اقتصاد

مندوبية التخطيط تبسط معالم الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024

معالم الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024

 

تقرير المندوبية السامية للتخطيط الصادر في شهر يوليوز 2023

معالم الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024

 الوضعية الاقتصادية لسنة 2023 وآفاق تطورها خلال سنة 2024

تمهيد

تقوم المندوبية السامية للتخطيط بإعداد الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024، التي تقدم مراجعة للنمو الاقتصادي الوطني لسنة 2023 وكذا استشراف آفاق تطوره خلال سنة 2024. وستمكن هذه الميزانية، الحكومة وأصحاب القرار، عبر التطور الاقتصادي المرتقب لسنة 2024، من تسطير توجهات سياساتهم، حيث تشكل إطارا مرجعيا لتحديد الأهداف الاقتصادية، مدعمة بالتدابير المرتقب تنفيذها، خاصة في إطار القانون المالي لسنة 2024.

ويرتكز إعداد هذه الميزانية الاقتصادية على المؤشرات والمعطيات المؤقتة لسنة 2022 الصادرة عن المحاسبة الوطنية وعلى نتائج البحوث الفصلية وأشغال تتبع وتحليل الظرفية التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط خلال النصف الأول من سنة 2023. كما تعتمد هذه التوقعات على مجموعة من الفرضيات المتعلقة بتطور العوامل الخارجية التي تؤثر على الاقتصاد المغربي، سواء على الصعيدين الوطني او العالمي.

وتعتمد الآفاق الاقتصادية لسنة 2024، على سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2023-2024 وعلى فرضية نهج نفس السياسة المالية المتبعة خلال سنة 2023، خاصة السياسات العمومية التي يتعين تنفيذها لتحقيق الإقلاع الاقتصادي.

أهم المؤشرات الماكرو اقـتصادية

 

مندوبية التخطيط تبسط معالم الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024 - أخبار المغرب

 

تباطؤ دينامية النمو الاقتصادي العالمي على المدى القصير

في سياق عالمي مضطرب، سيعرف النمو الاقتصادي العالمي تباطؤا سنة 2023 لينتقل إلى %2,7 عوض %3,3 سنة 2022 قبل أن يسجل انتعاشا بوتيرة %2,9 سنة[1]2024 . وتعزى هذه الآفاق المتواضعة إلى تشديد السياسات النقدية المعتمدة من أجل كبح التضخم، مما سيؤدي إلى تراجع الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين، وبالتالي، تأثر الاستثمار والنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن عودة المخاطر المالية واستمرار الحرب في أوكرانيا وما نجم عنها من انقسامات جيواقتصادية ، من شأنها أن تضعف من التطور المنشود للاقتصاد العالمي.

ومن جهتها، ستستمر السياسات النقدية في الحد من ارتفاع الأسعار من جهة ومواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الاضطرابات المالية المحتملة من جهة أخرى. في حين ستواصل تدابير السياسة المالية سنة 2023 دعم النشاط الاقتصادي في معظم الدول، قبل أن تتراجع تدريجيا خلال سنة 2024 من أجل تخفيف عبء المديونية، الذي تفاقم نتيجة الجائحة وتكاليف التمويل المرتفعة.

وستعرف اقتصاديات الدول المتقدمة تراجعا في وتيرة نموها لتنتقل من %2,6 سنة 2022 إلى%0,7  سنة 2023 وستبقى هذه الوثيرة ضعيفة خلال سنة 2024. وسيواصل النمو الاقتصادي الأمريكي تباطؤه لتستقر وتيرته في حدود %0,8 سنة 2024 عوض%1,1   المقدرة سنة 2023 و%2,1 المسجلة سنة 2022. وستساهم التداعيات المتأخرة الناتجة عن الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة وعن الاختلالات الأخيرة للبنوك في تباطؤ الاستثمار الخاص. وبالمثل، ستعرف نفقات الاستهلاك نموا معتدلا، نتيجة استنزاف الاحتياطي من الادخار في سياق يتسم بمستويات عالية للتضخم. وسيتباطأ نمو الأجور، بناء على تراجع الضغوطات على سوق الشغل، الشيء الذي سيؤدي إلى انخفاض أسعار الخدمات. غير أن التضخم الأساسي سيبقى بعيدا من المستوى المستهدف من طرف الاحتياطي الفيدرالي المحدد في  2% قبل نهاية سنة 2024.

وفي منطقة اليورو، سيعرف النمو الاقتصادي تباطؤا كبيرا لتنتقل وتيرته من%3,5  سنة 2022 إلى %0,4  سنة 2023، ويعزى ذلك أساسا إلى التداعيات المتأخرة لتشديد السياسة النقدية وارتفاع أسعار الطاقة. كما سيظل الاستهلاك الخاص معتدلاً نتيجة لنمو الرواتب بوثيرة أقل من وثيرة نمو الأسعار. و من المتوقع أن يؤدي المستوى المرتفع لأسعار الطاقة إلى انقطاع أو تخفيض الإنتاج في القطاعات ذات الاستهلاك العالي للطاقة. علاوة على ذلك، ستزيد الاضطرابات الأخيرة في القطاع المالي من الضغوط على تكاليف الائتمان، مما سيؤدي إلى تباطؤ الاستثمار. خلال سنة 2024، سيسجل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو وتيرة محدودة تناهز %1,3. حيث سيستفيد الاستهلاك الخاص من تحسن أسواق الشغل، في حين سيظل الاستثمار محدودا نظرا لتشديد ظروف التمويل وللمستوى المرتفع لعدم اليقين.

من المتوقع أن يتراجع التضخم العام في منطقة اليورو بشكل ملحوظ في عام 2023 حيث سيساهم تراجع أسعار الطاقة وضعف النمو في الحد من الضغوطات على الأسعار والتكاليف. في حين سيظل التضخم الأساسي أعلى من الهدف المحدد من طرف البنك المركزي الأوروبي حتى نهاية سنة 2024. بالإضافة إلى ذلك، فإن سعر الصرف لن يعد عاملاً من عوامل التضخم، حيث سيؤدي تقليص الفجوة بين معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والتباطؤ الملحوظ للناتج الداخلي الإجمالي الأمريكي إلى ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار بحوالي %3 سنة 2023 و%1 سنة 2024 بعد الانخفاض الكبير ب 11% المسجل سنة 2022[2].

