فواصل

جباليا بين الدمار والنزوح.. غزة على حافة الانهيار

فواصل

جباليا بين الدمار والنزوح.. غزة على حافة الانهيار

في صباحٍ يغمره الرماد ويتخلله دوي القذائف، تقف (الأم) على حافة الطريق المؤدية إلى خارج جباليا، إحدى أكبر وأقدم مخيمات اللاجئين في قطاع غزة.

عيونها تروي قصص الألم والمآسي التي تحولت إلى واقع يومي، حيث لم يعد هناك سوى مكان واحد يمكن التوجه إليه: المجهول.

حالها كحال آلاف الأسر التي أُجبرت على النزوح من بيوتها تحت وطأة القصف المكثف والدمار الذي خلّفته حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي.

جباليا، ذلك المخيم الصغير المكتظ بالبشر والذي تحوّل إلى رمز للصمود، لم يكن يوما بعيدا عن آلة الحرب. لكن هذه المرة، يبدو أن الهمجية قد بلغت ذروتها..

الاحتلال لا يقتصر على القتل والتدمير فحسب، بل يسعى إلى تحويل حياة السكان إلى كابوس دائم، هدفه المباشر ليس مجرد السيطرة، بل دفع الناس إلى الهجرة الجماعية، ربما إلى ما وراء الحدود.

يقول (الأب)، وهو أحد الناجين من قصف عشوائي استهدف منزله: “لم نعد نعرف إلى أين نذهب. كل الأماكن مدمرة، حتى بقايا المستشفيات لم تعد آمنة والخيام تلتهمها ومن فيها النيران”.

في عيون (الأب) وملامح وجهه المتعب، تتجلى مأساة أكبر من مجرد دمار مادي. إنه احتضار جماعي لقطاع بأكمله، قطاع غزة، الذي يكافح منذ عقود للبقاء على قيد الحياة.

الاحتلال الإسرائيلي لا يخفي نيته الحقيقية. فبينما يُسوّق عملياته العسكرية على أنها “دفاع عن النفس”، يظل الهدف الأساسي واضحا لمن يعيش هذه المأساة. الغرض المبطن هو تقسيم الأرض الفلسطينية وتشتيت سكانها، لتسهيل عملية احتلال الأراضي وتغيير الخريطة الجغرافية والديموغرافية.

هذه الحرب ليست فقط على الأرض، بل على الذاكرة والهوية. خطة مدروسة لخلق شرق أوسط جديد، حيث تتضاءل فكرة الوطن الفلسطيني لصالح مخططات أوسع تهدف إلى تقسيم المنطقة وتحقيق مآرب سياسية واقتصادية تصب في مصلحة قوى إقليمية ودولية.

جباليا بين الدمار والنزوح
جباليا بين الدمار والنزوح

في شوارع جباليا المدمرة، وبين أكوام الركام، تذوب أحلام أطفال لطالما تمنوا أن يعيشوا حياة طبيعية. (الطفل)، ذو الثمانية أعوام، يسأل أمه: “إلى أين سنذهب الآن؟”، بينما هي تبحث عن إجابة لم تعد تعرفها. ربما يكون هذا السؤال هو ما يختصر المأساة برمتها، فالاحتلال لم يترك لهؤلاء الناس خيارا سوى المجهول.

وفيما يحترق قطاع غزة برمته تحت نيران القصف، يعيش العالم حالة من الصمت المطبق. النزوح الجماعي من جباليا وبقية مناطق القطاع ليس سوى جزء من خطة أكبر، تتجلى في تشتيت السكان وفرض واقع جديد يجعل من العودة إلى الديار حلما بعيد المنال.

الاحتلال يدرك جيدا أن تفكيك الروابط الاجتماعية والجغرافية هو مفتاح النجاح في تحقيق مشروعه الرامي إلى تغيير ملامح المنطقة.

جباليا، كما غزة، ليست مجرد مكان، بل هي قصة أمة تصارع من أجل البقاء في وجه آلة حرب لا تعرف الرحمة. بينما يتواصل النزوح، يتلاشى الأمل شيئا فشيئا، ويحتضر قطاع غزة، في انتظار ما قد يكون آخر فصول المأساة الفلسطينية.

لله الأمر من قبل ومن بعد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى