حسن اليوسفي المغاري
الأحزاب السياسية والصحافة الحزبية في المغرب
إن أول ما يحضر إلى ذهن الباحث في موضوع المشهد السياسي والإعلامي بالمغرب، هو مدى ارتباط السياسي بالإعلامي، مما يحتم فك رموزه بمنهجية دقيقة تمكننا من قراءة تلك العلاقة الحميمة، خصوصا بين الحزب كمؤسسة سياسية لها دورها الفعاّل في تنشيط الحركة الإعلامية داخل أي منظومة مجتمعية، سياسيا، إعلاميا، اجتماعيا واقتصاديا.
عندما نتحدث عن الصحافة الحزبية الوطنية، يكون من اللازم ربطها بمحيطها الذي تتفاعل معه، أي بالمؤسسة التي تنتمي إليها، وبالتالي يكون ظهور هذه الصحافة مرتبطا ارتباطا وثيقا بظهور الأحزاب السياسية. لأن التعبير عن الأفكار والمبادئ وإظهار المواقف تكون عن طريق المنبر الإعلامي المكتوب لتصل إلى الجميع، وبذلك كانت إلزامية ظهور الصحافة كوسيلة تعبيرية لها أهميتها في عملية التواصل بين المؤسسة السياسية، الحزب، وبين الجمهور المستهدف، المتلقي.
ارتأينا تخصيص جزء للحديث عن المشهد السياسي بقيام الأحزاب السياسية، بحيث تم التركيز بإيجاز، على مرحلة الحماية وما تبعتها من تطورات سياسية كان لها الدور الرئيس في ظهور صحف عملت على إبراز خلفيات الحماية. إذ كان من وراء هذه الصحف بعض الوطنيين الذين ساهموا في إنشاء الحركة الوطنية المغربية، والذين شاركوا كذلك في تكوين أحزاب سياسية.
إن من أُسس قيام الأحزاب السياسية في المغرب وما لحقها من تطور في ظل الحماية، وظهور كتلة العمل الوطني ومواجهتها للاستعمار وما عرفته من انشقاقات أدت فيما بعد إلى تعددية حزبية سواء في الشمال أو في الجنوب، إلى تأسيس الأحزاب السياسية المغربية بداية من استقلال المغرب والتطورات التي طرأت عليها، من التعددية الحزبية المواكبة للاستقلال، إلى الأحزاب السياسية في ظل المرحلة الجديدة، ثم المشهد الإعلامي وعلاقته بالظاهرة الحزبية أولا، والصحافة في المغرب من حيث النشأة والتطور، ثانيا.
إن الحديث عن المشهد الإعلامي من خلال تطور المشهد السياسي بالمغرب يحتم علينا الرجوع إلى العهد الأول الذي بدأ من خلاله تطور المنظومة السياسية المغربية ككل، وذلك من أجل أخذ فكرة موجزة عن تاريخ المغرب السياسي في العصر الحديث.
هذا التاريخ الذي عرف ثلاثة عهود سياسية تمثلت:
أولا: الحقبة التي كانت فيها الحكومة المركزية التقليدية هي الحاكمة، وهذا ما كان يُسمى بفترة سُلطة المخزن، وكانت هذه أطول فترة في تاريخ الحكم السياسي المغربي، بحيث أن بعض الباحثين والمؤرخين الفرنسيين كانوا يقسّمون المغرب إلى بلد المخزن وبلد السيبة. أي مناطق هادئة مُطيعة ومناطق ثائرة.
ثانيا: الفترة التاريخية الممتدة ما بين 1912 و1956، وهي الفترة التي كان فيها المغرب مستعمرا ومحمية تحكمها فرنسا وإسبانيا.
ثالثا: الفترة الثالثة والتي تتمثل في العقود الخمسة الأخيرة التي عرفت تطورا سياسيا في ظل الملكية الدستورية والتعددية الحزبية، خاصة في الفترة الممتدة من سنة 1955 إلى غاية سنة 1959 بحيث اعتبرت فترة مهمة في التطور السياسي للمغرب.
لقد عرفت إذن الحياة السياسية في المغرب تطورات ملموسة منذ عهد الحماية التي فُرضت عليه عام 1912، إلى بداية الاستقلال عام 1956. فكانت بذلك فترة الثلاثينات وخصوصا سنة 1934 هي الحقبة التي بدأ فيها المغرب يعرف بعض التنظيمات السياسية الحزبية، وذلك بعدما كانت الحركة الوطنية آنذاك؛ تطالب بتصحيح الأوضاع داخل نظام الحماية المفروض.
ويمكن اعتبار الرابطة المغربية هي أول تنظيم سياسي في المغرب على شكل حزب، لكن وبعد تطورات وقعت على الساحة، وبعد معاناة مع الظهير البربري، لجأت مجموعة من الشباب إلى تكوين تنظيم سري تبلور فيما بعد ليُعرف بكُتلة العمل الوطني.
سطرت الكتلة أول برنامج سياسي يهدف إلى المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. لكنها لم تكن مُهيكلة ولم تكن مضبوطة بأي قانون تنظيمي، فقد ظلت حزبا مغلقا على نفسه إلى حدود سنة 1937، السنة التي تم فيها تكوين لجنة تنفيذية.
إلا أن المقيم العام الفرنسي آنذاك NOGUES وبعد حصول انشقاق داخل كتلة العمل الوطني، أمر بحل الكتلة التي انقسمت فيما بعد وظهرت الحركة القومية ثم الحزب الوطني.
لقد مرت الحركة الوطنية المغربية خلال فترة 1937 و 1943، بعدة مخاضات سياسية تكونت فيها عدة تجمعات وطنية سياسية حزبية، بحيث كان همها الوحيد هو تحقيق قفزة نوعية من الناحية السياسية أمام الحماية. فظهر في تطوان التابعة آنذاك للمنطقة الخليفية، حزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية.
وفي خضم هذه الأحداث، كان الجميع ينشد كلمة الاستقلال من الحماية، فكانت هي الهدف الأسمى لجميع الأصوات المنادية بالحرية.
بدأت الاجتماعات السياسية تكثر بظهور الزعماء الشباب، وفي فترة دجنبر 1943 تأسس حزب الاستقلال بأعضاء من أفراد الحزب الوطني السابق، وظهرت مرحلة جديدة في فترة سياق الاستقلال، كما سماها الدكتور محمد ضريف؛ وذلك بظهور أحزاب سياسية أخرى موازية لحزب الاستقلال الذي اعتبر هو أول قاعدة سياسية بمفهومها الحزبي في المغرب، ليبقى التساؤل المطروح هو مدى توافق الإعلام آنذاك مع جميع هذه التطورات، وما مدى تأثيره على المجتمع المغربي في ظروف كان الشعب فيها لا يستطيع فك رموز القراءة والكتابة، باستثناء النخبة المتعلمة التي كانت في غالبيتها مُكوّنة من الطلبة.
فمنذ البداية أخذ التنظيم الحزبي السياسي في المغرب يفكر في إصدار دوريات تمكنه من التعبير والإعلان عن المواقف التي يتخذها في شتى المواضيع، لكن قانون الحماية كان يقف ضدا على إرادة تلك التنظيمات الحزبية السياسية. وغالبا ما كانت جميع تلك المحاولات تتوقف وتعرقل من طرف المستعمر، لأن جل موضوعاتها كانت تتمحور حول محاربة الظهير البربري من خلال تبيان خلفياته وآثاره السلبية على الوضع الداخلي. وبذلك كانت البوادر الأولى للكتابة الصحفية، الناطق الرسمي باسم التنظيمات الحزبية السياسية في نشأتها الأولى.
وبذلك، تكون العلاقة الحميمة حزب صحافة، أو سياسة إعلام، ذات ارتباط وثيق يستدعي الوقوف عنده بشيء من التفصيل التاريخي.
لقد كانت الظاهرة الحزبية بالصحافة الوطنية، علاقة ذات خلفيات ظاهرة وباطنة، علاقة لا يمكن الجزم بأنها سليمة من أي توجه فكري، وبالتالي تكون إلزامية الخوض في محركات الممارسة الصحفية ضرورية، والبحث في الجوانب المحركة لهذه الممارسة.
من هنا تتأكد علاقة الصحافة بالحزب، والمغرب عرف الظاهرة الحزبية منذ عهد الحماية. فكان التطور الحزبي والصحافي مواكبا بعضه البعض الآخر، وكان التعدد أيضا من سمات التطور الذي فرض تضارب الأفكار والمذاهب سواء في الغايات أو في الوسائل، بداية من مغرب الحماية وصولا إلى مغرب الملكية الدستورية والتعددية الحزبية.
من الملاحظ أيضا أن هذا التعدد لا يخلو من سلبيات، فكلما ظهرت فئة بأفكار معينة ومضادة للفئة الأخرى، إلا وانشقت وكوّنت لنفسها فريقا جديدا بأفكار جديدة ورُؤى فكرية وسياسية جديدة تستوجب خلق منبر جديد من أجل التعبير والتبليغ. وهذا ما أكدته التجربة الحزبية الصحافية المغربية منذ نشأتها الأولى إلى يومنا هذا.