وفيما يتعلق باقتصاديات الدول الصاعدة، سيعرف نمو أنشطتها انتعاشا خلال سنة 2023 لتصل وتيرته إلى %4 عوض %3,7 سنة 2022. غير أنه باستثناء الصين، فإن نمو اقتصاديات الدول الصاعدة سيتباطأ بشكل ملحوظ لتصل وتيرته إلى %2,9 سنة 2023 عوض %4,1 سنة 2022. وبخصوص الصين، فإن إعادة فتح الاقتصاد ستؤدي إلى تحفيز الاستهلاك الخاص، كما سيمكن اعتماد سياسات عمومية مهمة من إنعاش قطاع العقار. وبالتالي سيسجل النمو الاقتصادي الصيني زيادة ب%5,6  سنة 2023 عوض %3,0 سنة 2022. وستعرف وتيرته سنة 2024 تباطؤا لتبلغ حوالي %4,6، نتيجة تراجع آثار الانتعاش المرتبط بإقلاع الأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى ضعف الطلب الخارجي. كما سيواصل البنك المركزي الصيني خفض سعر الفائدة الرئيسي لدعم للإقلاع الاقتصادي بعد كوفيد.

وفي الهند، سيتأثر النشاط الاقتصادي بانخفاض الطلب العالمي وبتشديد السياسة النقدية وبالوضعية غير الملائمة لسوق الشغل. غير أن النمو الاقتصادي سيواصل ديناميته لتبلغ وتيرته حوالي %6,3 سنتي 2023 و2024 عوض %7,2 المسجلة سنة 2022، نتيجة تعزيز نفقات الميزانية المتعلقة بالاستثمار.

في البرازيل، وبعد انتعاش أنشطتها الاقتصادية سنة 2022، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأولية، ستتباطأ وتيرة نموها، لتبلغ حوالي1,2%  سنة 2023 و%1,4 سنة 2024. ويعزى هذا التباطؤ في النمو الاقتصادي، رغم المساهمة الموجبة للصادرات التي ستستفيد من انتعاش الاقتصاد الصيني، إلى تأثيرات تشديد السياسات العمومية. وبخصوص الاقتصاد الروسي، وبعد الانكماش الطفيف للنمو ب%0,2  سنة 2022، فإنه سيسجل وتيرة ستبلغ %1,2 سنة 2024، نتيجة قوة الصادرات من المنتجات الطاقية وصلابة السوق الداخلي.

وعلى مستوى أسواق المواد الأولية[3]، ستواصل الدول المصدرة للنفط وحلفائها تقليص إنتاجها لدعم الأسعار. غير أن آفاق الطلب العالمي على النفط ستتأثر بالقلق المتزايد من استمرار التضخم وبالمستويات العالية لأسعار الفائدة وبالتطور المعتدل لمؤشرات للاقتصاد الصيني. وهكذا، ستستقر أسعار النفط في المتوسط في حدود 80 دولارا للبرميل خلال هذه السنة، أي بانخفاض بحوالي 20% مقارنة بالمتوسط ​​المسجل سنة 2022، قبل أن يرتفع إلى 82 دولارا للبرميل سنة 2024. ويتوقع أن تنخفض أسعار الغاز الطبيعي والفحم بأكثر من النصف سنة 2023 وستواصل تراجعها أكثر خلال سنة 2024، نتيجة تقليص الطلب على الطاقة، خاصة في أوروبا نتيجة تنويع أسواق الإمدادات مع الاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي المسال الأمريكي.

وفي سياق تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ستعرف أسعار معظم المواد الأولية غير الطاقية تراجعات ملحوظة، حيث ستنخفض بحوالي %10 سنة 2023 و%3  سنة 2024 بعد الارتفاعات القياسية ب %34 و %11 المسجلة على التوالي سنتي 2021 و2022، غير أنها ستبقى أعلى من متوسط مستوياتها المسجلة خلال الفترة 2015-2019.

وبالتالي، سيتباطأ التضخم العالمي سنة 2023، غير أن معدله سيستقر في مستويات عالية تتجاوز تلك التي سبقت الجائحة وأهداف البنوك المركزية لما بعد سنة 2024. وسيتراجع ​التضخم الأساسي المرتبط بالخدمات وبتكاليف اليد العاملة، بشكل طفيف، خاصة في الدول المتقدمة، حيث تبقى أسواق الشغل صامدة.

في هذا السياق، سيتراجع حجم التجارة العالمية بشكل كبير، لتستقر وتيرة نموه في حدود%1,7  سنة 2023 عوض زيادة ب%6  سنة 2022، قبل أن يسجل انتعاشا ب %2,8 سنة 2024. وسيساهم انخفاض أسعار المواد الأولية وتعافي الأنشطة الاقتصادية في الصين في تعزيز نمو المبادلات، خاصة من الخدمات. في ظل هذه الظروف، سيسجل الطلب العالمي الموجه نحو المغرب تباطؤا لتنتقل وتيرة نموه من %5,8 سنة 2022 إلى %2,4 سنة 2023 و %2,7 سنة 2024.

وإجمالا، تبقى مخاطر تدهور الأفاق الاقتصادية مرتفعة جدا. وتشكل تطورات الحرب في أوكرانيا وتداعياتها العالمية عاملا رئيسيا من عوامل القلق. كما أن احتمال تفاقم الضغوطات على القطاع المالي من شأنه أن يضعف الاقتصاد الحقيقي. كما أن سياسات التشديد النقدي، على الرغم من ضرورتها، من شأنها أن تبرز هشاشة القطاع المالي خاصة في الدول الأكثر مديونية.

 

انتعاش النشاط الاقتصادي سنة 2023

بعد التباطؤ الحاد الذي سجله سنة 2022 ، سيعرف النشاط الاقتصادي الوطني انتعاشا سنة 2023، مدعما أساسا بالأنشطة الأولية والثالثية.

عرف الموسم الفلاحي 2022-2023 تحسنا متأخرا للظروف المناخية بعد فترة الجفاف النسبي التي استمرت إلى غاية العشرية الأولى من شهر نونبر من سنة 2022. و ستمكن التساقطات المطرية المسجلة إلى غاية شهر فبراير من سنة 2023 وكذا التساقطات المطرية الربيعية من تغطية العجز من الموارد المائية المسجل خلال بداية الموسم ومن تحسن طفيف في نسبة ملء السدود الرئيسية على المستوى الوطني. وهكذا، عرف إنتاج الحبوب[4] زيادة ب 62% مقارنة بالموسم الماضي، ليصل إلى حوالي55,1  مليون قنطار. بالإضافة إلى ذلك، سيستفيد إنتاج الخضر وزراعة الأشجار، خاصة إنتاج الحوامض والزيوت والتمور من تحسن الظروف المناخية رغم تأخره.

ورغم تحسن الغطاء النباتي والنتائج الجيدة المرتقبة للمحاصيل الكلئية، فستتأثر أنشطة تربية الماشية بالصعوبات المرتبطة بانخفاض عدد رؤوس الماشية، نتيجة تعاقب سنوات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج. وقد استدعت هذه الوضعية اللجوء المكثف إلى استيراد الابقار والأغنام لتلبية الطلب الداخلي.

وهكذا، ستسجل القيمة المضافة للقطاع الفلاحي تحسنا ب%6,7  سنة 2023، بعد انخفاض ملحوظ ب %12,9  سنة 2022. وبناء على تطور أنشطة الصيد البحري ب %5,3، بعد تراجعه ب %9,7 سنة 2022، سيسجل القطاع الأولي زيادة ب%6,6  بعد انخفاض كبير ب %12,7 سنة 2022.

وستستفيد الأنشطة غير الفلاحية من دينامية الأنشطة الثالثية، غير أنها ستتأثر بتباطؤ الطلب الأجنبي واستقرار أسعار المواد الأولية في مستويات عالية و تراجع صعوبات تموينها على المستوى الدولي.

وستعرف أنشطة الصناعات التحويلية، بناء على الدينامية التي ستعرفها الصادرات من المنتجات الصناعية، نموا معتدلا. ويتوقع أن تسجل القيمة المضافة لأنشطة الصناعات الغذائية وصناعة النسيج تباطؤا سنة 2023، نتيجة تأثير تباطؤ الطلب الخارجي، خاصة الطلب على الفواكه والمنتجات البحرية وكذا على الملابس الجاهزة. وستواصل صناعة معدات النقل وتيرة نموها بناء على استمرار تحسن الطلب الأجنبي الموجه لهذه الأنشطة.

وبالمقابل، ستتأثر أنشطة الصناعات الكيمائية بانخفاض الطلب الخارجي على الأسمدة منذ منتصف سنة 2022، خاصة الطلب الوارد من الهند والبرازيل. وبالتالي، ستواصل القيمة المضافة لقطاع المعادن تراجعاتها، غير أنها تبقى دون الانخفاض المسجل خلال السنة الماضية، نتيجة ضعف الطلب الخارجي على منتجات الفوسفاط، في سياق يتسم باستقرار أسعار التصدير في مستويات مرتفعة.

ستعرف أنشطة قطاع البناء والأشغال العمومية سنة 2023 نموا متواضعا بوتيرة لن تتجاوز %0,4 بعد انخفاضها الملحوظ ب%3,6  سنة 2022. ويعزى ذلك من جهة إلى تراجع مشاريع البناء الجديدة نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء والعقار ومن جهة أخرى إلى تشديد الشروط التمويلية التي ستؤدي إلى إضعاف الطلب الخواص على العقارات. غير أن أنشطة الأشغال العمومية ستتمكن جزئيا من تغطية ركود قطاع البناء، مستفيدا من زيادة حجم الاستثمارات العمومية المخصصة للبنية التحتية.

في ظل هذه الظروف، ستعرف القيمة المضافة للقطاع الثانوي تحسنا ب%0,3  سنة 2023 عوض انخفاض ب%1,7   المسجل سنة 2022.

على مستوى القطاع الثالثي، ستعرف القيمة المضافة للخدمات التسويقية سنة 2023 نموا بوتيرة %4,2 نتيجة الانتعاش الملحوظ لأنشطة السياحة والنقل. وسيسجل قطاع السياحة تحسنا ملحوظا ب%32   سنة 2023. وتعزى هذه الدينامية الجيدة إلى انتعاش السياحة العالمية، وتعزيز سمعة وجهة “المغرب” نتيجة الإنجاز الذي حققه أسود الأطلس في كأس العالم ونجاح حملة “المغرب أرض الأنوار” التي أطلقها المكتب الوطني المغربي للسياحة. وستتعزز دينامية رواج النقل الجوي سنة 2023، نتيجة انتعاش الأنشطة السياحية. غير أن أنشطة النقل البحري ستعرف انكماشا، على خلفية تباطؤ التجارة الخارجية، خاصة تلك المرتبطة بصادرات الفوسفاط ومنتجات مشتقاته. وستعرف الخدمات التسويقية الأخرى إجمالا تطورا معتدلا نتيجة الانتعاش الطفيف للطلب الداخلي.

بالإضافة إلى ذلك، ستواصل الخدمات غير التسويقية نموها المدعم، نتيجة الزيادة في نفقات موظفي الإدارات العمومية. بناء على هذه التطورات، سيعرف القطاع الثالثي ارتفاعا ب%4,2  سنة 2023 عوض زيادة ب %5,4 سنة 2022، لتبلغ مساهمته في نمو الناتج الداخلي الإجمالي حوالي 2,3 نقط.

وبناء على زيادة الضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب%2,9 ، سيسجل النمو الاقتصادي الوطني انتعاشا ب %3,3 سنة 2023 بعد تباطؤه الحاد خلال سنة 2022، حيث لم تتجاوز وتيرته %1,3. وسيعرف التضخم، المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي، تباطؤا ليستقر في حدود%2,8  بعدما بلغ%3,1  سنة 2022.

في ظل هذه الظروف، سيعرف سوق الشغل انخفاضا مستمرا في معدل النشاط ب0,8%  سنة 2023، بعد أن سجل تراجعا ب%2,2  سنة 2022.  وهكذا ، بناءا على الزيادة المتوقعة في فرص الشغل الصافية، سيستقر معدل البطالة على المستوى الوطني في حدود %12,2 سنة 2023.

 

تحسن معتدل للطلب الداخلي سنة 2023

رغم المستويات المرتفعة للأسعار، سيعرف استهلاك الأسر تحسنا طفيفا نتيجة تعزيز المداخيل الفلاحية واستمرار الوتيرة الايجابية تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، حيث سيرتفع ب%0,8  عوض انخفاض ب%0,7  سنة 2022. وبناء على تطور نفقات الاستهلاك العمومي ب%3,5 ، سيسجل الاستهلاك النهائي الوطني ارتفاعا ب %1,5 عوض %0,4 سنة 2022، حيث ستبلغ مساهمته في النمو الاقتصادي حوالي 1,2 نقطة سنة 2023.

 

في سياق الظرفية الاقتصادية التي تتسم بضبابية  الآفاق الاقتصادية، سيتأثر الاستثمار الخاص بمواصلة تشديد الظروف التمويلية إلى جانب استقرار أسعار المدخلات في مستويات مرتفعة. غير أن ارتفاع نفقات الاستثمار العمومي بناء على الأهداف المسطرة في القانون المالي، والتي تعكس استمرار مجهودات دعم الاقتصاد، ستحد من وتيرة تراجع الاستثمار الإجمالي التي ستستقر في حدود%0,6  سنة 2023 عوض انخفاض ب%6,5  سنة 2022. وبناء على هذه التطورات، سيعرف الطلب الداخلي زيادة ب%0,9  ليساهم بذلك بنقطة واحدة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي عوض مساهمة سالبة ب1,7  نقطة سنة 2022.

 

تراجع الحاجيات التمويلية نتيجة تحسن مداخيل السياحة وتعزيز تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج

سيؤدي تباطؤ الطلب الخارجي، نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي لدى أهم الشركاء التجاريين إلى الحد من توسع العرض التصديري للاقتصاد الوطني. ويُعزى تطور الصادرات أساسا إلى النتائج الجيدة لقطاعات المهن العالمية، خاصة صناعة السيارات، وإلى تحسن صادرات الصناعات الغذائية وأنشطة قطاع النسيج. غير أن صادرات الفوسفات ومشتقاته ستتقلص حدة انخفاضها، خاصة نتيجة إعادة توجيه الطلب الموجه إلى المغرب نحو هذه المنتجات، وكذا استمرار الأسعار في الأسواق العالمية في مستويات تتجاوز بكثير المتوسط المسجل خلال الفترة 2015-2019.

بالإضافة إلى ذلك، ستؤدي التداعيات السلبية لتعاقب سنوات الجفاف وآثار موجة التضخم إلى اللجوء إلى الأسواق الخارجية لتلبية حاجيات الاقتصاد الوطني من المنتجات الغذائية والحيوانات الحية. كما ستتأثر وتيرة نمو الواردات من منتجات التجهيز وأنصاف المنتجات بحالة عدم اليقين المرتبطة بالآفاق الاقتصادية وبالتراجع البطيء للتضخم.

وبناء على مستويات الأسعار العالمية، سيتقلص العجز التجاري سنة 2023 ليصل إلى%21,8 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%23,2  المسجلة سنة 2022. بالإضافة إلى ذلك، ستساهم النتائج الجيدة للمبادلات من الخدمات، خاصة من النقل والأسفار، في تقليص عجز الموارد، لينتقل من %14,5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022 إلى%10,5   سنة 2023. كما سيساهم المنحى التصاعدي لتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج في تراجع عجز الحساب الجاري بحوالي 2,7 نقط ليصل إلى %0,8 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023 عوض 3,5% سنة 2022.

 

تراجع عجز الميزانية نتيجة تحسن المداخيل وانخفاض نفقات المقاصة

ستعرف وضعية المالية العمومية سنة 2023 مواصلة تحسن توازناتها، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. وستمكن النتائج الجيدة لمداخيل الدولة، مدعومة بدينامية المداخيل الجبائية وغير الجبائية من تغطية الزيادة في النفقات العادية. غير أن هذه الوضعية ستواجه مخاطر زيادة النفقات المتعلقة بدعم القدرة الشرائية.

وستسجل المداخيل الجارية تطورا موجبا سنة 2023 لتصل إلى%22,7  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%20,4  كمتوسط سنوي المسجل خلال الفترة 2014-2022. وباستثناء الانخفاض المرتقب في مداخيل الضريبة على الشركات، والتي عرفت ارتفاعا ملحوظا سنة 2022، ستسجل المكونات الجبائية الأخرى نتائج جيدة مستفيدة من التحسن المتوقع لمداخيل الضريبة على الدخل ورسوم الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، خلال سنة 2023.

في هذا السياق، ستتعزز المجهودات المبذولة لاستعادة التوازنات المالية بمواصلة تعبئة المداخيل غير الجبائية التي ستصل إلى ما يناهز%3,8  من الناتج الداخلي الإجمالي. ويعزى هذا التطور إلى زيادة المداخيل الأخرى، خاصة تلك المتعلقة بآليات التمويل المبتكرة.

بالإضافة إلى ذلك، ستبلغ النفقات الإجمالية حوالي %27,9 من الناتج الداخلي الإجمالي، نتيجة مواصلة نهج نفس السياسة المالية فيما يتعلق بالنفقات، خاصة تلك المتعلقة بالتدابير الظرفية اللازمة لمواجهة ارتفاع الأسعار وتلك المرتبطة بالإصلاحات الاجتماعية وبتشجيع الاستثمار. وهكذا، ستصل النفقات الجارية إلى ما يناهز %21,4 من الناتج الداخلي الإجمالي، بزيادة ب2,1  نقط من الناتج الداخلي الإجمالي مقارنة بالمتوسط ​​السنوي المسجل خلال الفترة 2014-2022. وستتفاقم هذه النفقات نتيجة الزيادة المتوقعة في نفقات السلع والخدمات التي ستصل إلى حوالي %16,6 من الناتج الداخلي الإجمالي.

وبالمقابل، ستتراجع نفقات المقاصة إلى حوالي%2,7  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض    %3,2  سنة 2022، نتيجة انخفاض أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، خاصة أسعار القمح اللين والغاز الطبيعي. وبناء على تطور النفقات والمداخيل الجارية و نفقات الاستثمار التي ستمثل حوالي %6,5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023، سيسجل عجز الميزانية تراجعا طفيفا لينتقل من %5,2  من الناتج الداخلي الإجمالي إلى %4,8  سنة 2023.

في ظل هذه الظروف، ستلجأ الخزينة إلى موارد مالية خارجية لتمويل حاجياتها، بعد أن اعتمدت كليا على السوق الداخلية خلال السنتين الماضيين. وسيمكن هذا التوجه نحو الاقتراض الخارجي من تخفيف الضغوطات على السوق الداخلي، في ظل غياب رؤية واضحة لقرارات السياسة النقدية. كما سيسمح اللجوء للأسواق الخارجية بتكوين احتياطي ملائم من العملات الأجنبية لتغطية ومواجهة التقلبات الخارجية المحتملة المتعلقة بأسعار المواد الأولية.

وبالتالي، سترتفع حصة الدين الخارجي للخزينة إلى%18,6  من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023 عوض%15,9  بين سنتي 2019 و 2022. كما سيتفاقم الدين الإجمالي للخزينة ليستقر في حدود %72 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%71,6  سنة 2022. غير أن حصة الدين الداخلي للخزينة ستتقلص خلال سنة 2023 لتبلغ حوالي%53,4  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%54,3  سنة 2022. وبناء على حصة الدين الخارجي المضمون التي ستستقر في حدود%13,8  من الناتج الداخلي الإجمالي، سيعرف معدل الدين العمومي الإجمالي، تراجعا طفيفا لينتقل من %86,1 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022 إلى %85,8 سنة 2023.

 

تطور إيجابي لمقابلات الكتلة النقدية

سيستفيد القطاع النقدي من الآثار الإيجابية التي سيخلفها قرار مجموعة العمل المالي (GAFI)، بخروج المغرب من” اللائحة الرمادية”، ومن خط الائتمان المرن بقيمة 5 مليارات دولار، وإصدار قرض سندات على مستوى الأسواق الدولية. في ظل هذه الظروف، ستتعزز الموجودات الخارجية من العملة الصعبة، التي تمثل ما يناهز 20% من الكتلة النقدية، حيث سيصل صافي الموجودات الخارجية إلى حوالي 342,7 مليار درهم، ليسجل ارتفاعا ملحوظا ب %7,9، حيث سيتمكن من تغطية 5,4 أشهر من الواردات سنة 2023. وبناء على هذه التطورات ومواصلة النقود الائتمانية لارتفاعاتها القوية، نتيجة انتعاش القطاع السياحي وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سنة 2023، ستتفاقم حاجيات السيولة البنكية[5] لتصل إلى حوالي 107 مليار درهم عوض 80,9 مليار درهم سنة 2022.

في ظل هذه الظرفية الاقتصادية، ستعرف القروض على الاقتصاد زيادة ب %6,1 سنة 2023، خاصة نتيجة ارتفاع القروض البنكية. وبالتالي، وبناء على تطور المقابلات الأخرى للكتلة النقدية، خاصة القروض الصافية على الإدارات المركزية التي ستسجل نموا ب%8,5  نتيجة اللجوء المرتقب للخزينة إلى السوق الداخلي، ستتحسن الكتلة النقدية ب%7,2  مقارنة بالسنة الماضية، لتمثل حوالي%1,3   من الناتج الداخلي الإجمالي.

 

مواصلة الاقتصاد الوطني منحى انتعاشه خلال سنة 2024

 

تعتمد الآفاق الاقتصادية لسنة 2024 على مجموعة من الفرضيات المتعلقة أساسا بانتعاش الاقتصاد العالمي الذي سيؤدي إلى تحسن نمو الطلب الأجنبي الموجه نحو المغرب وبتراجع أسعار السلع على المستوى العالمي. وترتكز هذه التوقعات على سيناريو متوسط ​​لإنتاج الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2023/2024 ونهج نفس السياسة المالية المعتمدة خلال سنة 2023.

بناء على الفرضيات السابقة الذكر، سيفرز القطاع الفلاحي زيادة ب%8,3  سنة 2024 عوض 6,7%  سنة 2023، مدعما بتعزيز الإنتاج الزراعي والانتعاش المرتقب لأنشطة تربية الماشية.

من جهتها، ستستقر وتيرة نمو الأنشطة غير الفلاحية في حدود%2,9  سنة 2024. وسيعرف القطاع الثانوي انتعاشا في ديناميته، نتيجة تحسن أنشطة قطاع المعادن والطاقة وكذا أنشطة الصناعات التحويلية وقطاع البناء والأشغال العمومية. وبالتالي، ستسجل قيمته المضافة زيادة ب %2 سنة 2024 عوض%0,3  سنة 2023.

و سيعرف قطاع المعادن، الذي سجل منذ سنة 2022 نتائجا غير جيدة، زيادة في قيمته المضافة ب%1,6  سنة 2024 عوض انخفاض ب%4,2  سنة 2023. وستستفيد أنشطته من تحسن الطلب الخارجي، خاصة الوارد من الهند والبرازيل، في أفق الانخفاض المتوقع لأسعار الفوسفاط ومشتقاته على المستوى الدولي.

وبخصوص قطاع البناء والأشغال العمومية، ستتعزز وتيرة نمو قيمته المضافة لتتجاوز تلك المقدرة سنة 2023، مستفيدا من التراجع المرتقب لأسعار مواد البناء ومن تقوية الاستثمار العمومي ومن التدابير المتعلقة بدعم اقتناء الوحدات السكنية.

وستسجل الخدمات التسويقية، مدعمة بانتعاش الطلب الداخلي، نموا بوتيرة %3,1 سنة 2024، خاصة نتيجة تعزيز النتائج الجيدة لأنشطة قطاعات السياحة والتجارة والنقل وكذا تحسن الأنشطة المالية.

وسيواصل قطاع النقل الجوي، المرتبط بالأنشطة السياحية، تسجيل وتيرة نمو مدعمة سنة 2024. كما سيستفيد النقل البحري من دينامية التجارة الخارجية، خاصة الانتعاش المتوقع في صادرات الفوسفاط ومشتقاته. ومن جهتها، ستسجل أنشطة قطاع التجارة نتائج جيدة سنة 2024، مستفيدة من زيادة الطلب الداخلي واستمرار تحسن أداء النسيج الإنتاجي الوطني وتباطؤ التضخم، حيث ستبلغ وتيرة نموها حوالي%1,8  سنة 2024 عوض %1,1 سنة 2023.

في ظل هذه الظروف، وبناء على تطور الضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب 4,1%، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي نموا ب%3,6  سنة 2024 عوض  %3,3 سنة 2023. وبالأسعار الجارية، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي زيادة ب%5,5  عوض%6,2  سنة 2023. وهكذا، سيعرف التضخم، المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي، تباطؤا ليستقر في حدود 1,8% سنة 2024 عوض%2,8  سنة 2023.

 

تحسن الطلب الداخلي

سيسجل الطلب الداخلي مساهمة موجبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي خلال سنة 2024 تصل إلى 3,1 نقط مقارنة بحوالي نقطة واحدة المقدرة سنة 2023. وتعزى هذه النتائج الجيدة إلى ارتفاع استهلاك الأسر ب %1,6 ليساهم بحوالي نقطة واحدة في النمو الاقتصادي، نتيجة تحسن المداخيل الفلاحية وتعزيز منحى نمو التحويلات الخارجية في سياق يتميز بتراجع تأثيرات التضخم على القدرة الشرائية للأسر. ومن جهته، سيعرف استهلاك الإدارات العمومية ارتفاعا ب%3,8 ، ليفرز مساهمة موجبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب 0,7 نقطة. وهكذا ستتحسن وتيرة نمو الاستهلاك الوطني مقارنة بسنة 2023 لتبلغ %2,2 ، حيث سيساهم في النمو الاقتصادي ب 1,7 نقطة سنة 2024.

سيستفيد التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت من تحسن الآفاق الاقتصادية وتراجع الضغوطات التضخمية وتعزيز توجهات السياسة المالية في مجال الاستثمار، حيث سيسجل ارتفاعا ب %2,9، لتبلغ مساهمته في نمو الناتج الداخلي الإجمالي حوالي 0,8 نقطة. وبالتالي، سيرتفع حجم الاستثمار الإجمالي ب%4,6 ، ليفرز بذلك مساهمة موجبة  في النمو ب1,3  نقطة عوض مساهمة سالبة ب0,2  نقطة سنة 2023. وبناء على هذه التطورات، سيتحسن حجم الطلب الداخلي ب %2,8 عوض%0,9  سنة 2023.

 

تعزيز المبادلات التجارية نتيجة تحسن الطلب الخارجي

سيساهم التحسن المرتقب في الآفاق الاقتصادية لدى أهم الشركاء التجاريين في زيادة الطلب الموجه نحو المغرب وبالتالي تعزيز العرض التصديري للاقتصاد الوطني. وهكذا، ستعرف الصادرات من السلع والخدمات تسارعا نتيجة مواصلة النتائج الجيدة لصادرات المهن العالمية، وتحسن صادرات القطاع الفلاحي وصادرات الصناعات الغذائية، وارتفاع صادرات قطاع النسيج، بالإضافة إلى الانتعاش المتوقع للصادرات الوطنية من الفوسفاط ومشتقاته.

كما سيمكن التحسن المرتقب للموسم الفلاحي وانخفاض الحاجيات من المواد الغذائية ومن الماشية، من تقليص اللجوء الكثيف إلى استيراد هذه المنتجات. غير أن انتعاش الآفاق الاقتصادية سيساهم في ارتفاع الواردات من السلع الوسيطة وسلع التجهيز.

وبناء على تراجع الضغوطات التضخمية في الأسواق العالمية، خاصة أسواق المواد الأولية، وتحسن ظروف التموين، ستعرف الصادرات من السلع والخدمات، على المستوى الإسمي نموا ب %7,9، في حين ستسجل قيمة الواردات زيادة ب 7,2%. وبالتالي، سيسقر عجز الموارد في حدود %10,1 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024.

وبناء على ارتفاع الناتج الداخلي الإجمالي الاسمي ب  %5,5سنة 2024 وزيادة الاستهلاك النهائي الوطني ب %4,6. سيتحسن معدل الادخار الداخلي ليستقر في حدود %20,6 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض 20% المتوقعة خلال السنة الحالية و %18,8من الناتج الداخلي الإجمالي المسجلة سنة 2022. وأخذا بعين الاعتبار للمداخيل الصافية الخارجية التي ستمثل ما يناهز%7,5  من الناتج الداخلي الإجمالي، سيصل الادخار الوطني إلى %28,1 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%27,8  من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023 و %26,8 سنة 2022.  وسيبقى هذا المعدل من الادخار الوطني دون مستوى الاستثمار الإجمالي والذي سيبلغ حوالي %29,1 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض من%28,6  من الناتج الداخلي الإجمالي المتوقعة سنة 2023 و 30,3% المسجلة سنة 2022. وهكذا، ستبلغ الحاجيات التمويلية للاقتصاد الوطني حوالي 1% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024.

