
خمسة فيتوهات أمريكية في عام ونصف.. مجلس الأمن يُشل والعدالة تُذبح في غزة
في مشهد مألوف يتكرر أمام أنظار العالم، يرفع المندوب الأمريكي يده في قاعة مجلس الأمن الدولي، لتسقط من جديد كل آمال الملايين في وقف العدوان، أو حماية المدنيين، أو حتى المطالبة بحق الحياة.
إن ما يسمى بـ”حق النقض” أو الفيتو، الذي تتمتع به الولايات المتحدة الأمريكية كعضو دائم في مجلس الأمن، لم يعد مجرد أداة دبلوماسية بل تحول إلى سلاح سياسي تُجهض به تطلعات الشعوب وقرارات المجتمع الدولي.
الفيتو.. من أداة توازن إلى وسيلة تعطيل
وُجد الفيتو لضمان توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية، ولمنع انفراد جهة بقرارات مصيرية، إلا أن الواقع يكشف تحوله إلى وسيلة تعطيل العدالة، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو أي قضية تمس مصالح إسرائيل، الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة.
منذ تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أكثر من 80 مرة، وأكثر من نصفها تقريبا في حماية إسرائيل من قرارات أممية كانت ستدين انتهاكاتها أو تطالب بوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني.
ففي زمن تحكمه المصالح ويُدار بمنطق القوة، لم يعد رفع اليد في مجلس الأمن مجرّد إجراء دبلوماسي، بل أصبح فعلا يعادل إسقاط قنبلة على أبرياء. منذ أكتوبر 2023، وخلال ما يزيد قليلا عن عام ونصف، رفعت الولايات المتحدة يدها خمس مرات في وجه المجتمع الدولي، مستعملة الفيتو لإجهاض كل مسعى أممي يروم إنقاذ غزة من جحيم الإبادة.
ولم تكتفِ واشنطن بالدعم السياسي والعسكري المطلق لإسرائيل، بل جعلت من مجلس الأمن ساحة لتعطيل العدالة، وتجميد القرارات، وتمرير جرائم الحرب تحت غطاء “التحالف الاستراتيجي”. وكانت الحصيلة خمسة فيتوهات متتالية، جميعها تصب في منع أي وقف لإطلاق النار أو اعتراف بالحق الفلسطيني:
1– فيتو 20 فبراير 2024
ضد مشروع قرار جزائري يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وفتح ممرات إنسانية.
أمريكا اعتبرته غير “متوازن” لأنه لم يُحمّل حماس المسؤولية الكاملة.
2– فيتو 18 أبريل 2024
ضد مشروع قرار يمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
برّرت موقفها بأن الاعتراف لا يتم إلا عبر مفاوضات مباشرة، متجاهلة دعم 12 دولة عضواً بالمجلس.
3– فيتو 1 يونيو 2024
ضد قرار يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة.
زعمت واشنطن أن وقف إطلاق النار يجب أن يُربط بالإفراج عن الرهائن.
4– فيتو 20 نوفمبر 2024
ضد مشروع قرار مدعوم من 14 دولة لوقف العدوان الإسرائيلي فورًا ودون شروط.
واشنطن استخدمت الفيتو منفردة، بدعوى أن القرار لا يُدين حماس.
5– فيتو 4 يونيو 2025 (الأحدث)
ضد مشروع قرار جديد يدعو إلى وقف شامل وفوري للحرب على غزة، تقدمت به دول غير دائمة العضوية، وسط دعم واسع من المجتمع الدولي.
صوّتت 14 دولة لصالح القرار، فيما استخدمت الولايات المتحدة وحدها الفيتو، في موقف يعكس استمرار تحديها لإرادة العالم واستهتارها بالمأساة الإنسانية التي يعيشها أكثر من 2 مليون فلسطيني.
مجلس الأمن تحت الهيمنة الأمريكية
بات مجلس الأمن رهينة لقرار دولة واحدة، تُسقِط وحدها ما يُجمع عليه العالم. بينما يتحدث الميثاق الأممي عن حفظ السلم والأمن الدوليين، تحوّل الفيتو الأمريكي إلى أداة لحماية العدوان، وتعميق الحصار، وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.
وفي الوقت الذي تُفرض فيه العقوبات على دول وتُطلق فيها حملات عسكرية تحت شعار “حقوق الإنسان”، يُترك الشعب الفلسطيني يموت جوعا وقصفا تحت الحصار، فقط لأن إسرائيل تحظى بـ”الفيتو المقدّس”. إنها أبشع صور ازدواجية المعايير في القرن الحادي والعشرين.
دعوات عاجلة لإصلاح جذري
إن توالي الفيتوهات بهذا الشكل الممنهج لا يترك شكّا في الحاجة إلى إصلاح عاجل لنظام الفيتو، خاصة في حالات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. لا يُعقل أن يُمنح حق النقض لدولة تقف ضد كل مبدأ إنساني، فقط لأنها تملك مقعدا دائما.
خمسة فيتوهات في وجه غزة، خمسة صكوك براءة لآلة الحرب الإسرائيلية، خمسة مشاهد مخزية لمجلس الأمن وهو يُفرّط في جوهر وجوده. وستبقى هذه الفيتوهات وصمة في جبين النظام الدولي، ودليلا دامغا على أن القانون لا يُطبّق على الجميع، وأن يدًا واحدة تكفي لإسقاط العالم في الهاوية.