غزة.. جرح الإنسانية المفتوح أمام إعلام فرنسي شارد
بالعربي من باريس |
غزة.. جرح الإنسانية المفتوح أمام إعلام فرنسي شارد
في غزة، حيث تغيب الشمس كل يوم عن أحلام لم تُولد، يتوه العالم عن صرخات الأطفال وهم يُسحقون تحت الأنقاض. كل بيت مهدوم يحمل قصصا كانت ستكبر، وكل جسد هامد هو عنوان لحياة سرقتها آلة الحرب.
في هذا المشهد الدامي، يقف الإعلام الفرنسي شاردا، كمن يُحاول رؤية الحقيقة من وراء زجاج مشوّه، مكتفيا بروايات باردة لا تتعدى حدود المصالح.
غزة ليست مجرد مكان على الخريطة؛ إنها أمةٌ تُقتل على مرأى العالم. أكثر من 44,000 روح صعدت إلى السماء، منهم 14,500 طفل لم يعرفوا من الحياة سوى صوت الصواريخ وألم الفقد. ضحايا لا يراها الإعلام الفرنسي، إنها مجرّد حكاية عابرة، دون أن يرفَّ له جفن.
هل فقدنا القدرة على الإحساس؟ أم أننا في عصر أصبح فيه الموت تجارة تُديرها الروايات السياسية؟
وسط هذا الخراب، هناك حرب أخرى تُشن على الحقيقة ذاتها. زهاء 200 من الصحفيين قُتلوا وهم يوثقون المأساة، يحاولون أن يكونوا شهودا على ما يحدث، لكنهم أصبحوا ضحايا لنفس الظلم الذي أرادوا فضحه. هؤلاء الصحفيون لم يجدوا في الإعلام الفرنسي صدىً لدمائهم، بل وجدوا صمتا يعادل الرصاص، وتجاهلا لا يليق بمهنة تُفاخر بأنها صوت الضمير.
في شوارع غزة، حيث الدموع تغسل الأرصفة، يقف العالم الرسمي صامتا. الأمهات اللواتي يودعن أبناءهن بلا وداع لائق، والآباء الذين يبحثون عن بقايا أسرهم بين الأنقاض، يصنعون مشهدا يتجاوز الألم إلى درجة من الحزن لا يمكن وصفها بالكلمات. ومع ذلك، يصرُّ الإعلام الفرنسي على أن يُبقي هذا الجرح مختبئا وراء عبارات مائعة ومواقف تفتقد للشجاعة.
الأطفال في غزة لا يعرفون من الحياة سوى ظل الموت. مدارسهم أصبحت ملاجئ خربة، وأحلامهم أُعيد تشكيلها لتتناسب مع قسوة الواقع. هؤلاء الصغار، الذين يُفترض أن يكونوا مستقبل أمة، هم اليوم سجناء لزمن لا يرحم. لكن الإعلام الفرنسي لا يرى ذلك؛ فهو مشغول بتبرير الظلم أو تغطيته بحياد زائف، يساوي بين الضحية والجلاد.
حين نتحدث عن الإعلام الفرنسي، نتحدث عن تركة تاريخية كانت تُفترض أن تحمل راية الحرية. لكنه اليوم أضحى متواطئا بصمته، حائرا بين مصالحه السياسية وضياع مصداقيته. لم يعد صوتا للحق، بل بات جزءا من منظومة تساهم في دفن الحقيقة تحت ركام المصالح.
غزة ليست مجرد حرب على الأرض، بل هي اختبار لإنسانيتنا جمعاء. كل صرخة تطلق هناك هي نداء للضمير، وكل مشهد دمار هو دعوة للتفكير في معنى العدالة التي أصبحت مجرد كلمات فارغة في خطاب العالم الرسمي.
حين يُكتب التاريخ، ستظل غزة الجرح المفتوح الذي عرَّى هشاشة القيم، وصمت الإعلام الفرنسي شهادةًد على خذلان جماعي. لكن غزة، بحزنها وصمودها، ستبقى الشاهد الحي على حقيقة أن الإنسانية، وإن غابت عنها الأصوات، فإنها ترفض أن تُمحى من الوجود.
بالعربي من باريس |