 

تفاقم طفيف لعجز الميزانية خلال سنة 2024

سيساهم تحسن معدل النمو الاقتصادي الوطني سنة 2024 والانخفاض المتوقع في أسعار المواد الاولية في الحد من تفاقم عجز الميزانية، حيث سيستقر في حدود %5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض %4,8 سنة 2023  و %5,2 سنة 2022.

وستعرف المداخيل الجارية تحسنا خلال سنة 2024، نتيجة ارتفاع المداخيل الجبائية ب %4,4. ويعزى ذلك إلى زيادة الضرائب المباشرة بحوالي%4,7  عوض %2,7 خلال سنة 2023، مستفيدة من انتعاش مداخيل الضريبة على الشركات. بالإضافة إلى ذلك، ستتحسن مداخيل الضريبة على القيمة المضافة مستفيدة من دينامية الطلب الداخلي سنة 2024.

من جهتها، ستتراجع وتيرة نمو النفقات الجارية لتستقر في حدود%4,3 ، لتصل إلى %21,2 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %21,4 سنة 2023. ويعزى هذا المنحى إلى انخفاض نفقات المقاصة، التي ستبلغ حوالي%2,2  من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض %2,7 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023، مستفيدة من مواصلة تراجع الأسعار العالمية للمواد الأولية.

وبناء على فرضية نهج نفس السياسة المالية المعتمدة خلال سنة 2023 ومواصلة مجهودات دعم الاقتصاد، ستصل نفقات الاستثمار إلى %6,2 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض  %6,5سنة 2023.

ونظرا لتراجع الحاجيات التمويلية وتحسن وتيرة النمو الاقتصادي وتباطؤ التضخم بوثيرة أقل من المتوقع ، ستنخفض مؤشرات المديونية على المستوى الوطني، وهكذا، سيستقر الدين الخارجي المضمون في حدود%13,6  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %13,8 سنة 2023. وأخذا بعين الاعتبار للزيادة الطفيفة لحصة الدين الإجمالي للخزينة التي ستصل إلى %72,9 من الناتج الداخلي الإجمالي، سيتفاقم الدين العمومي الإجمالي ليصل إلى %86,5 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %85,8 سنة 2023.

تعتمد آفاق المؤشرات النقدية سنة 2024 على توقعات النمو الاقتصادي والتضخم وكذا التدفقات الصافية الخارجية التي ستحافظ على منحى تطورها، مستفيدة من تحسن الظروف الاقتصادية العالمية.

وهكذا، سيستقر الاحتياطي الصافي من العملة الصعبة في مستوى قريب من المستوى المسجل سنة 2023، ليتمكن من تغطية حوالي 5,2 أشهر من الواردات. من جهتها، ستواصل القروض الصافية على الإدارة المركزية منحاها التصاعدي، لتسجل نموا برقمين، نتيجة لجوء الخزينة إلى السوق الداخلي لتأمين التزاماتها فيما يتعلق بالإقلاع الاقتصادي. وهكذا، وبناء على التباطؤ الطفيف المتوقع للقروض البنكية، ستسجل الكتلة النقدية تراجعا في وتيرة نموها لتستقر في حدود %5,5 عوض %7,2 المرتقبة سنة 2023.

 

خاتمة

ستظل آفاق تطور الاقتصاد الوطني معتدلة ومعتمدة على القطاعات التقليدية مما يعيق تحقيق وثيرة نمو اقتصادي تمكن من خلق فرص شغل ومداخيل كافية. وسيتأثر منحى تطور الطلب الداخلي بشكل كبير باستمرار الضغوطات التضخمية مصحوبة بتشديد الشروط التمويلية. بالإظافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على الأسواق الخارجيةلتلبية الحاجيات من المدخلات والمواد الأولية، خاصة تلك ذات الطبيعة الاستراتيجية، يشكل عقبة أمام تحقيق الطلب الخارجي لمساهمة موجبة في النمو الاقتصادي.

ويتضح من خلال الارتفاع الأخير للتضخم، أن بنية الأسعار الداخلية تتأثر بشكل كبير بتقلبات الأسعار في الأسواق الخارجية، خاصة بالنسبة للمواد الأولية سواء الغذائية أو الطاقية. و قد أظهرت هذه التبعية ضعف القدرة الشرائية للأسر و التي كانت مدعومة خاصة بالمستويات  المنخفضة للتضخم  التي ميزت الاقتصاد الوطني قبل الأزمة. وهكذا، سجلت القدرة الشرائية انخفاضا ملحوظا ب%3,9  سنة 2022 بفعل تطور مؤشر الأسعار عند الاستهلاك ب%6,6  حيث بلغت مساهمة المنتجات الغذائية ما يناهز %63 ومنتجات النقل ب %19. ويتضح أن مستوى أسعار هذه المنتجات ذات الطابع الاستراتيجي للسيادة الاقتصادية لا يزال مرتفعا، رغم الدعم الكبير الممنوح في إطار السياسات الاقتصادية المعتمدة لامتصاص التضخم.

