زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى سوريا: رمزية متأخرة أم محاولة لاستعادة نفوذ ضائع؟
بالعربي من باريس |
زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى سوريا: رمزية متأخرة أم محاولة لاستعادة نفوذ ضائع؟
في خطوة أثارت جدلا واسعا، قام وزير الخارجية الفرنسي، “جان- نويل بارو” بزيارة سوريا، لكن البداية كانت بلقاء رئيس الكنيسة السورية، متجاوزا ما يُعرف بـ”البوابة الدبلوماسية الرسمية”. هذه الزيارة لم تُثر التساؤلات فقط بسبب ترتيب اللقاءات، بل أيضا بسبب توقيتها المتأخر بعد 14 عاما من تجاهل فرنسا الفعلي للوضع السوري، لتأتي الآن بزيارة تحمل سلوكا دبلوماسيا يفتقر إلى الوضوح.
منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، اتبعت فرنسا موقفا متصلّبا تجاه النظام السوري، مشيرة إلى الانتهاكات التي ارتكبها ضد شعبه. لكن هذا الموقف لم يتطور إلى سياسة عملية تُحدث تغييرا ملموسا على الأرض. بل اختارت فرنسا الابتعاد عن الميدان السوري، تاركة فراغا ملأته قوى دولية أخرى مثل روسيا وإيران.
الآن، بعد سنوات من الغياب، يبرز سؤال منطقي: لماذا تأتي هذه الزيارة الآن؟ ولماذا يبدأ وزير الخارجية الفرنسي زيارته بلقاء رئيس الكنيسة، في حين أن الواقع السوري يحتاج إلى حوار مباشر، أولا، مع السلطات الرسمية أو القوى المعارضة لتحقيق أي تقدم سياسي؟
قد يكون الجواب مرتبطا برغبة فرنسا في استعادة نفوذها المفقود في منطقة الشرق الأوسط. لكن التوقيت المتأخر والأسلوب المتبع يعكسان ترددا وعدم قدرة على تحديد الأولويات الدبلوماسية بوضوح.
اختيار زيارة الكنيسة قبل الانخراط مع الأطراف السياسية الرسمية أو المعارضة يبعث برسالة مفادها أن فرنسا ربما تفضل التركيز على البعد الروحي بدلا من التعامل مع الواقع السياسي المعقّد. ومع ذلك، فإن هذه الرسائل الرمزية وحدها لا تكفي لإحداث تأثير على الأرض، خاصة في ظل الظروف الحساسة التي يعيشها الشعب السوري.
التعامل غير الملائم خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسي مع أحمد الشرع، قائد الثورة السورية، يزيد من التساؤلات حول جدية باريس في دعم الشعب السوري. فإذا كان الهدف من الزيارة هو تعزيز العلاقات مع القوى الفاعلة في سوريا، فلماذا لم تُظهر فرنسا اهتمامها منذ البداية، قبل أن تُتاح الفرصة للقوى الأخرى لتعزيز نفوذها؟
غياب فرنسا عن المشهد السوري طوال 14 عاما أضعف من قدرتها على التأثير في مسار الأحداث. القوى الدولية الأخرى استثمرت الوقت والموارد لتحقيق مصالحها، بينما اكتفت فرنسا بتصريحات ومواقف رمزية لم تُترجم إلى سياسات فعالة.
الآن، ومع محاولتها العودة إلى الساحة، تواجه باريس تحديا كبيرا يتمثل في بناء مصداقية جديدة. هذه المصداقية لا يمكن تحقيقها عبر زيارات رمزية فقط، بل تتطلب انخراطا عمليا وشجاعة لمواجهة التحديات الدبلوماسية بشكل مباشر.
إن زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى سوريا، رفقة رئيسة وزراء ألمانيا وما حدث في أمر المصافحة، زيارة بتوقيتها المتأخر وترتيبها الغريب، تعكس ترددا واضحا في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه المنطقة، فرنسا بحاجة إلى استراتيجية شاملة تتجاوز الرموز الروحية لتتعامل مع الواقع السياسي بكل تعقيداته.
إن تجاهل “البوابة الدبلوماسية” أولا، لصالح لقاء ديني، ليس فقط تساؤلا حول أولويات فرنسا، بل هو أيضا فرصة مهدورة لإعادة بناء دورها كقوة دبلوماسية فاعلة في المنطقة.
بالعربي من باريس |