فواصل

إسرائيل و”قانون الغاب”.. كيف يتفرّج العالَم الرسمي على إبادة شعب غزة!؟

فواصل..

إسرائيل و”قانون الغاب”.. كيف يتفرّج العالَم الرسمي على إبادة شعب غزة!؟

 

حسن اليوسفي المغاري

يُعتبر “قانون الغاب” من المصطلحات الشائعة التي تعكس حالة من الفوضى وانعدام القانون، حيث يسود الأقوى على الأضعف دون أي ضوابط أخلاقية أو قانونية.

يستند هذا القانون إلى فكرة أن البقاء للأقوى، وأن من يمتلك القوة هو من يفرض إرادته على الآخرين. رغم ارتباط هذا المصطلح بشكل رئيسي بالطبيعة والحيوانات، إلا أنه يتم استخدامه بشكل مجازي في المجتمعات البشرية لوصف أوضاع معينة من الفوضى أو الاستبداد.

في عالم الحيوان، قانون الغاب هو القاعدة الأساسية للبقاء، حيث تتصارع الكائنات الحية من أجل الغذاء والمأوى والتكاثر. الأقوى يسيطر والضعيف يصبح فريسة، وهذا النظام الطبيعي يستمر على هذا النحو لضمان استمرار النوع. هذا المفهوم يتميز بعدم وجود أي اعتبارات أخلاقية، فكل كائن يسعى للبقاء بأي وسيلة متاحة.

لكن، عند انتقال هذا المفهوم إلى المجتمعات البشرية، فهو يأخذ بعدًا أكثر تعقيدًا وخطورة. “قانون الغاب” في السياق البشري يعني انعدام القانون والعدالة، حيث يسيطر الأقوياء على حقوق الضعفاء دون رادع. ويظهر هذا القانون في صور متعددة مثل الديكتاتوريات، الأنظمة الفاسدة، الأنظمة الاستبدادية، الأنظمة العسكرية أو حتى في المجتمعات التي تغيب فيها المؤسسات القانونية الفعالة.

في بعض الأحيان، يُستخدم مصطلح “قانون الغاب” لوصف العلاقات الدولية، حيث تعتمد الدول على قوتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مصالحها دون اعتبار للمعايير الأخلاقية أو القانونية الدولية. هذا المفهوم يعكس نظرية “الواقعية السياسية” التي تؤكد أن القوة هي العامل الأساسي في السياسة الدولية.

وهو ما ينطبق في هذه الحالة على الكيان الص@يوني المحتل للأراضي الفلسطينية وما يفتعله من تقتيل ودمار وإبادة جماعية في حق شعب أعزل إلا من مقاومته التي تتصدى للاحتلال بإمكانياتها الخاصة.

ويظل السؤال المطروح هو كيف يعجز المنتظم الدولي أمام هذه الغطرسة والحرب الإسرائيلية على غزة!؟…

من المعلوم أن غزة ومنذ عقود تشهد توترا دائما وصراعا مستمرا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تتخلله فترات حرب إسرائيلية دموية وقصف مباشر يستهدف الإنسان الفلسطيني والبنية التحتية، بحيث يبقى المنتظم الدولي عاجزا عن وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا العجز وتداعياته على المنطقة والعالم.

من الأسباب المركزية التحيزات السياسية، حيث يعاني المنتظم الدولي من تحيزات سياسية واضحة، إذ تتمتع إسرائيل بدعم قوي من قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة. هذا الدعم ينعكس في القرارات والمواقف داخل المؤسسات الدولية، خاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يتم تعطيل أي قرار يُدين إسرائيل أو يفرض عليها عقوبات باستخدام حق الفيتو.

كذلك هناك عدم فعالية القوانين الدولية، وذلك رغم وجود العديد من القوانين والمعاهدات الدولية التي تهدف لحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، إلا أن هذه القوانين غالبا ما تبقى حبرا على ورق، إذ تتمكن إسرائيل دائما من التملص من تطبيقها دون عقوبات تذكر، مستفيدة من دعم حلفائها ومن غياب آلية فعالة لتنفيذ القرارات الدولية.

ومن الأسباب المركزية أيضا الانقسام الدولي والإقليمي، بحيث يتسم النظام الدولي بحالة من الانقسام حيال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فالدول الغربية تدعم إسرائيل بشكل كبير، هذا في الوقت الذي تقف فيه العديد من الدول العربية والإسلامية، ظاهريا، في صف الفلسطينيين، لكنها حقيقة مطبّعة مع الكيان.. الأمر الذي يساهم في الغطرسة الإسرائيلية.

اقتصاديا، يمكن اعتبار تضارب المصالح، من العناصر المركزية بحيث تلعب العديد من الدول دورا رئيسيا في الساحة الدولية، لديها مصالح استراتيجية واقتصادية مع إسرائيل، مما يدفعها لتبني مواقف متساهلة تجاهها. هذه المصالح تشمل التعاون العسكري، والتكنولوجي، والتجاري، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على القرارات السياسية لهذه الدول.

هل من تداعيات إنسانية وسياسية على ساكنة القطاع..؟

لا يمكن الحديث عن أي حرب دون الإقرار بوجود تداعيات إنسانية بالخصوص د، وهو ما يصطلح عليه بتدهور الوضع الإنساني.

فقد أسفرت الحروب المتكررة على غزة عن تدمير البنية التحتية، وزيادة الفقر، وتفاقم الأزمة الإنسانية. بحسث يعيش سكان غزة في ظروف بائسة، مع نقص حاد في الموارد الأساسية مثل الماء، والكهرباء، والرعاية الصحية. هذا التدهور يزيد من مشاعر الغضب واليأس، ما يفاقم من حدة الصراع.

ولعل ما نشاهده يوميا من مشاهد الدمار مباشرة من داخل القطاع، أمر يطرح علامات استفهام عريضة أمام المنتظم الدولي بخصوص القانون الدولي الإنساني.

وهو ما يؤكد مساهمة المنتظم الدولي بشكل كبير في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب، وذلك من خلال “عجزه” عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المتواصلة، ويشجع على استمرار السياسات العدوانية التي قد تصل إلى الإبادة الجماعية.. هذا “العجز” المفتعل، يرسل رسالة مفادها أن استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين يمكن أن يمر دون مساءلة.

الشعوب غير الأنظمة..

من الملاحظ أن نهضة الشعوب لصالح القضية، أبانت وفضحت سياسة الانحياز إلى الجانب الإسرائيلي المحتل من طرف الأنظمة الحاكمة وعدم قدرتها للوقوف مع الحق كحق.

فعندما تعجز المؤسسات الدولية عن اتخاذ إجراءات فعالة لوقف العدوان وتطبيق القانون الدولي، تتضاءل ثقة الشعوب بها. هذا العجز يعزز الشعور بالظلم ويقلل من شرعية هذه المؤسسات في أعين الشعوب، بل وتقلل من شرعية حكّامها عند عجزهم وتخاذلهم.

يبقى عجز المنتظم الدولي أمام الحرب الإسرائيلية على غزة علامة فارقة على قصور النظام العالمي في معالجة النزاعات المعقدة والعميقة. هذا العجز لا يعكس فقط الفشل في التوصل إلى حلول دائمة، بل يساهم في استمرار معاناة الشعب الفلسطيني ويزيد من تأجيج الصراعات في المنطقة.

إن تحقيق السلام في غزة يتطلب إعادة نظر جذرية في السياسات الدولية الحالية، وبناء آلية جديدة تضمن تحقيق العدالة وتنفيذ القوانين الدولية بحزم وفعالية، فضلا عن امتلاك الجرأة السياسية للاعتراف بأن المنتظم الدولي متحيّز للجانب الإسرائيلي، بل ويعمل على تحييد شعب مقاوم يدافع بحق وبكل ما أوتي من قوة إيمانية على أرضه ضد محتل غاصب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى