فواصل

اليوم العالمي لحرية الصحافة.. نحتفل وحرية الصحافة تحت مطرقة عدالة الأقوى

حسن اليوسفي المغاري

اليوم العالمي لحرية الصحافة.. نحتفل وحرية الصحافة تحت مطرقة عدالة الأقوى

 

حرية الصحافة تعني أساسا حرية الرأي والتعبير، كما تقدمها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبما أن الدستور المغربي ينص في فصله الـ25 “أن حرية الفكر والرأي

حسن اليوسفي المغاري

والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، وفي الفصل 28 أن”حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية” وبأن “للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”. فرغم كل هذه الترسانة القانونية نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أمام إعمال بنود القانون الجنائي لمحاكمات الغرض منها تكميم الأفواه وتكميم حرية الرأي والتعبير، وبالتالي صرنا نعيش مع صراع الرقابة الذاتية التي باتت تقض مضجع غالبية ما تبقى من أقلام نزيهة !

فهل يحق لنا فعلا أن نحتفل؟

الاحتفال له طُقوسه ومناسباته.. له واقعه الاحتفالي الذي يجعل منك إنسانا فرحا بطبيعة الحدث الذي يجعلك مُنتشيا بكل ما يحيط من حولك.. فهل نحن كذلك؟!

الواقع لا يؤشر بتاتا على منطوق “الحرية” كما هو متعارف عليها، بل ولا يبشر بأي خير إذا ما سلّمنا بأن الحرية عند الصحافي تعني أساسا الحرية في تناول جميع المواضيع بكل موضوعية ومسؤولية، وأولى تلك المواضيع ما تعلق منها بالفساد وضرورة محاسبة كل مسؤول كيفما كانت درجة مسؤوليته وتقديمه للعدالة منم أجل المحاكمة..

ليس المكان هنا لتشريح واقعنا الإعلامي، ولن أنتشي فرحا لذكرى سنوية أراد أصحابها أن تكون “يوما عالميا لحرية الصحافة”، ولكن.. وبما أن المناسبة شرط، وجب الاحتفال، ولكلٍّ منا احتفاله بما يراه مناسبا ولائقا بمقامه، وبما يراه ظاهرا أو خفيّا من واقع الحرية، لظاهرة تسمى “حرية الصحافة”..

الصحافة والإعلام عندنا ينهلُ من واقع السياسة، والسياسة تنهل من واقع بئيس أخلاقيا وتربويا وتعليميا..

إعلامنا المتوخّى منه تنوير وتوعية وتثقيف وأيضا توجيه الرأي العام، بكل حرية وبكل مسؤولية وبالمصداقية اللازمة والأخلاق المهنية، هو للأسف، عنوانٌ للرداءة والتسفيه، لا أعمم طبعا، ولكن ما يطفو على سطح الإعلام بحضوره اليومي، لا يكاد يكون سوى دمية صارت بين أنامل السّاسة يحركونها تارة ذات اليمين وتارة أخرى ذات الشمال، وأصبح الصحافي ألعوبة بين مؤسسات تحكم مصيره ليصير عنوانا للتفاهة وببغاء لإعادة نشر أخبار ما يصطلح عليه بـ”صحافة المكتب” بعيدا كل البعد عن جوّ التحري والتقصي مادام الأخير يودي إلى المصير المحتوم المعلوم.

لنتذكر جميعا حملة “المقاطعة” تلك والنجاح الذي حققته بفعل الانتشار الذي ساعدت عليه مواقع التواصل الاجتماعي.. ولنتذكر أيضا حينها الإهانات التي تلقاها الشعب من طرف بعض المسؤولين.. فمنهم من قال “المداويخ”، ومنهم من سوّلت له عرنسيته بوصفنا ب”الخونة”، ومنهم من قال إننا “جيعانين”..  ومنهم من تربّع على كرسي المسؤولية وقال بأنه سيعيد تربيتنا.. ورأينا كيف كانوا يتقاذفون مسؤولية إقرار قانون “تكميم الأفواه” حتى لا تكون وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وسيلة مفتوحة لفضح تسلط السلطة وغطرسة اللوبيات الاقتصادية المتحكّمة ودكاكين السياسة المهترئة..

إنها حرية الرأي والتعبير كما تتعترف بها الدوائر الرسمية لا كما هو متعارف عليها بالنصوص القانونية الحقوقية.

إننا نحتفل وواقعنا الإعلامي يسائلنا جميعا، واقع حرية الصحافة في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. والسؤال المحوري عن أية حرية نتحدث؟ ما شكلها وما لونها وكيف حيكت ومن يحيكها وعلى أي مقاس؟

هل لدينا مؤسسات تعمل وتساهم من أجل النهوض بالتنظيم الذاتي للصحافة؟

كيف لنا أن نستوعب ما يحدث أمام تدخل الحكومة لفرض واقع جديد على المجلس الوطني للصحافة؟

كيف لنا أن نستوعب جديد ما يدبّج في الخفاء لتخصيص دعم بمواصفات لا تمت بصلة لمفهوم الدعم؟

إذا كان الأمر يتعلق بحرية مقولة “قولو العام زين”، فذاك أمر قد تحقق فعلا بوسائل إعلام باتت تُعرف كأبواق رسمية، صار همّها الحضور في المواسم والأفراح والأتراح والتصفيق و”تغراق الشقف” لكل صوت معارض.. حتى ينال جزاء ما اقترفت يداه عند إيمانه بـ”حرية الرأي والتعبير”. .

فبالنظر إلى تقارير المنظمات الدولية المختصة بدراسة واقع الصحافة والإعلام عموما، نجد أنفسنا في مراتب متدنية.. إننا اليوم في المرتبة 144 من أصل 180 في مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود.. وواقعنا يشهد على محاكمات بسبب نشر أخبار صحيحة، وأخرى بسبب خطها التحريري غير المتناغم مع التوجه الرسمي، ومحاكمات مغلّفة بلبوس غير إعلامي صرف وبعيدا عن بنود قانون الصحافة والنشر، وبعيدا عن اعتماد قرينة البراءة وحسن النية.

صورتنا وواقعنا لا يشرفاننا نحن كجسم إعلامي ملتزم بأخلاقيات العمل الصحفي.. وبالنظر إلى ما نعاينُه نُسائل أنفسنا: هل يجدر بنا الاحتفال بصيغة الانتشاء، أم الارتكان إلى زاوية الانكفاء أم الصّدح بقول الحق والعمل بنضال مستمر غير المضمون العواقب..

أملي أن نحتفل يوما بديمقراطية إعلامية في كنف حرية الرأي والتعبير، دون تضييق أو إقصاء، ودون تلميع لصورة جهة عن أخرى، ودون تحيّز لطرف عن آخر، ودون احتكار للمعلومة، ودون تنقيص لموقف أو لحركة أو لفكر أو لاجتهاد..

أملي أن نحتفل يوما بواقع إعلامي حُرّ ونزيه..

أملي أن أرى الحرية تمشي بين ظهراننا بالتزام وبأخلاق وبمصداقية، وبمهنية أيضا.. والصحافي ليس ملاكا، ومهنة الصحافة ليست مقدّسة لدرجة انتهاك حرمة المواطن والعبث بحياته الشخصية وتشويه سمعته وإذلال أفراد أسرته وعائلته.

أملي ألا نفقد البوصلة والرقابة الذاتية مسلطة على تفكيرنا..

أملي أن نتوفر على قضاء نزيه يشتغل بضمير العدالة وبميزان الحقوق وبعقل وبضمير القاضي الذي لا يبالي بتلك الأنامل التي تعبث بالصحافي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى