ثقافةفواصل

معهد العالم العربي.. بين احضان الفكر وتغيّب الفعل واحتضان الفن

فواصل

بالعربي من باريس |

معهد العالم العربي.. بين احضان الفكر وتغيّب الفعل واحتضان الفن

حسن اليوسفي المغاري

 

من قلب العاصمة الفرنسية، ومن داخل معهد العالم العربي، جلست أتأمل واقع عالمنا العربي، السياسي والفكري والثقافي والإعلامي.. أراجع وألملم أوراقي المبعثرة في ذهني لواقع متشرذم، علّني أجد في هذه المعلمة الفكرية ما يشفي غليلي.

تأسس معهد العالم العربي سنة 1987، كصرح ثقافي ليحمل عبء تمثيل الهوية الثقافية والحضارية العربية، وليكون جسرا للتواصل ولتلاقح الثقافات، وليمثل الحضارة العربية والإسلامية من خلال الحضور الفكري الفعلي الذي يربط العالم العربي والغرب بصفة عامة.

أكد المعهد خلال المراحل الأولى للتأسيس، أنه يمثل الهوية الثقافية العربية في قلب أوروبا، وذلك باحتضانه للعديد من الفعاليات الثقافية واللقاءات الفكرية، وبتنظيمه للعديد من المعارض الفنية، وأصبح فيما بعد ميدانا لنقاشات الفكر والسياسة، لكنه كثيرا ما يظهر عاجزا عن تجاوز إطار الحديث إلى فضاء الفعل. هذا التناقض يدفع الملاحظ إلى التساؤل: هل ما زال المعهد على مستوى المهمة التي وُجد من أجلها؟

بالنظر إلى تاريخ هذه المؤسسة العريقة، ومكانتها المرموقة فكريا وسط العاصمة باريس، وبالنظر إلى النقاشات التي احتضنتها، والمحطات التي واكبتها، سواء منها التحولات السياسية، أم الأزمات الاقتصادية والهويات الثقافية المتنوعة، والتي غالبا ما كانت تتسم بالعمل والثراء الفكري، إلا أنها ظلت حبيسة القاعات ولم تتجاوز رفوف الخزانة، الأمر الذي جعلها تفتقر كثيرا إلى تأثير ملموس على أرض الواقع العربي.

بالنظر إلى أنشطة المعهد الفكرية والسياسية على وجه الخصوص، وبالنظر إلى الواقع السياسي العربي الذي عكسته تلك الأنشطة، وعِوضا أن تكون المؤسسة العربية صوتا نقديا حرّا موجها لنقد ولتوجيه بوصلة الفكر والسياسة من أجل التغيير، يظهر المعهد وكأنه منصّة للتجميل عوض مواجهة الواقع العربي الرسمي بالتطرق إلى القضايا الأكثر حساسية، والقضايا المرتبطة بالشعوب أساسا: العدالة الاجتماعية، العدالة السياسية، العدالة الاقتصادية، التغوّل السياسي، الحقوق والكرامة الإنسانية، عدم التغيير والتشبث بالكرسي الرئاسي، إلى غير ذلك من القضايا السياسية والاجتماعية.

سيقول قائل: لا يمكن لمؤسسة لها ارتباطات سياسية مُلزمة بحكم القيود التمويلية أن تغوض في قضايا عكس التيار..

لكن.. النتيجة الحتمية هي غياب مشروع عربي شامل يعكس طموحات الشعوب.

يستضيف المعهد، كما اطلعت على ذلك، نخبة من المثقفين والمفكرين، لكنه يفتقر إلى وجود استراتيجيات واضحة لإيصال هذه الأفكار إلى شرائح أوسع. فعالياته غالبا ما تكون نخبوية، تُخاطب جمهورا محدودا، بينما يغفل الفئات الشابة التي تمثل الأمل في النهضة العربية. المعهد بحاجة إلى برامج تستثمر في هذه الفئة، عبر أنشطة تتجاوز المحاضرات لتشمل الابتكار والتعليم.

الملاحظ أيضا أن النظرة الغربية للعالم العربي داخل المعهد تظل قاصرة، وذلك يتمثل في العديد من الأنشطة التي لا تهتم بحاضر ومستقبل الدول العربية، فكريا وسياسيا وإعلاميا ثقافيا، ما يُعزز الفجوة بين الشرق والغرب بدلا من ردمها.

كما أن الجانب الإعلامي للمعهد لا يقل أهمية. ورغم الحضور الإعلامي لنشاطاته، إلا أن تغطيته غالبا ما تفتقر إلى العمق المطلوب لنقل تأثيره إلى العالم العربي نفسه.

على معهد العالم العربي أن يتجاوز الحدود الرمزية لدوره لكي يكون مركزا للتحليل السياسي والفكري الذي يتفاعل مع القضايا الراهنة، وليس فقط منصة للاحتفال بالماضي.. كما أصبح المعهد

بحاجة إلى أن يُعيد تعريف أدواره ويتبنى رؤية شاملة قادرة على مواجهة تعقيدات العصر.

المطلوب ليس مجرد نقاشات فكرية، بل رؤية طموحة تُحوّل الفكر إلى فعل، على المعهد أن يُصبح صرحا يقود التغيير بالفكر وبالسياسة، التغيير العربي الأوروبي.

 

بالعربي من باريس |

#حسن_اليوسفي_المغاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى