فواصل

إنهاء مهام اللجنة المؤقتة وسحب مشروع القانون الجديد… الطريق الآمن لإعادة بناء التنظيم الذاتي للصحافة

فواصل

إنهاء مهام اللجنة المؤقتة وسحب مشروع القانون الجديد… الطريق الآمن لإعادة بناء التنظيم الذاتي للصحافة

حسن اليوسفي المغاري

شجاعة بدون صدام؛ إصلاح بدون تدمير

لا تحتاج الصحافة المغربية اليوم إلى مزيد من التوتر أو التصادم أو المغامرة المؤسساتية، بقدر ما تحتاج إلى جرأة هادئة ومسار عقلاني يعيد الشرعية لما فقد شرعيته، ويعيد الثقة لما اهتزت فيه الثقة، ويعيد للمهنة ما تبقى لها من حصانة داخل فضاء عام يضيق أكثر فأكثر.

الواقع يفرض نفسه بوضوح: اللجنة المؤقتة المكلّفة بتدبير المجلس الوطني للصحافة انتهت صلاحيتها القانونية. ومع ذلك، ما تزال تمارس مهاماً لا تستند إلى أي أساس تشريعي، ما يجعل استمرارها خرقاً صريحاً لمنطق الشرعية، وتعبيراً عن ارتباك مؤسساتي لا يخدم الصحافيين ولا الدولة ولا المهنة.

أمام هذا الوضع، يطرح البعض خياراً جذرياً: حلّ المجلس الوطني للصحافة. ورغم مشروعية الغضب، ورغم عمق الأزمة الأخلاقية والمهنية التي ظهرت للعلن في الشهور الأخيرة، إلا أن طريق الحلّ ليس بالضرورة أقصر الطرق ولا أقلها تكلفة.

إن الحل الأكثر حكمة، والأكثر اتزانا، والأكثر ملاءمة لمصلحة المهنة، ليس حلّ المجلس، بل إنهاء مهام اللجنة المؤقتة فورا وتعويضها بهيئة انتقالية مستقلة محدودة المدة والصلاحيات، مع سحب مشروع القانون الجديد الخاص بإعادة تنظيم المجلس الوكني للصحافة.

أولا: لماذا ليس حلّ المجلس هو الخيار الأمثل؟

لسبب بسيط: حلّ المجلس يتطلب مسارا تشريعيا كاملا قد يستغرق شهورا أو سنوات، وقد يعرّض القطاع لفراغ مؤسساتي خطير.

كما أنه قد يُقرأ سياسيا باعتباره قطيعة صدامية لا يحتاج إليها السياق الراهن، في وقت يتعيّن فيه بناء معادلة جديدة بين الدولة والمهنيين تقوم على الثقة، لا على المواجهة.

زيادة على ذلك، حلّ المجلس يعني عمليا التخلي عن كل التراكمات الإيجابية—وهي موجودة رغم ضعفها—ورمي المهنة في المجهول دون ضمانات.

ثانيا: لماذا إنهاء مهام اللجنة المؤقتة هو المدخل الأكثر منطقية؟

لأن هذه اللجنة، بحكم القانون نفسه، كفّت عن الوجود القانوني منذ انتهاء أجلها.

ولأن استمرارها، رغم انتهاء صلاحيتها، يخلق وضعا شاذا يطعن في مصداقية كل القرارات والإجراءات التي تصدر عنها.

إن إنهاء مهام اللجنة المؤقتة ليس تصعيدا ولا معركة سياسية؛ إنه ببساطة عودة إلى القانون.

عودة إلى احترام الزمن المؤسساتي.

عودة إلى ما يضمن توازنا بين التنظيم الذاتي وعدم تدخل السلطة.

إن الخطر اليوم ليس في حلّ المجلس، بل في ترك اللجنة المؤقتة تتصرف خارج إطار الشرعية.

ثالثا: الهيئة الانتقالية المستقلة، الحل الواقعي لإعادة التأسيس

بدل أن نطالب بخطوة مكلفة مثل حلّ المجلس، يمكن تبنّي خيار أكثر فعالية وهدوءا:

هيئة انتقالية مستقلة مستعجلة لمدة 6 أشهر، مكوّنة من:

■ قاضٍ سابق أو شخصية قضائية ذات مصداقية

■ خبير قانوني متخصص في الإعلام

■ ممثّلين اثنين منتخبيْن عن الصحافيين

■ ممثل واحد عن الناشرين

■ شخصية حقوقية مستقلة

مهامها محدودة وواضحة:

1. ضمان الحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية (ملفات الصحافيين، بطاقة الصحافة للموسم الجديد، بطاقة التنقل عبر القطار بمرجعياتها الإدارية والقانونية)،

لمدة ثلاثة أشهر من أجل معالجة ملفات البطائق.

2. إطلاق حوار وطني مهني حقيقي

3. وضع تصور جديد للتنظيم الذاتي انطلاقا من تجارب دولية

4. التحضير لانتخابات أو لنظام جديد يستعيد الشرعية بالكامل.

بهذا المسار، لا يتوقف العمل، ولا يحدث فراغ، ولا تتوقف مصالح الصحافيين، ولا تعود الدولة لتدبير المهنة بشكل مباشر.

بل يحدث العكس تماما: تُعاد الثقة، يُعاد الحوار، ويُعاد التأسيس بطريقة تشاركية.

رابعا: لماذا هذا السيناريو بالضبط؟

لأنه يحقق ثلاثة شروط جوهرية لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح بدونها:

1. الشرعية

اللجنة المؤقتة انتهت صلاحيتها، وإنهاء مهامها واجب قانوني.

2. الاستقلالية

هيئة انتقالية مستقلة تمنع أي استغلال سياسي أو إداري لمرحلة الفراغ.

3. الحكمة المؤسساتية

لا نهدّ كل شيء، ولا ندفن تراكمات المهنة، بل نعيد البناء وفق ما يقتضيه الواقع.

خاتمة جامعة: شَجاعة بدون صدام؛ إصلاح بدون تدمير

ليس المطلوب اليوم شعارا صاخبا أو خطوة راديكالية تزيد الأزمة تعقيدا، بل مسارا ناضجا يعالج الخلل عند منبعه، إن توفرت الإرادة السياسية:

اللجنة المؤقتة انتهت ولم يعد لها سند قانوني، إذن

إنهاء مهامها هو الخطوة الأساس لإعادة الاعتبار للمهنة، ولإطلاق مرحلة انتقالية تُنصِت للجسم الصحافي، وتضع نموذجا جديدا للتنظيم الذاتي، يليق ببلد يحتاج إلى إعلام مهني حر، لا إلى هيئات منتهية الصلاحية تُعمّق الأزمة بدل أن تحلّها.

إعادة التأسيس تبدأ من هنا، لا من هدم كل شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى