فاتح ماي في المغرب: احتفال بطعم المرارة وسط أزمات متراكمة

فواصل
حسن اليوسفي المغاري
في الأول من ماي من كل سنة، تحتفل شعوب العالم بعيد العمال، ذكرى نضالية رمزية تعود جذورها إلى كفاحات الحركة العمالية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية. لكن في المغرب، يغدو هذا اليوم مجرد طقس بروتوكولي متكرر، تفقد فيه الشعارات بريقها، وتُختزل النضالات في مسيرات باهتة تقودها نقابات هرِمَ زعماؤها واستوطنوا كراسي القيادة إلى أن يفصل الموت بينهم وبينها.
نقابات فقدت شرعيتها النضالية
تمر الذكرى هذه السنة والمشهد النقابي المغربي يعيش حالة من التكلّس، حيث لم تعد النقابات تمثل صوت الطبقة العاملة بقدر ما تحوّلت إلى أدوات تفاوضية لمراكمة الامتيازات لزعمائها. فبعض الزعماء النقابيين، وباسم الدفاع عن العمال، يوقعون اتفاقيات ضبابية تُسوّق إعلاميا باعتبارها “مكاسب تاريخية”، في حين لا تتعدى في جوهرها تحسينات ظرفية لا تمسّ جوهر المعاناة الاجتماعية ولا تنعكس على القدرة الشرائية أو شروط العمل المزرية.
المفارقة الكبرى تكمن في التماهي الخطير بين السياسي والنقابي. فعدد من زعماء النقابات الكبرى هم في الآن ذاته برلمانيون وقيادات حزبية، مما يُفرغ العمل النقابي من استقلاليته ويحوّله إلى امتداد ناعم للسلطة التنفيذية. هكذا، يتفاوض النقابي مع الحكومة في الصباح، ويصوّت معها في البرلمان بعد الزوال، لتبقى مصلحة العامل مجرد شعار موسمي سرعان ما يُطوى بعد فاتح ماي.
وسط هذه الهشاشة النقابية، يعيش المغرب أزمة اجتماعية عميقة، عنوانها الأبرز تدهور القدرة الشرائية وارتفاع معدلات التضخم، مع اتساع رقعة الفقر والهشاشة. الحكومة التي ترفع شعار “الاجتماعية” تبدو عاجزة عن التحكم في الأسعار أو فرض عدالة ضريبية، فيما يتفاقم شعور المواطنين بالخذلان واليأس.
لم يعد الأمر مجرد تراجع في المؤشرات الاقتصادية أو اختلال في توزيع الثروات، بل صار يهدد ما تبقى من التماسك المجتمعي. فقد تراجعت الثقة في النقابات، واهتزّت صورة الحكومة، وارتفعت وتيرة الاحتقان الشعبي، في ظل غياب بدائل واقعية تعيد الأمل للفئات المسحوقة.
هل من أفق؟
يأتي فاتح ماي هذا العام ليذكّرنا بأن الاحتفال الحقيقي لا يكون عبر الشعارات الجوفاء، بل عبر قرارات شجاعة تعيد الاعتبار للعمل النقابي وتضع مصلحة الشغيلة فوق الحسابات السياسية الضيقة. فالبلاد في حاجة إلى تجديد النخب، وإلى مقاومة الفساد النقابي، وإلى رؤية اجتماعية بديلة تعيد توزيع الثروة على أسس عادلة. غير ذلك، سيبقى عيد العمال مجرد يوم عطلة وطنية لا يُغيّر من واقع العمال شيئا.