فواصل

الإعلام والتلاعب بالعقول.. نظام استلاب وتوجيه

فواصل

حسن اليوسفي المغاري

الإعلام والتلاعب بالعقول.. نظام استلاب وتوجيه

عند مناقشة مقولة تفيد بأن الإعلام يتلاعب بالعقول، يجب النظر إلى العديد من العوامل المختلفة. فعلى الرغم من أن الإعلام يمتلك قدرة هائلة على تشكيل وجهات نظر الناس وتوجيه اهتمامهم، إلا أن القضية تتعدى هذا الجانب الذي يكون في ظاهره بسيطا لكنه يخفي عمقا استلابيا بتوجيه للعقل والحواس.

أولاً وقبل كل شيء، يجب أن ندرك أن الإعلام ليس كيانًا واحدًا بل يتكون من مجموعة واسعة من المؤسسات والمنصات التي تنتج وتنشر المعلومات. تشمل هذه المؤسسات التلفزيون، والصحف، والمجلات، ووسائل الإعلام الاجتماعية، والمدونات الشخصية، وغيرها. وبما أن الإعلام يتألف من هذه العديد من المصادر، فإنه يمكن أن يتنوع تأثيره وطريقة تفاعله مع الجمهور.

تلاعب الإعلام بالعقول يمكن أن يتجلى في العديد من الأشكال. قد يتلاعب الإعلام بالمعلومات من خلال الإسهام في نشر الأخبار المضللة أو الزائفة، والترويج للمعتقدات الخاطئة أو الأفكار المحددة. قد يكون للإعلام النفوذ على الرأي العام من خلال التلاعب بعملية التحرير والتقديم والتركيب البصري للمعلومات. على سبيل المثال، يمكن للإعلام تكرار رسالة معينة بشكل مستمر لإقناع الجماهير بمعتقدات معينة أو لتشويه صورة شخص أو مجموعة معينة.

ومع ذلك، يجب أن ندرك أن التأثير الذي يمارسه الإعلام على العقول ليس مطلقًا. فالأفراد لديهم القدرة على ممارسة النقد والتفكير النقدي، والتحليل المستقل للمعلومات التي يتلقونها. بالإضافة إلى ذلك، لدى لأفراد القدرة على الوصول إلى مصادر معلومات متعددة وتقييمها بشكل منفصل قبل التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة.

هناك أيضًا العديد من الدراسات الأكاديمية التي تفحص تأثير الإعلام على العقول. وفي هذا السياق، أجريت العديد من الأبحاث التي توصلت إلى استنتاجات متضاربة. على سبيل المثال، هناك دراسات تشير إلى أن الإعلام يمكن أن يؤثر بشكل كبير على تشكيل الرأي العام والاعتقادات الشخصية. يمكن للإعلام أن يوجه الانتباه ويخلق أجواء معينة تؤثر على الاستجابة العاطفية والسلوكية للأفراد. وفي حالة الأخبار المضللة أو الزائفة، يمكن للإعلام أن يشجع على تشكيك الناس في الحقائق والمعلومات الصحيحة.

من ناحية أخرى، هناك أيضًا دراسات تشير إلى أن الناس لديهم مقاومة واستيعاب نشط للرسائل الإعلامية. فالأفراد يمتلكون قدرة على التمييز بين المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة، وبين آراء الإعلام وآراءهم الخاصة. قد يلجأ الأفراد إلى مصادر متعددة للمعلومات ويقومون بالتحقق والتحليل الذاتي قبل اتخاذ القرارات.

بالاعتماد على المعطيات المتاحة، يمكن القول إن الإعلام له دور كبير في تشكيل وتوجيه الرأي العام والاعتقادات الشخصية. ومع ذلك، يجب على الأفراد أن يكونوا واعين لهذا التأثير وأن يتبنوا موقفًا نقديًا تجاه المعلومات التي يستلمونها. ينبغي عليهم التحقق من المصادر وتقييم المعلومات بناءً على أدلة قوية وموثوقة. كما ينبغي أن يشجع الإعلام على الشفافية والمسؤولية في نقل المعلومات والحفاظ على التنوع والتعددية في وجهات النظر والآراء الممثلة.

قد لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن الإعلام يتلاعب بالعقول بشكل مطلق، إذ يتعلق الأمر بتفاعل معقد بين الإعلام والجمهور. يتطلب الأمر توعية الأفراد وقدرتهم على التفكير النقدي وتقييم المعلومات بشكل مستقل للحفاظ على صحة الرأي العام وتعزيز المشاركة الديمقراطية.

الإعلام بين الاستلاب والتوجيه: تحليل تأثير وسائل الإعلام في المجتمع

تعد وسائل الإعلام أحد أهم عوامل تشكيل الرأي العام وتوجيهه في المجتمعات الحديثة. ومع ذلك، يثار دائمًا السؤال حول مدى حيادية وموضوعية تلك الوسائل وهل تعمل فعلًا على توجيه الجمهور أم أنها تميل للاستيلاب والتأثير على الرأي العام بمصالحها الخاصة، قد يتطلب فهم هذا التأثير تحليلًا عميقًا للعلاقة المعقدة بين الإعلام والجمهور.

من الناحية الأولى، يمكن القول إن الاستلاب هو استخدام الإعلام لتشكيل وتوجيه الرأي العام وفقًا لأجندة أو مصالح محددة. يعتمد ذلك على عدة عوامل، بما في ذلك توجه المالكين للوسائل الإعلامية، والتحيز السياسي، والضغوط الاقتصادية والتجارية. في بعض الأحيان، يمكن أن تستخدم الوسائل الإعلامية لتضليل الجمهور أو توجيهه نحو اتجاهات محددة، وهذا يعد استغلالًا للقوة الهائلة التي يمتلكها الإعلام في تشكيل الرأي العام.

من الناحية الأخرى، يمكن أيضًا القول إن التوجيه الإعلامي يستند إلى تقديم معلومات وتحليلات توجه الجمهور نحو فهم معين للأحداث والقضايا. يعمل الإعلام على تقديم وجهات نظر محددة وتصوير الأحداث من زوايا معينة، وهذا يمكن أن يؤثر على تفكير الجمهور ويشكل آراءه.

 إن التوجيه الإعلامي قد يكون نتيجة لتحيزات المراسلين والصحفيين، وقد يكون أيضًا نتيجة للنظام الإعلامي الذي يعمل فيه الصحفيون والمحررين )الخط التحريري(.

ومع ذلك، يجب أن ندرك أنه لا يوجد إعلام خالٍ من الاستلاب والتوجيه بشكل كامل. فالإعلام يعمل في سياق اجتماعي وسياسي واقتصادي، وهذه العوامل قد تؤثر على مدى حيادية وموضوعية الإعلام. ومع ذلك، يمكن للجمهور أن يلعب دورًا نشطًا في تحليل وتقييم المعلومات والتأكد من صحتها وموضوعيتها. إذ يجب على الجمهور أن يكون واعيًا لأجندات الإعلام والتحيزات المحتملة، وأن يسعى للحصول على معلومات من مصادر متعددة ومتنوعة لتكوين صورة أكثر شمولًا وتوازنًا للأحداث، وعلاوة على ذلك، يمكن أن تلعب وسائل الإعلام البديلة دورًا في توفير منصات لوجهات النظر المختلفة وتقديم رؤى متنوعة للقضايا.

مع التطور التكنولوجي، أصبح بإمكان الأفراد إنشاء المحتوى الخاص بهم ومشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمدوّنات والبودكاست سواء الصوتي أو المصور. هذا يتيح فرصة لتعدد الأصوات والتنوع في الآراء، وبالتالي يمكن أن يساهم في تقليل التأثيرات الاستلابية والتوجيهية للإعلام التقليدي.

يجب أن ندرك أن الإعلام يمتلك دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام وتوجيهه. قد يتضمن هذا الدور استلابًا وتوجيهًا، ولكن يجب على الجمهور أن يكون واعيًا ونقديًا لهذا التأثير.

ينبغي علينا استخدام قدرتنا على التحليل والتقييم لمعلومات الإعلام، والسعي للحصول على وجهات نظر متعددة، والتواصل مع الآخرين لفهم وجهات نظرهم المختلفة. من خلال ذلك، يمكننا تعزيز التفكير المستقل واتخاذ قراراتنا الخاصة بناءً على معرفتنا الشاملة وتحليلنا النقدي.

الإعلام والتأثير على السلوك العام للأفراد

الإعلام يمتلك القدرة على تشكيل وجهات نظر الناس وتوجيه اهتمامهم، وبالتالي فإنه يمكن أن يؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم، ولعل أبرز الأمثلة لتأثير الإعلام على السلوك العام هو الإعلان التجاري.

 يعتمد الإعلان التجاري على استخدام تقنيات تسويقية لإقناع الجمهور بشراء منتج معين أو اعتماد خدمة معينة، ويستخدم الإعلان التجاري غالبًا العواطف والرغبات لإثارة اهتمام الناس وتحفيزهم على اتخاذ إجراء معين، مثل شراء منتج معين أو تغيير سلوك معين.

علاوة على ذلك، يمكن للإعلام أن يؤثر على السلوك العام من خلال تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية. فعندما يتم تسليط الضوء على قضية معينة بشكل مكثف في وسائل الإعلام، فإنه يمكن أن يتحول الاهتمام العام نحو هذه القضية ويؤثر على سلوك الأفراد.

على سبيل المثال، إذا تم تسليط الضوء على قضية بيئية مثل التلوث، فقد يشعر الناس بحاجة إلى اتخاذ إجراءات للحد من استخدام المواد الضارة أو المشاركة في حملات للحفاظ على البيئة.. كذلك الأمر عندما يتم التركيز مثلا على قضية ذات طابع اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي.

إضافةً إلى ذلك، يمكن للإعلام أن يؤثر على السلوك العام من خلال البرامج التلفزيونية والأفلام التي تعكس نمط حياة معين أو تروج لأفكار وقيم معينة. على سبيل المثال، إذا تم تمثيل العنف في الأفلام بشكل متكرر ومثير، فقد يؤثر ذلك على سلوك الأفراد ويؤدي إلى زيادة مستويات العنف في المجتمع.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن تأثير الإعلام على السلوك العام للأفراد ليس مطلقًا. فالأفراد لديهم القدرة على استيعاب المعلومات بشكل مستقل واتخاذ قراراتهم الخاصة.

 يتأثر الأفراد بوسائل الإعلام بناءً على خلفياتهم وقيمهم الشخصية والتعليم والتجارب السابقة، بحيث يمكن أن يكون للأفراد القدرة على ممارسة النقد وتحليل المعلومات التي يتلقونها من وسائل الإعلام واتخاذ قرارات مستقلة بناءً على ذلك.

يمكن القول إن الإعلام له تأثير على السلوك العام للأفراد، ولكن هذا التأثير قد يكون متنوعًا ومتعدد العوامل، إذ يعتمد تأثير الإعلام على الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد مع المحتوى الإعلامي والعوامل الأخرى التي تؤثر في تشكيل آرائهم وسلوكهم.

ضرورة تحليل المعلومات التي نتلقاها من وسائل الإعلام

هناك عدة طرق يمكن للأفراد استخدامها لتحليل المعلومات التي يتلقونها من وسائل الإعلام، ويمكن إجمالها في عناصر أساسية أهمها:

التحقق من المصدر: قبل أن يأخذ المتلقي المعلومات على محمل الجد، يجب أن يتحقق من مصدرها. يمكن البحث عن المصدر وتقييم مصداقيته وسمعته. الأخبار الموثوقة عادة ما تكون مدعومة بمصادر موثوقة ومعروفة.

التنوع في المصادر: من المهم أن يلتفت المتلقي إلى التنوع في المصادر التي يحصل منها على المعلومات. يمكن الاعتماد على وسائل الإعلام المختلفة مثل الصحف، والمجلات، والتلفزيون، والإذاعة، والمنصات الرقمية. التنوع في المصادر يعزز الفرصة للحصول على وجهات نظر متعددة ومعلومات متنوعة لتقييم الأحداث والموضوعات.

التحليل النقدي: ينبغي على الأفراد أن يتبنوا موقفًا نقديًا تجاه المعلومات التي يتلقونها، ويجب أن يتساءلوا عن دوافع وجود المعلومات والمصلحة التي تكمن وراءها. كما يمكن توجيه الأسئلة التالية: ما هي الحقائق المقدمة؟ هل يتم تقديم وجهات نظر متعددة؟ هل توجد أدلة مدعومة للادعاءات المقدمة؟

البحث والتحقق: في حالة الشك أو الاحتيال المحتمل، يمكن للأفراد أن يقوموا بالبحث الإضافي والتحقق من المعلومات بأنفسهم. كما يمكن استخدام محركات البحث على الإنترنت والمواقع الموثوقة للتحقق من صحة المعلومات أو للعثور على وجهات نظر متعددة حول الموضوع.

الوعي بالتأثيرات الإعلامية: يجب على الأفراد أن يكونوا على علم بالتأثيرات الإعلامية المحتملة وكيفية استهداف وسائل الإعلام للجمهور. يمكن توجيه الانتباه إلى التلاعب بالعواطف أو استخدام اللغة الاستفزازية أو التمييز في التغطية الإعلامية. عندما يكون الشخص واعيا للتأثيرات الإعلامية المحتملة، فإنه يصبح أكثر قدرة على تفسير وتحليل المعلومات بطريقة أكثر منطقية وموضوعية.

الاستفسار والمناقشة: يمكن للأفراد أن يستفسروا ويناقشوا المعلومات مع الآخرين. يمكن أن يشمل ذلك مناقشة الأحداث الحالية والقضايا المثيرة للجدل، أو المشاركة في المنتديات والمجتمعات عبر الإنترنت. من خلال الاستفسار والمناقشة، يمكن للأفراد الحصول على آراء ووجهات نظر مختلفة وتوسيع فهمهم للموضوعات المختلفة.

التحقق من الحقائق والأرقام: عندما يتم تقديم معلومات محددة أو إحصائيات، يجب التحقق من صحتها ومصداقيتها. يمكن استخدام مصادر موثوقة ومواقع إلكترونية للتحقق من الحقائق والأرقام والتأكد من أنها مدعومة بأدلة قوية.

التعامل مع التأثيرات الإعلامية المحتملة

كيف يمكن لنا التعامل مع التأثيرات الإعلامية المحتملة..

علينا أن نكون واعين لتأثيرات الإعلام، وبالتالي زيادة الوعي تجاه التأثيرات التي يمكن أن تمارسها وسائل الإعلام على الآراء والاعتقادات.

غالبا ما تستخدم وسائل الإعلام تقنيات مثل اختيار الكلمات والتلاعب بالعواطف للتأثير على الجمهور. بالتفهم العميق لذلك، يمكننا أن نصبح أكثر عرضة للتحليل النقدي وتقييم المعلومات بشكل أفضل.

هناك أيضا ضرورة تنويع المصادر وتجنب الاعتماد على وسيلة الإعلام الواحدة أو مصدر واحد فقط للحصول على المعلومات. بدلاً من ذلك، وجب تنويع المصادر من خلال قراءة الصحف المختلفة، ومشاهدة النشرات الإخبارية من محطات مختلفة، ومتابعة المدونات والمواقع الإخبارية المستقلة. ذلك سيساعد حتما على الحصول على وجهات نظر متنوعة وتقييم شامل للأحداث.

جانب آخر له أهميته، تحليل اللغة والإطار.. بحيث يجب أن نكون حذرين تجاه اللغة التي تستخدمها وسائل الإعلام في تقديم المعلومات. بتحليل الكلمات المستخدمة والطريقة التي يتم بها تصوير الأحداث، نبحث عن الانحيازيات المحتملة والتلاعب بالمشاعر والتمييز الذي قد يؤثر على تفسيرنا للمعلومات.

هناك مناحي يمكن أن تكون لنا عونا في معرفة الحقيقة، وتتمثل في تقييم المصادر، والبحث والتحقق، وتطوير القدرة على التفكير النقدي، وتوسيع مجال الإعلام الخاص بنا كمتلقين، والتحكم في الوقت، والتواصل والنقاش..

يجب أن ندرك، أخيرا، أن التأثيرات الإعلامية قد تكون قوية وتلعب دورًا هامًا في تشكيل آراءنا ومعتقداتنا. ومع ذلك، فإن التفكير النقدي والوعي الذاتي يمكن أن يساعدانا على التعامل مع هذه التأثيرات بشكل أفضل.

عندما نكون واعين لتقنيات الإعلام ومصادر المعلومات المختلفة، نستطيع تقييم المعلومات بشكل أكثر أمانة وموضوعية. ومن خلال التنوع في المصادر والبحث الذاتي، نكتسب وجهات نظر متنوعة ونفسر الأحداث بشكل أكثر توازنًا.

التفكير النقدي والتواصل مع الآخرين يمكن أن يساعدانا أيضًا في توسيع آفاقنا وفهم وجهات نظر مختلفة. وعندما نطرح الأسئلة ونشارك في النقاشات المثيرة للاهتمام، نتعلم من بعضنا البعض ونطور فهمًا أعمق للقضايا المعقدة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى