فواصل

حين يتحوّل “حارس المعبد” إلى أداة للانتقام

فواصل

حين يتحوّل “حارس المعبد” إلى أداة للانتقام

حسن اليوسفي المغاري

ما ظهر في الفيديو الذي نشره حميد المهدوي ليس مجرد خلاف بين صحافي ولجنة تأديبية. ما ظهر هو فضيحة كاملة الأركان، فضيحة تُسقِط ورقة التوت عن مؤسسة يُفترض أنها تحمي شرف المهنة، فإذا بها — حسب ما كشفه الشريط — تمارس ما يشبه “الشيطنة المؤسسية” وتصفية الحسابات داخل غرف مغلقة.

ولأن الفضيحة أكبر من أن تُدار بالبلاغات الباردة، فإن الحقيقة يجب أن تُقال بصوت مرتفع:

اللجنة التي يُفترض أن تحاسِب، أصبحت هي من يحتاج إلى محاسبة.

1. ماذا سمِعنا؟ لجنة أخلاقيات أم محكمة تفتيش؟

في الفيديو الثاني، قال المهدوي متحدياً:

“لن تنجحوا في إسكاتي… وموعدُنا أمام القضاء.”

وقال أيضاً بصوت يقطر مرارة:

“هذه مداولات تُظهر رغبة في معاقبتي قبل النظر في أي ملف.”

لو كان ما قاله مجرد ادعاء عابر لهان الأمر، لكن المقاطع التي عُرضت، تُظهر شيئا صادما:

حُكم جاهز قبل المحاكمة ونية في الإجهاز قبل التمحيص.

هذه ليست لجنة أخلاقيات؛ هذه لجنة تصفية.

وليس هذا عمل مؤسسات، بل عمل عصابات تنظيمية – بالرجوع إلى المصطلحات المستعملة في النقاش -، تشتغل بالفراغات القانونية.

2. اللجنة التي خرقت الأخلاق قبل أن تُحاسَب عليها

من المفترض قانونيا أن مداولات لجنة الأخلاقيات سرية.

سرية، لأن الموضوع يتعلق بسمعة الأشخاص وبحماية استقلالية الهيئة.

لكن ما ظهر في الفيديو يُشير إلى أن السرية أصبحت فولكلورا، وأن المداولات خرجت من جدران اللجنة لتستعمل كرصاص سياسي وأخلاقي.

نحن أمام جريمة أخلاقية.

وإذا لم تكن كذلك، فنحن أمام جريمة مؤسساتية:

لجنة غير قادرة على حماية مداولاتها، ولا على حماية مصداقيتها، ولا على حماية هيبتها.

في الحالتين، اللجنة مدانة.

3. لجنة بلا شرعية… تحاكم صحافيا على شرعية صوته

اللجنة المؤقتة نفسها وُلدت من فراغ، ولا تستند إلى شرعية انتخابية ولا سند ديمقراطي.

ورغم ذلك، تتصرف وكأنها سلطة قضائية عليا فوق النقد، وفوق القانون، وفوق الصحافيين جميعا.

كيف لهيئة غير منتخبة أن توزّع “صكوك الأخلاق”؟

وكيف لهيئة غير مستقلة أن ترفع راية الاستقلالية؟

كيف لمن لا يملك الشرعية أن يسحبها من الآخرين؟

هذه مفارقة سياسية وقانونية مخزية.

4. أرادوا إسكات صوت حميد المهدوي/ الصفحة الرسمية فأسمعوا الناس كل شيء

المهدوي، بطريقته الخاصة، فهم اللعبة جيدا.

عرف متى يضرب وأين يضرب.

وفي لحظة واحدة، نقل المعركة من دهاليز اللجنة إلى ساحة الرأي العام.

حين قال:

“هذه حرب لإسكاتي… ولن أسكت.”

فقد انتصر في الجولة الأولى، لأن اللجنة — بتصرفاتها — قدمت له الدليل الذي لم يكن يحتاج إلى البحث عنه.

لم يسكتوه، بل فضحوا أنفسهم.

5. ما حدث ليس “خطأ” ولا “سوء تفاهم”… بل سقوطا أخلاقيا مدوّيا..

هذه ليست زلة.

هذه ليست هفوة.

هذا سلوك مؤسساتي مريض، يعبّر عن:

ضيق صدر بالعمل الصحافي

غياب روح القانون

تسييس لأدوات المحاسبة

وتصريف رغبات شخصية داخل هيئة عمومية

حين تتصرف لجنة الأخلاقيات بهذا الشكل، فهي لا تسيء للمهدوي وحده، بل تسيء لهيبة الصحافة، لقيم المهنة، للمجال الإعلامي كله.

6. اليوم… القضية ليست: هل أخطأ المهدوي؟

القضية أصبحت:

هل ما زال للمجلس الوطني للصحافة وجهٌ أخلاقي يمكنه الظهور به بعد اليوم؟

السؤال ليس:

– هل تجاوز صحافي حدود النقد؟

بل:

– هل تجاوزت الهيئة حدود سلطتها؟

السؤال ليس:

– هل أخطأ المهدوي في لغته؟

بل:

– هل أخطأت اللجنة في وجودها؟

السؤال لم يعُد:

– هل يستحق عقوبة؟

بل:

– هل تستحق اللجنة أن تبقى؟

الخلاصة: لجنة الأخلاقيات خرجت من دور الحَكَم… إلى دور الخَصم

وهيئة حين تتحول إلى خصم، تفقد شرعيتها، وتفقد احترامها، وتفقد قدرتها على حماية المهنة.

لقد دفنت اللجنة نفسها في رمال الفيديو.

والمهدوي — بدخوله القضاء — لم يعد يقاضي اللجنة فقط؛

بل يقاضي نموذجا كاملا من التدبير الفاشل، المشبوه، والفاقد لكل بوصلة أخلاقية.

وإذا لم تكن هناك مُساءلة حقيقية، فإن أكبر خطر يتهدد الصحافة اليوم ليس صحافيا صاخبا…

بل لجنة بلا أخلاق تحمل اسم الأخلاقيات.

Hamid Elmahdaouy

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى