بالعربي من باريس |
أصبحت النزاعات الدولية من أبرز التحديات التي تواجه العالم في عصرنا الحديث، حيث يهدد استمرارها الاستقرار العالمي ويعيق جهود التنمية والسلام. فمن الشرق الأوسط إلى القوقاز، ومن أفريقيا إلى آسيا، تعكس هذه النزاعات صراع المصالح الدولية وانعدام التوافق على الحلول السلمية، مما يجعل السعي لتحقيق السلام أكثر تعقيدا.
ولعل من أبرز هذه النزاعات ما يسمى ب “الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”، الذي عمّر منذ عقود طويلة.
ففي الوقت الذي يُطالب فيه الفلسطينيون بحقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، تواصل إسرائيل سياساتها التي وُصفت من قبل تقارير دولية بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية، خاصة في قطاع غزة. هذه السياسات أثارت إدانات واسعة، وكان آخرها الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، متهمة إياهم بارتكاب جرائم حرب خلال العمليات العسكرية الأخيرة.
في القوقاز، يشكل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني كاراباخ مثالا آخر على الصراعات الإقليمية التي تتسم بالتوترات العرقية والجغرافية. وعلى الرغم من الجهود الدولية للتوسط في هذا النزاع، فإن تجدد العنف بين الطرفين يكشف هشاشة الاتفاقيات التي لم تعالج الأسباب الجذرية للصراع.
أما في أفريقيا، فإن النزاعات الأهلية في السودان والكونغو الديمقراطية تُظهر تأثير التوترات العرقية والمنافسة على الموارد الطبيعية. على سبيل المثال، شهد السودان تصعيدا خطيرا في العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى كارثة إنسانية جديدة مع نزوح ملايين المدنيين وتهديد استقرار المنطقة بأسرها.
في آسيا، يمثل الصراع في بحر الصين الجنوبي إحدى النقاط الساخنة التي تجسد التوترات بين القوى الكبرى. فالمطالبات الإقليمية المتداخلة بين الصين والدول المجاورة تُغذي احتمالات اندلاع مواجهات عسكرية، خاصة مع تدخل الولايات المتحدة لدعم حلفائها في المنطقة.
هذه النزاعات تتقاطع مع التحديات العالمية الأخرى، مثل التغير المناخي والأزمات الاقتصادية، مما يزيد من تعقيد المشهد الدولي. فبدلا من التركيز على التعاون لمواجهة هذه التحديات المشتركة، تنجر الدول إلى صراعات تعيق التنمية وتعزز الانقسام العالمي.
ويُعدّ النزاع في أوكرانيا واحدا من أبرز النزاعات الدولية في العقد الأخير، حيث يعكس صراعا معقدا بين المصالح الجيوسياسية الكبرى.
هذه النزاع بدأ في عام 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتطور لاحقا إلى حرب شاملة في عام 2022 بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في أوكرانيا.
الحرب في أوكرانيا لم تكن مجرد نزاع إقليمي، بل أصبحت ساحة مواجهة بين الغرب وروسيا، حيث دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو كييف بالأسلحة والتمويل لمواجهة القوات الروسية.
لم تقتصر تداعيات هذا النزاع على أوروبا الشرقية فقط، بل امتدت إلى الاقتصاد العالمي. فقد فرضت الدول الغربية عقوبات قاسية على روسيا، مما أدى إلى اضطرابات في أسواق الطاقة والغذاء العالمية، حيث تُعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مُصدّري القمح والغاز الطبيعي في العالم. كما أُثيرت مخاوف من تصعيد أكبر قد يؤدي إلى مواجهة نووية، خاصة مع تصاعد الخطاب الحاد بين القوى الكبرى.
في الوقت نفسه، عانت أوكرانيا من دمار واسع النطاق، حيث دُمرت البنية التحتية والمدن، وشهدت البلاد أزمة إنسانية خانقة مع نزوح ملايين الأوكرانيين إلى أوروبا. ورغم الجهود الدبلوماسية المستمرة لإيجاد حل سياسي، يبدو أن الحلول لا تزال بعيدة المنال في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما.
النزاع في أوكرانيا، وحرب الإبادة التي تنهجها إسرائيل على قطاع غزة، والحروب الأهلية في السودان… نزاعات تُبرز فشل النظام الدولي في منع الحروب الكبرى، ويُظهر ضعف المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة في فرض السلام. وهو مثال آخر على كيف يمكن للنزاعات الدولية أن تتحول إلى أزمات عالمية تؤثر على الجميع، مما يُبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في آليات صنع السلام وحل النزاعات.
لتحقيق السلام العالمي، تحتاج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إلى دور أكثر فعالية في الوساطة وحل النزاعات. كما يجب محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية لضمان عدم الإفلات من العقاب. ومن خلال تعزيز الحوار بين الدول واحترام القانون الدولي، يمكن تحقيق خطوات ملموسة نحو عالم أكثر استقرارًا وإنسانية.
بالعربي من باريس |