علاوة على العوامل الظرفية، فإن انتشار  التضخم قد تفاقم بالعوامل الداخلية البنيوية للاقتصاد الوطني، خاصة تلك المتعلقة بنقص العرض الوطني، واختلالات التموين والتسويق والاعتماد الكبير لمكونات الطلب الداخلي على الواردات. في هذا السياق، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على تنمية القدرات الإنتاجية وتقليص تقلبات أداء للقطاع الفلاحي من أجل تأمين مستوى إنتاج مستقر وقادر على الصمود في مواجهة مخاطر التقلبات المناخية، وخاصة بالنسبة لزراعة الحبوب. وهكذا، فلم تسجل مردودية زراعة الحبوب بالاقتصاد الوطني إلا نموا طفيفا خلال الأربعين سنة الماضية، حيث انتقلت في المتوسط من 10,4 قنطار للهكتار الواحد ​​خلال الفترة 1980-1999 إلى13,3  قنطار للهكتار الواحد فقط ​​خلال الفترة 2000-2020، والذي يبقى دون متوسط المستوى العالمي ودون متوسط دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي سجلت متوسط ​​محصول للحبوب في حدود 15,8  و23,3  قنطار للهكتار الواحد على التوالي خلال الفترتين السابقتي الذكر. ويعزى ذلك إلى التغير المناخي الذي يشهده المغرب، مثل باقي دول العالم، والذي اقترن بالاستغلال المفرط للموارد المائية  مما أدى إلى إجهاد مائي بنيوي. وأصبحت الوضعية الحالية للمياه الجوفية والمياه السطحية مقلقة، حيث أصبح من الصعب استرداد الخسائر المسجلة خلال سنوات الجفاف، الشيء الذي سيفرز عدة تحديات متعلقة بإنتاج الحبوب، الذي لا تزال تهيمن عليه الزراعات البورية بنسبة تصل إلى 80%.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين مضاعفة التدابير المحفزة لتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، خاصة في القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية ذات الاستعمال الطاقي العالي . حيث سيلعب الانتقال نحو مصادر الطاقة البديلة دورا مزدوجا  يشمل تعزيز الاستقلالية الطاقية و الحفاظ على استقرار الأسعار في حالة  رفع الدعم أو وجود تقلبات في أسعار منتجات الطاقة المدعمة والمستخدمة على نطاق واسع في عمليات الإنتاج. من خلال هذا المنظور، ينبغي تسريع تنمية القدرات الإنتاجية من الطاقات المتجددة، بالنظر إلى حصتها في الإنتاج الطاقي التي انتقلت من 14% سنة 2014 إلى %20 سنة 2021.

كما أن المنحى الحالي لاختراق الواردات، والذي يساهم في حدة تأثر التضخم الداخلي بتقلبات أسعار المدخلات المستوردة، يسائلنا  عن قدرة النسيج الإنتاجي على  تغطية الطلب المتزايد على المنتجات المستوردة، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على المدخلات الخارجية. وهكذا، يتعين تكثيف المجهودات من أجل تكامل النسيج الإنتاجي الوطني و الذي يعد ركيزة أساسية للسيادة الصناعية للاقتصاد الوطني. حيث ينبغي أن يعتمد  هذا التوجه على سياسات إستبدال واسعة النطاق تستهدف المنتجات التي تعتبر قاطرة للواردات والتي تؤدي إلى تفاقم العجز الخارجي وتؤثر على إمكانية استعادة  توازنات ميزان الحساب الجاري. كما يعزى تحسن هذا الأخير كذلك إلى مستوى التنويع والقدرة التنافسية للعرض التصديري. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تصنيف الاقتصاد المغربي على مؤشر التعقيد الاقتصادي لم يتحسن سوى ب 9 مراتب خلال 20 سنة الماضية، منتقلا من الرتبة 89 سنة 2000 إلى الرتبة 80 سنة 2020. ولا يزال هذا التقدم متواضعا مقارنة بالتطور الذي حققته دول مماثلة مثل كمبوديا التي قفزت من الرتبة 113 سنة 2000 إلى الرتبة 73 سنة 2020 ، وبذلك تقدمت ب 40 رتبة، وباراغواي التي انتقلت من الرتبة 109 إلى الرتبة 84 ، وتونس التي تقدمت  بأكثر من 20 رتبة خلال نفس الفترة ، منتقلة من الرتبة 67 إلى الرتبة 44.

في ظل هذه الظرفية العالمية التي تتسم باستمرار التطور  المدعوم  بالابتكار التكنولوجي وبروز التوجهات الحمائية، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تجاوز  بطء عملية تطوير المحتوى التكنلوجي لمنتجاتنا المصدرة وتحسين درجة تكامل القطاعات الصناعية الحالية لخلق مزيد من القيمة المضافة ومناصب الشغل.

من جهة أخرى، نظرًا لتراجع النمو الاقتصادي الممكن، يصبح من الضروري تحسين الإنتاجية، وخاصة في القطاع التصنيعي، لتحفيز النمو. وفي هذا الإطار، أنجزنا مجموعة من الدراسات المعمقة حول العوامل التي قد تكون وراء هذا التراجع، والاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لعكس هذه الديناميكية. كما أكدت هذه الدراسات أن التوزيع الأمثل لعوامل الانتاج قد يكون واحدًا من الحلول لمشكلات الإنتاجية.

في الواقع ، يمكن أن تؤدي مجموعة من المعيقات إلى سوء توزيع عوامل الانتاج، والتي تشير إلى التوزيع الغير الفعال للموارد الاقتصادية، مما يؤثر سلبا على أداء الشركات ويقلل من كفاءة القطاع التصنيعي بشكل عام، كما يؤدي إلى إهدار الموارد، وبالتالي تدهور القدرة التنافسية وتعطيل نمو الاقتصاد. في هذا السياق، يمكن أن تؤدي إعادة توزيع أمثل لعوامل الإنتاج من خلال دعم الشركات، ذات الإنتاج المنخفض وإمكانية نمو كبيرة، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى تحقيق مكاسب إنتاجية مهمة. نتائج هذه الدراسة التي تهدف إلى تحديد المعيقات التي تعزز سوء توزيع عوامل الانتاج وكذلك السياسات الاقتصادية الكفيلة بتقليل آثارها، ستكون موضوع منشور مستقبلي نظرا لازدحام أعمال HCP في يوليو

 

مؤشرات إحصائية

مندوبية التخطيط تبسط معالم الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2024 - أخبار المغرب

[1]التوقعات الاقتصادية العالمية للبنك الدولي – يونيو 2023

[2]بنك فرنسا: يونيو 2023

[3]التوقعات الاقتصادية العالمية للبنك الدولي – يونيو 2023

[4]وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات

[5]بنك المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى