعبير الحقيقية لا الصورية.. عشنا مراحل التسلّط السلطوي ومراحل التسلط النخبوي ومراحل قالوا عنها إنها الانفتاح نحو مسيرة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والحقوق دون إِجهاض!
لكن، الحقيقة المُرّة هي أننا نُغتصب ويُجهِضوننا لكي تموت فينا الكرامة الإنسانية، ونصبِح إمّعات ببّاغوات نردّد ونكتب ونمجّد ونسبّح بحمد ما يريدونه هم، لا ما يجب أن يكون، وتُسلَّط على رقابك سيوف الذل والهوان.
أجهِضونا إذن مرّات ومرّات ولتختاروا بعناية فائقة المكان والزمان والحدث المناسب لكي تُحبَك خيوط الاغتصاب والإجهاض!