عمالقة التكنولوجيا وثمن الصعود إلى قمة الاقتصاد العالمي
تم يوم أمس (الإثنين 20 يناير 2025)، تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وتسلطت الأضواء ليس فقط على المشهد السياسي، ولكن أيضا على مجموعة صغيرة من الأفراد الذين تفُوق تأثيراتهم حدود السياسة: إيلون ماسك، جيف بيزوس، مارك زوكربيرغ، سوندار بيتشاي وآخرون. هؤلاء الأشخاص، الذين أعادوا تشكيل ملامح العصر التكنولوجي، يمثلون مفارقة مذهلة؛ إذ إن ثرواتهم وسلطتهم تنافس بل وتتجاوز اقتصاديات دول بأكملها، مما يبرز احتياجات إنسانية ملحة في العديد من مناطق العالم.
تبلغ الثروات المجمعة لهؤلاء العمالقة حوالي 1,084.6 مليار دولار، وهي ثروة تفوق أو تضاهي الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول. فعلى سبيل المثال:
هذا الرقم قريب من الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا (حوالي 1,400 مليار دولار)، ويتجاوز نظيره في هولندا (1,000 مليار دولار).
كما يفوق بكثير الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل جنوب أفريقيا (400 مليار دولار) أو نيجيريا (500 مليار دولار تقريبًا).
لكن المفارقة الأبرز تظهر عند مقارنة هذه الثروات بالدول ذات الدخل المنخفض، حيث يقدر إجمالي ناتجها المحلي بحوالي 800 مليار دولار، وهو رقم يقل عن ثروات هؤلاء الأفراد مجتمعين.
تمثل الشركات التي يديرها هؤلاء الشخصيات رموزا للابتكار بلا حدود. فمثلا:
■ تسلا وسبيس إكس بقيادة إيلون ماسك تستكشف حلولا لمستقبل مستدام وفضائي.
■ أمازون بقيادة جيف بيزوس غيرت مفهوم التجارة العالمية.
■ ميتا تحت إدارة مارك زوكربيرغ وصلت بمليارات الأفراد إلى فضاء افتراضي جديد.
■ جوجل بقيادة سوندار بيتشاي، فهي في طليعة تطوير الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
ورغم هذه الابتكارات، فإن تأثيراتها تثير تساؤلات. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه هذه الثروات، تكافح الدول ذات الدخل المنخفض لتلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها. ووفقا للبنك الدولي، يعيش أكثر من 700 مليون شخص بأقل من 2.15 دولار يوميا، بينما تظل البنى التحتية الأساسية مثل المياه النظيفة والتعليم والرعاية الصحية بعيدة المنال بالنسبة للملايين.
إن وجود هؤلاء العمالقة في حدث سياسي بهذا الحجم يطرح تساؤلات جوهرية: في عالم يعيد فيه الاقتصاد الرقمي تشكيل الأولويات السياسية، ما هي المسؤولية التي تقع على عاتق هذه النخبة؟ وهل يمكن لثرواتهم أن تكون أداة لتقليص الفجوات العالمية؟
التحدي ليس مجرد فرض الضرائب أو إعادة التوزيع، بل إعادة التفكير في النماذج الاقتصادية العالمية بحيث تستفيد الإنسانية جمعاء من ثمار الابتكار، وليس فقط نخبة قليلة.
إن القوة الاقتصادية التي يمتلكها هؤلاء ليست مجرد نعمة، بل مسؤولية أخلاقية وسياسية. فكيف يمكن لهذا الثقل المالي أن يصبح وسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية بدلا من تكريس التفاوت؟ كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسيلة لتجاوز الحواجز لا لتكريسها؟
التحدي لا يكمن فقط في زيادة الثروة، بل في خلق نظام اقتصادي أكثر شمولية، حيث يصبح الابتكار وسيلة لتمكين الجميع. هنا، يظهر الدور السياسي والاجتماعي كضرورة لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي ومبادئ الإنسانية، لأن تجاهل هذه الحقائق يعني دفع العالم نحو مزيد من الاستقطاب والاضطراب.
إن صورة هؤلاء القادة التكنولوجيون في الصفوف الأمامية، لتعكس واقعا مزدوجا: إنجازات بشرية غير محدودة، ومفارقة صارخة بين الثروة المتركزة والمعاناة البشرية.