ميناء طنجة المتوسط ومكونات “F-35” لإسرائيل: صمت مغربي في مرمى الشبهات

في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الدولية المنددة بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، كُشف النقاب عن معطيات صادمة تقرع أبواب المغرب بصوت عالٍ، قد لا يحتمل الصمت بعد اليوم. تحقيق استقصائي مشترك بين صحيفة Declassified UK البريطانية ومنصة The Ditch الأيرلندية، فضح تفاصيل استخدام ميناء طنجة المتوسط كمحطة رئيسية في مسار شحن مكونات مقاتلات “F-35” الأمريكية نحو إسرائيل، تلك التي تستخدم في تنفيذ غارات دامية ضد المدنيين في القطاع المحاصر.
التحقيق بيّن أن شركة الشحن العملاقة “ميرسك” تنقل أجزاء من هذه المقاتلات، المصنّعة في منشأة تابعة للقوات الجوية الأمريكية بولاية تكساس، عبر سلسلة لوجستية تمر من طنجة وصولًا إلى ميناء حيفا، ثم إلى قاعدة “نيفاتيم” الجوية في النقب المحتل، التي تعد مركز العمليات الجوية الإسرائيلية ضد غزة.
ما وراء الشحنات؟
السفن المعنية، مثل “Maersk Denver” و“Maersk Saltair”، تجنّبت الموانئ الإسبانية بسبب مقاطعة عمالية وأخلاقية فرضها عمال الشحن الإسبان تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. إلا أن هذه السفن، كما تؤكد الوثائق، وجدت في ميناء طنجة المتوسط بديلاً لوجستياً مريحًا، بلا مساءلة ولا مقاطعة.
المثير للانتباه أن السلطات المغربية لم تُصدر أي تعليق رسمي على هذه الأنباء، رغم خطورة ما تكشفه. فهل يعلم المغرب؟ وإن علم، هل وافق؟ وإن لم يعلم، فهل سيحقق؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة في سياق صمت مريب، ووسط سياسة خارجية مغربية تدعي “الحياد” في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بينما على الأرض تفتح موانئها أمام آلات الحرب.
أبعاد أخلاقية وقانونية
من الناحية القانونية، فإن تسهيل مرور مكونات عسكرية تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني قد يضع الدولة المضيفة أمام مساءلة أخلاقية على الأقل، وربما قانونية إذا ما ثبت علمها بالوجهة النهائية للشحنات. من جهة أخرى، فإن هذا الاستخدام للموانئ المغربية لا يمكن فصله عن التقارب السياسي والاستخباراتي بين الرباط وتل أبيب منذ توقيع اتفاقيات التطبيع أواخر 2020، والتي وُصفت بأنها تتعدى الطابع الدبلوماسي إلى الشراكة الأمنية والعسكرية.
ليس مجرد ميناء
ميناء طنجة المتوسط، الذي يعد من أكبر الموانئ في إفريقيا والمتوسط، لطالما رُوّج له كمحور للتجارة والتنمية. إلا أن تحويله إلى محطة عبور لمعدات حربية تُستخدم في قتل المدنيين الفلسطينيين يطرح تساؤلات عميقة حول دور المرافق الاقتصادية الحيوية في خدمة أجندات عسكرية خارجية.
صمت لا يليق بمغرب شعبي يُناصر فلسطين
الشعب المغربي، الذي لطالما عبّر عن دعمه الثابت للقضية الفلسطينية، يستحق معرفة الحقيقة الكاملة. كما أن هذا الشعب، الذي يخرج في مسيرات مليونية دعماً لغزة، من حقه أن يعرف إن كانت أراضيه تُستغل في خدمة آلة القتل التي تستهدف الأطفال والنساء في القطاع.
إذا كان المغرب يسعى فعلًا للحفاظ على صورته كداعم للحق الفلسطيني، فإن ما كُشف عنه يفرض عليه توضيحات عاجلة، ومراجعة دقيقة لكل ما يتعلق باستخدام موانئه في النزاعات المسلحة، خاصة تلك التي ترتكب فيها جرائم ضد الإنسانية.