ثقافة وإعلام

الإعلام المغربي.. هل يستطيع الصمود أمام تحديات تواجهه؟

رشيد العواد

ثمت تحولات هائلة يمرّ بها المشهد الإعلامي المغربي، فأصبح الإعلام المغربي اليوم عنوانا للسخرية وآداه لتشويه سمعة المواطنين ونشر التفاهات، أجهزة التليفزيون والإذاعة والسينما وصفحات المجلات والجرائد تتبارى على شيء واحد خطير هو سرقة الإنسان (1)، ويزداد هذا التأثير مع التطورات التي يشهدها الإعلام بالمغرب خصوصا بعد تحرير القطاع السمعي البصري، ومع كل هذه الأدوار التي أصبح يلعبها الإعلام في المغرب، ونوعية المواضيع التي يتناولها، فإنه يجد نفسه أمام أسئلة ملحة تطارده، عن واقع الإعلام المغربي وما مدى تعاطيه مع الأخبار بحيادية ونزاهة، وكيف له أن يوفق بين ممارسة هذه المهنة في ظل ضوابطها وأخلاقياتها، وبين احترام قيم المجتمع المغربي وما تعارف عليه الناس، وفي الوقت نفسه خلق نوع من التوازن بين الحرية والمسؤولية.

واقع الإعلام المغربي

يجابه الإعلام المغربي في الآونة الأخيرة تحديات كبرى، بعد إنهاء الدولة لاحتكار القطاع بإحداث الهيئة العليا للسمعي البصري سنة 2002(2)، ووضع مجموعة من القواعد العامة والضوابط الأساسية الساعية إلى هيكلة وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري، وذلك كله بعد أعوام من الركود والجمود، حيث باتت الساحة تعج بالقنوات الفضائية والإذاعات الخاصة، ناهيك عن الجرائد الإلكترونية التي تتفاقم وتتكاثر يوما بعد يوم كالقراد.

حيث أصبح المغرب اليوم يقف أمام دكاكين إعلامية، مما استدعى تدخل الدولة مرة أخرى بإحداث قانون جديد رقم 88.13 للصحافة والنشر(3)، والذي نشرته الحكومة المغربية في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 غشت 2016، غير أن هذه المجهودات كلها لم تؤتي بعد ثمارها، وغير كافية لتقنين هذا المجال وضبطه، حيث غدت الساحة الإعلامية مرتعا لكل الأقلام، وبيتا لكل ضال، ومهنة من لا مهنة له، وانتجت إعلاما يشتغل خارج أخلاقيات المهنة، حيث جعل هذا الأخير المواطن المغربي مادة دسمة يتناولها يمنة ويسرة، ينشر الأخبار الزائفة كالنار في الهشيم، ويساهم في نقل مجموعة من الوقائع الكاذبة وأخرى خارجة عن سياقها، لإحداث الفتن وتشويه سمعة الناس(4)، بطبيعة الحال لا يمكننا أن نضع الجميع في سلة واحدة، ولا يمكن أن نتحدث عن إعلام فاسد دون أن نشير إلى أن الساحة أيضا تزخر بأقلام حرة، تحترم المواطن المغربي، وتشتغل في ظل أخلاقيات المهنة، غير أن الإعلام المغربي ما يزال بحاجة ماسة إلى استراتيجية إعلامية واضحة المعالم، ولعب دوره الأساسي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى الدولة أيضا أن تضع مشروعا إصلاحيا دقيقا يضمن إقلاعا حقيقيا لهذا الحقل.

الإنتاجات التلفازية الرمضانية وسؤال الجودة

بحلول شهر رمضان من كل سنة، تسجل زيادة ملحوظة في وتيرة الإنتاجات التلفزيونية المغربية، ومعها يتجدد سؤال الجودة ومدى ملائمة مضامين هذه البرامج واحترامها للمشاهد خلال هذا الشهر الفضيل، وإلى أي حد تحترم الشركات المنتجة مقتضيات دفتر التحملات والسياسة العامة للإنتاج والبرمجة.

وفق استطلاع للرأي أجرته صحيفة “هسبريس” المغربية، فإن 92 في المائة من المغاربة غير راضين على الإنتاجات الدرامية المغربية في رمضان(5)، وعن الإنتاجات التلفازية بشكل عام، في جميع قنوات القطب العمومي، وككل سنة تصاحب الانتقادات وسخط الشارع المغربي لهذه الإنتاجات، حيث عبر المواطنين عن سخطهم هذا بإطلاق مجموعة من الوسوم في شبكات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن هذه الإنتاجات لا تحترم الذوق العام وتفتقد إلى روح الإبداع والاجتهاد، كما أنها تعيش في روتينية ورداءة وتكرار لنفس الأعمال والإنتاجات، مع تغيير طفيف على مستوى العناوين.

ويطرح المواطن كل سنة مجموعة من الأسئلة عن المسؤول عن هذه المهزلة دون جواب واضح من الجهات المعنية، فيما الشركات المنتجة تتهرب من المسؤولية وتحاول أن تحملها إلى ضيق المدة الزمنية المخصصة لهذه الإنتاجات، كم أن المصداقة على طلب العروض دائما تأتي في فترة متأخرة، ما يشكل ضغطا كبيرا على الشركات المنتجة ويسبب اختلالات على مستوى عمليات الإنتاج، فيما يرى إبراهيم أحد معدي البرامج مع شركة إنتاج معروفة بالرباط، أن المشكل الكبير يكمن في سمسرة هذه الإنتاجات وانتقالها من يدل منتج إلى أخر، عبر عقود خاص، حيث تنخفض ميزانية المشروع ما يؤدي إلى انخفاض الجودة فيها بغية ترشيد النفقات وإتمام العملية الإنتاجية بأقل التكاليف، عكس ما هو مشار إليه في دفتر التحملات.

إن ضمان جودة الإنتاجات الرمضانية والإنتاجات التلفازية بشكل عام مرتبط بتوفير الإمكانيات المالية والتقنية مع المراقبة المستمرة وتتبع العملية الإنتاجية، وتوفير الوقت الكامل لفريق العمل ليستطيع القراءة والتأمل، والتقطيع التقني، لأن العمل الفني هو عملية إبداعية محضة، والإبداع يحتاج وقت كاف لتحقيق العملية الإنتاجية لهدفها الاساسي والمتمثل في إمتاع الجمهور أولا وتثقيفه ثانيا.

 

حرية الصحافة واستمرار مسلسل الخروقات

احتل المغرب الرتبة 135 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2018 ، حسب الترتيب الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 بلدا حول العالم(6)، حيث سجلت بذلك تراجعا برتبتين مقارنة بالسنة الماضية، وقد تم إدراج المغرب ضمن الدول ذات الوضع الصعب، كونه لا يفصلها إلا القليل عن القائمة السوداء لأسوء البلدان في العالم في الممارسة الصحفية.

برجوعنا للوراء واستقصاء السيرورة التاريخية لحرية الصحافة بالمغرب، سنجد أن التراجع في حرية التعبير غير مرتبط بالفترة الأخيرة فقط، وإنما هو ممتد على مدى أربع سنوات متتالية، حتى أصبح المغرب اليوم حسب منظمة مراسلون بلا حدود متخلفا في مؤشر حرية الصحافة، مقارنة بدول تقبع في الحروب والنزاعات، وحسب المنظمة نفسها فإنها تعزو سبب هذا التراجع أساسا إلى ممارسة الدولة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية، وبالعودة إلى سنوات خلت نقف على مجموعة من الاختلالات والاعتقالات ومحاكمات شملت ثلة من الأقلام الحرة، بالإضافة إلى إغلاق مقرات جرائد مستقلة معروفة بالمغرب، حيث تم اعتقال 14 صحافيا خلال ملاحقات أمنية في الفترة من ماي إلى يوليوز 2017، وتم ترحيل العديد من الصحافيين الأجانب.

كما يدعو مجموعة من المحللون إلى مراجعة شاملة لقانون الصحافة، وضرورة إحداث سياسات عمومية، تنسجم مع القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، وإنزال ضمانات قانونية لعدم متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، وذلك من أجل تطوير ممارسة المهنة وحرية الإعلام.

 

المراجع
1- من كتاب / الشيطان يحكم / مصطفى محمود.
2- القانون رقم 03-77 مورد بالاتصال السمعي البصري
3- ظهير شريف رقم 1.16.122 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) بتنفية القانون رقم 88.13 مصطلحات بالصحافة والنشر
4- الإعلام الجديد في المغرب .. ضحية صائد النقرات
5- الإنتاجات التلفزية الرمضانية .. رهانات الجودة ومراعاة اختلاف الأذواق.
6 – مؤشر حرية الصحافة.. اعرف ترتيب بلدك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى