تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي والانتخابات الأمريكية: سلاح ذو حدين يهدد الديمقراطية

تكنولوجيا

بات الذكاء الاصطناعي (AI) في العصر الرقمي الحديث، يلعب دورًا محوريًا في مختلف جوانب الحياة، ولا يُستثنى من ذلك المجال السياسي. ومع اقتراب كل موسم انتخابي في الولايات المتحدة، تزداد المخاوف من استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي للتأثير على الناخبين بطرق يمكن أن تهدد نزاهة العملية الديمقراطية. فكيف يحدث ذلك؟ وما هي الأمثلة التي تؤكد هذا الخطر؟

التضليل الإعلامي عبر “ديب فايك” (Deepfake)

تعد تقنية “ديب فايك” واحدة من أخطر الأسلحة التي يمكن أن يستغلها من يسعى للتأثير على الانتخابات. هذه التقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد فيديوهات أو صور مزيفة تبدو حقيقية إلى حد كبير، بحيث يمكن استخدامها لإظهار مرشح ما وهو يقول أو يفعل شيئًا لم يحدث بالفعل.

في عام 2020، انتشر فيديو مزيف لنانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، يُظهرها وهي تتحدث بطريقة غير طبيعية، مما أعطى انطباعًا بأنها في حالة سكر. ورغم أن الفيديو تم فضحه بسرعة، إلا أن ملايين الأشخاص شاهدوه واعتقدوا بأنه حقيقي، مما يعكس القدرة الهائلة لهذه التقنية على تضليل الرأي العام.

تحليل البيانات واستهداف الناخبين

تستخدم الحملات الانتخابية الحديثة الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات المتعلقة بالناخبين، مثل تاريخهم الانتخابي، اهتماماتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى بياناتهم الشخصية. هذه المعلومات تُستخدم لإنشاء ملفات شخصية دقيقة يمكن من خلالها توجيه رسائل مخصصة لكل ناخب على حدة.

في انتخابات 2016، استعانت حملة دونالد ترامب بشركة “كامبريدج أناليتيكا”، التي استخدمت بيانات من ملايين الحسابات على “فيسبوك” لتطوير ملفات نفسية للناخبين الأمريكيين. استُخدمت هذه البيانات لاستهدافهم بإعلانات سياسية موجهة بدقة، والتي أثرت على آرائهم وساهمت في تغيير توجهاتهم الانتخابية.

التلاعب بالخوارزميات والمنصات الاجتماعية

تعتمد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى الذي يظهر أمام المستخدمين. ومع تصاعد الاستقطاب السياسي، يمكن للجهات الفاعلة استغلال هذه الخوارزميات لنشر محتوى مضلل أو متحيز بشكل واسع، مما يخلق صورة مشوهة للواقع.

في انتخابات 2020، تم الكشف عن أن روسيا استخدمت حسابات وهمية على “فيسبوك” و”تويتر” لنشر محتوى يستهدف الأقليات الأمريكية، بهدف إثارة التوترات العرقية وإضعاف الثقة في النظام الديمقراطي الأمريكي. استخدمت هذه الحسابات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى يبدو وكأنه صادر عن مصادر موثوقة، مما زاد من تأثيره.

الهجمات الإلكترونية والتحكم في البنية التحتية الانتخابية

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم أيضًا لتعزيز الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنية التحتية للانتخابات، مثل أنظمة تسجيل الناخبين أو التصويت الإلكتروني. تُظهر هذه الهجمات خطورة التحكم في العملية الانتخابية بشكل مباشر.

في عام 2016، أظهرت تقارير استخباراتية أن روسيا حاولت اختراق أنظمة انتخابية في 21 ولاية أمريكية. ورغم أن هذه المحاولات لم تؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات، إلا أنها كشفت عن الضعف الأمني الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستغله في المستقبل.

ما العمل لمواجهة هذه التحديات؟

يقول خبراء التكنولوجيا الحديثة إنه يجب تعزيز إجراءات الأمن السيبراني وتطوير أدوات جديدة للكشف عن المحتوى المزيف المدعوم بالذكاء الاصطناعي. كما ينبغي تعزيز الوعي العام حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، وتشجيع منصات التواصل الاجتماعي على اتخاذ خطوات أكثر صرامة لمكافحة التضليل الإعلامي.

إن الذكاء الاصطناعي، كأي تقنية أخرى، هو سلاح ذو حدين. فبينما يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز الكفاءة في مختلف المجالات، يمكن أن يُستخدم أيضًا بطرق تهدد نزاهة الأنظمة الديمقراطية. لذلك، لذى يجب التعامل معه بحذر وتطوير استراتيجيات فعالة لضمان عدم استغلاله في التأثير السلبي على الانتخابات.

الذكاء الاصطناعي والانتخابات الأمريكية: سلاح ذو حدين يهدد الديمقراطية
الذكاء الاصطناعي والانتخابات الأمريكية: سلاح ذو حدين يهدد الديمقراطية

أمثلة حالية تهم أساسا الانتخابات الأمريكية تم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي ظهرت أنها مفبركة

في الفترة الأخيرة، ظهرت عدة أمثلة على استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر محتوى مفبرك مرتبط بالانتخابات الأمريكية، مما أثار قلقًا واسعًا حول تأثير هذه التقنية على نزاهة العملية الانتخابية. إليك بعض الأمثلة الحديثة:

1 الفيديو المزيف لجو بايدن

في عام 2023، انتشر على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يعلن عن إجراءات جديدة مثيرة للجدل تتعلق بالهجرة. تبين لاحقًا أن الفيديو تم تعديله باستخدام تقنية “ديب فايك”، حيث تم تغيير حركات شفاه بايدن لتتوافق مع نص لم يقله في الواقع. رغم سرعة كشف الفيديو على أنه مفبرك، إلا أن انتشاره السريع أثار تساؤلات حول قدرة الجمهور على التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف.

2 الصور المزيفة لتجمعات انتخابية

في سياق التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة، تم تداول صور على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر تجمعات انتخابية ضخمة لدونالد ترامب، بينما كانت في الواقع تجمعات صغيرة. تم تعديل الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي لإضافة حشود غير موجودة على أرض الواقع، مما أعطى انطباعًا خاطئًا حول حجم التأييد الشعبي لترامب.

3 الحسابات الوهمية على تويتر

في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، تم الكشف عن شبكات من الحسابات الوهمية على تويتر تم تسييرها باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه الحسابات كانت تنشر أخبارًا مفبركة ومحتوى مثيرًا للانقسام حول المرشحين، بهدف التأثير على الرأي العام. التحقيقات أظهرت أن هذه الحسابات كانت تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى يبدو كأنه صادر عن أفراد حقيقيين.

4 التسجيلات الصوتية المزيفة

أُثير جدل واسع خلال هذه السنة بعد انتشار تسجيل صوتي مزعوم لدونالد ترامب يقول فيه أنه يعتزم القيام بأعمال غير قانونية بعد فوزه المحتمل بالانتخابات. التحقيقات أكدت أن هذا التسجيل تم توليده بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث تم التلاعب بالصوت ليبدو وكأنه صادر عن ترامب. هذا النوع من التسجيلات يمكن أن يكون له تأثير كبير على الرأي العام، خاصة إذا لم يتم اكتشاف زيفها بسرعة.

5 تضليل حول السياسات الاقتصادية

خلال الانتخابات التمهيدية لعام 2024، ظهرت مقاطع فيديو وصور مزيفة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، تزعم أن المرشح “روبرت كينيدي” يخوض السباق مرشحا مستقلا، يعتزم فرض ضرائب جديدة غير شعبية. هذه المزاعم استندت إلى محتوى مفبرك، ولكنها انتشرت بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثر على حملة كينيدي وعلى تصور الناخبين له.

 

وبخصوص صورة كمالا هاريتس التي نشرها إيلون ماسك على منصة ايكس

في الآونة الأخيرة، أُثير جدل كبير حول صورة مفبركة لنائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، التي نشرها إيلون ماسك على منصة “إكس” (تويتر سابقًا). هذه الصورة تُظهر هاريس وهي تُعطي تصريحًا يُفهم منه أنها تؤيد إجراءات مثيرة للجدل حول حقوق التصويت، لكن اتضح لاحقًا أن الصورة تم التلاعب بها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

تفاصيل الحادثة

إيلون ماسك، الذي أصبح مؤخرًا أكثر نشاطًا في مشاركة آرائه السياسية على منصات التواصل الاجتماعي، نشر هذه الصورة على حسابه، مع تعليقات تشير إلى أنه يسخر من هاريس ومن سياساتها. الصورة نُشرت خلال فترة حساسة كانت فيها الانتخابات الأمريكية موضوع نقاش ساخن.

تحليل الصورة

التحقيقات التي أجريت لاحقًا أوضحت أن الصورة المفبركة أُنتجت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعديل تعابير وجه هاريس وجعلها تبدو وكأنها تقول شيئًا لم تقله في الواقع. كما تم التلاعب بالنص المصاحب للصورة ليبدو وكأنه تصريح رسمي، رغم أنه لم يصدر أي شيء من هذا القبيل عنها.

ردود الفعل

تسببت الصورة في موجة من الانتقادات لماسك، حيث اعتبر الكثيرون أن نشر محتوى مزيف على هذه المنصة يعزز من انتشار التضليل ويهدد النزاهة العامة للخطاب السياسي. بعد فترة قصيرة، تم الكشف عن زيف الصورة وانتشر ذلك على نطاق واسع، مما دفع البعض إلى المطالبة بمزيد من الرقابة على المحتوى المزيف على وسائل التواصل الاجتماعي.

أهمية هذه الواقعة

ما حدث مع صورة كامالا هاريس هو مثال آخر على الكيفية التي يمكن بها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التضليل الإعلامي، حتى من قبل شخصيات عامة مؤثرة مثل إيلون ماسك. هذا الحادث يسلط الضوء على التحديات المستمرة في مكافحة المعلومات المزيفة والتضليل في العصر الرقمي، ويؤكد على الحاجة إلى تعزيز آليات التحقق من المعلومات وتوعية الجمهور حول كيفية التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف.

تُظهر هذه الواقعة أهمية التزام المسؤولية من قبل الأفراد، خصوصًا المؤثرين، في نشر المعلومات، والتأكد من صحتها قبل مشاركتها على نطاق واسع.

 

الدور الذي أصبح يلعبه إيلون ماسك من خلال منصته ايكس في دعم دونالد ترامب

يلعب إيلون ماسك، بصفته مالكًا لمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)، دورًا متزايدًا في التأثير على المشهد السياسي الأمريكي، ولا سيما في دعم دونالد ترامب. هذا الدعم يمكن ملاحظته عبر عدة مظاهر، بدءًا من استعادة حساب ترامب على “إكس”، وصولًا إلى الطريقة التي يتم بها إدارة المحتوى السياسي على المنصة.

1 إعادة حساب ترامب على “إكس

بعد أن تم حظر حساب دونالد ترامب على تويتر في أعقاب أحداث 6 يناير 2021، بسبب مخاوف من التحريض على العنف، أعاد ماسك الحساب بعد استحواذه على المنصة في أواخر 2022. ماسك برر هذه الخطوة بأنها تأتي في سياق حرية التعبير، مؤكدًا أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على سماع آراء ترامب، حتى وإن كانت مثيرة للجدل. هذه الخطوة لاقت انتقادات واسعة، حيث اعتبرها البعض محاولة لمنح ترامب منصة جديدة لنشر أفكاره والتأثير على الناخبين.

2 التغريدات والتعليقات السياسية

منذ استحواذه على “إكس”، أصبح ماسك أكثر انخراطًا في النقاشات السياسية على المنصة. وقد ظهر في عدة مناسبات وهو يعبر عن دعمه الضمني لترامب أو يشارك محتوى قد يكون مفيدًا لقاعدته الانتخابية. على سبيل المثال، قام ماسك بمشاركة أو التفاعل مع تغريدات تنتقد إدارة بايدن أو تدعم سياسات ترامب.

3 نهج إدارة المحتوى

تحت قيادة ماسك، اتخذت منصة “إكس” نهجًا مختلفًا تجاه المحتوى السياسي، حيث خفضت من مستوى الرقابة التي كانت تُفرض على المنشورات التي تتعلق بالتضليل أو الأخبار الكاذبة. هذا النهج سمح بانتشار أوسع للمحتوى المؤيد لترامب، سواء كان هذا المحتوى دقيقًا أو مضللًا. كما أن ماسك نفسه انتقد وسائل الإعلام التقليدية، مما أضفى شرعية على الأفكار التي تروج لنظرية المؤامرة وتعتبر الإعلام التقليدي منحازًا ضد ترامب.

4 الهجمات على المعارضين

بالإضافة إلى دعمه غير المباشر لترامب، يستخدم ماسك منصته أيضًا للهجوم على المعارضين السياسيين لترامب. على سبيل المثال، وجه انتقادات لاذعة للسياسيين الديمقراطيين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، وأعضاء آخرين في الحزب الديمقراطي. هذه الهجمات تعزز من الاستقطاب السياسي وتعزز من قوة ترامب وقاعدته الشعبية.

5 التأثير على النقاش العام

نظرًا لشعبية منصة “إكس” وقوة تأثيرها على النقاش العام، فإن إدارة ماسك لها تأثير كبير على كيفية تشكيل الرأي العام. من خلال دعم حرية التعبير بشكل مطلق تقريبًا، حتى عندما يتعلق الأمر بالمحتوى المضلل، يمكن أن يسهم ذلك في تشويه الواقع وتوجيه النقاش العام نحو القضايا التي تخدم أجندة ترامب السياسية.

أصبح إيلون ماسك، من خلال ملكيته لمنصة “إكس”، يلعب دورًا محوريًا في دعم دونالد ترامب وتوجيه النقاش السياسي في الولايات المتحدة. هذا الدعم لا يتجلى فقط في القرارات المباشرة مثل إعادة حساب ترامب، ولكن أيضًا في كيفية إدارة المحتوى السياسي على المنصة وتفاعلات ماسك الشخصية مع القضايا السياسية. في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب، قد يكون لهذا الدور تأثيرات بعيدة المدى على مسار الانتخابات الأمريكية ومستقبل الديمقراطية في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى