غزَّة.. صمودٌ وإبادة..

فواصل –
في أحشاء غزة، تنبض الأرض بأنين لا يسمع، تنزف جروحها دما أحمر قانيا يروي ترابا طالما احتضن الأحلام قبل أن يغدو كفنا للشهداء.
هناك، تحت سماء ملبّدة برائحة الموت، تُساق الأرواح بإبادة جماعية، وتُدفن الأماني تحت أنقاض بيوت كانت يوما ملاذا.
حرب إبادة ليست مجرد فصل عابر في كتاب التاريخ، بل مسرحا مروعا تتجلى فيه وحشية الإنسان، حيث تُزهق أنفاس الأطفال بقذائف لا تعرف الرحمة، وتُسحق أحلام الشباب تحت أحذية الغطرسة الإسرائيلية، تلك الغطرسة التي تتكئ على عرش من حديد ونار، يغذيها دعم أمريكي لا يعرف الخجل، يمدّها بآلات القتل ويلفها بوشاح من الصمت المقيت، لتستمر في رقصتها المجنونة على جثث الضحايا.
لكن الألم يشتد، يتحول إلى خنجر في القلب، حين نلتفت إلى الأنظمة العربية، فنجد بعضها ينسج خيوط تواطؤه بخفة العنكبوت، يمد يداً ملطخة بالعار ليشد أزر الجلاد، ونجد آخرين يختبئون في جحور الصمت، يلفون أعناقهم بأكفان الجبن، كأن دماء غزة ليست من شرايينهم، وكأن عويل الثكالى لا يخترق جدران قصورهم. أما العالم، ذلك المجتمع الدولي الذي طالما تغنى بالعدل، فيقف متفرجا، يلقي خطاباته الجوفاء كقصاصات ورق تذروها الريح، يدين بلغة ميتة، ثم يغمض عينيه عن مذبحة تُكتب فصولها بالدم أمام مرأى البشرية جمعاء.
غزة ليست مجرد بقعة على الخريطة، إنها ندبة في ضمير الزمن، وجع يتردد صداه في كل نفس تؤمن بالحق.
في كل طفل يُسلب حياته، تُذبح البراءة، وفي كل أم تحتضن فلذة كبدها الممزق، تُصلب الإنسانية على أعواد الخذلان. لكن غزة، يا أهل الأرض، لن تنكسر، ففي رحم أنقاضها تختمر المقاومة، وفي دماء أبنائها شعلة لا تخبو، تنتظر فجرا يمزق ظلام الظلم، يوما يرفع فيه التاريخ راية الحق على أسنة السيوف المكسورة، وتنهض غزة من رمادها كطائر الفينيق، شاهدة على عزة لا تموت .