أخبار وتقارير

شيخوخة المغرب: تحوّل ديمغرافي صامت يضع السياسات العمومية أمام امتحان حاسم

 

أخبار وتقارير

لم تعد شيخوخة السكان في المغرب معطى مستقبليا مؤجَّلًا، بل واقعا ديمغرافيا يتسارع بأرقام رسمية مقلقة.

تحوّل عميق يعيد طرح أسئلة الاقتصاد والحماية الاجتماعية والصحة، ويكشف هشاشة الاستعداد العمومي لمجتمع يتقدّم في السن بسرعة غير مسبوقة.

شيخوخة ديمغرافية تتسارع خارج إيقاع النمو السكاني

يشهد المغرب تحولا ديمغرافيا لافتا، تؤكده معطيات المندوبية السامية للتخطيط الصادرة في دجنبر الماضي. فقد تجاوز عدد الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق خمسة ملايين سنة 2024، أي نحو 14% من مجموع السكان.

هذا الارتفاع لا يعكس نموا طبيعيا متوازنا، بل تسارعا غير مسبوق في وتيرة الشيخوخة.

خلال عشر سنوات فقط، ارتفع عدد المسنين بنسبة تقارب 59%، بينما لم يتجاوز معدل نمو السكان الإجمالي 0,8% سنويا خلال الفترة نفسها.

هذا التفاوت يبرز خللا بنيويا في الهرم السكاني، ويؤشر على انتقال سريع نحو مجتمع متقدّم في السن قبل استكمال شروط التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

أفق 2050: ربع السكان من فئة المسنين

لا تقف التحولات عند حدود الأرقام الحالية. فالإسقاطات الرسمية تشير إلى أن عدد المسنين قد يناهز 10 ملايين شخص بحلول عام 2050، أي ما يقارب ربع سكان المغرب. هذا المعطى وحده كافٍ لإعادة التفكير في نموذج السياسات العمومية المعتمد اليوم.

مؤشر الشيخوخة وضغط الإعالة

يعكس مؤشر الشيخوخة حجم التحول الحاصل، إذ بلغ حوالي 52 مسنًا لكل 100 طفل دون 15 سنة، بعد أن كان في حدود 26 قبل عقدين فقط. في المقابل، ارتفع معدل الإعالة المرتبط بالمسنين إلى نحو 23%، ما يزيد الضغط المباشر على الفئة النشيطة اقتصاديا ويهدد توازن سوق الشغل وأنظمة التضامن.

فوارق مجالية تعمّق الاختلالات

لا تتوزع الشيخوخة الديمغرافية بشكل متساوٍ بين جهات المملكة. فمناطق مثل جهة الشرق وبني ملال–خنيفرة تسجّل نسبا تفوق المتوسط الوطني، في حين تبقى النسب أقل بكثير في الأقاليم الجنوبية.

هذا التفاوت يعكس اختلافات في الهجرة الداخلية والبنية الاقتصادية ومستويات العيش.

كما تظهر الشيخوخة بشكل أوضح في الوسط الحضري مقارنة بالوسط القروي، نتيجة انتقال السكان النشيطين نحو المدن وتحسن شروط العيش الصحية بها. غير أن هذا المعطى يخفي ضغطًا متزايدًا على الخدمات الحضرية، خاصة الصحية والاجتماعية.

“تأنث الشيخوخة”: عمر أطول وهشاشة أعمق

يبرز التقرير بعدًا اجتماعيًا حاسمًا يتمثل في هيمنة النساء على فئة المسنين بنسبة تفوق 51%. هذا “التأنث” ناتج عن ارتفاع متوسط العمر لدى النساء، لكنه يقترن في الوقت نفسه بمؤشرات هشاشة مقلقة.

تعاني نسبة واسعة من النساء المسنات من الأمية وضعف الولوج إلى معاشات التقاعد، التي لا تشمل سوى أقلية من هذه الفئة. بذلك يتحول طول العمر من مكسب صحي إلى عبء اجتماعي في غياب سياسات إدماج وحماية فعالة.

مشاركة اقتصادية محدودة وتبعية عائلية

اقتصاديًا، لا تتجاوز نسبة مشاركة المسنين في سوق الشغل 16%. ويعتمد جزء كبير منهم على الدعم العائلي، خصوصًا في ظل محدودية التغطية التقاعدية واتساع العمل غير المهيكل خلال مساراتهم المهنية السابقة.

هذا الواقع يطرح إشكالية الاستدامة الاجتماعية، إذ يتراجع دور الدولة لصالح الأسرة، في وقت تتغير فيه بنية الأسرة نفسها بفعل التحولات الحضرية والاقتصادية.

الصحة والتغطية: أرقام تحذيرية

على المستوى الصحي، تشير المعطيات إلى أن نحو 19% من المسنين يعيشون في وضعية إعاقة، ترتفع حدتها مع التقدم في السن.

ورغم بلوغ نسبة التغطية الصحية حوالي 69%، فإن الفوارق بين المدن والقرى، وبين الرجال والنساء، ما تزال قائمة وتؤثر مباشرة في جودة العيش.

هذه المؤشرات تبرز هشاشة منظومة الرعاية الصحية أمام الطلب المتزايد المرتبط بالشيخوخة، خاصة في ما يتعلق بالأمراض المزمنة وخدمات الرعاية طويلة الأمد.

سياسات عمومية تحت اختبار الزمن

تضع هذه التحولات أنظمة الحماية الاجتماعية والصحية والتقاعدية أمام اختبار حقيقي. فشيخوخة المجتمع لم تعد سيناريو نظريًا، بل واقعًا يفرض تسريع اعتماد سياسات عمومية مندمجة، تتجاوز المقاربات القطاعية الظرفية.

من دون رؤية استباقية شاملة، قد تتحول الشيخوخة من تحول ديمغرافي طبيعي إلى عامل عدم استقرار اجتماعي واقتصادي. السؤال المطروح اليوم ليس هل سيشيخ المغرب، بل هل يستعد فعليًا لمجتمع يتقدّم في السن بسرعة تفوق قدرته الحالية على المواكبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى