فواصل

يوم الأرض الفلسطيني: هذا ليس صدفة… هذا مشروع صهيوني كُتب ونُفّذ

حسن اليوسفي المغاري

من وثيقة إينون إلى إبادة غزة: كيف خُطط لتفكيك العالم العربي دولةً دولة؟

في يوم الأرض الفلسطيني، لا يقتصر استحضار القضية على بعدها الرمزي أو العاطفي، بل يفرض السياق العودة إلى الجذور الفكرية والاستراتيجية للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية. ومن بين أخطر الوثائق التي كشفت هذا المشروع مبكرًا، كتاب “الأرض الموعودة… خطة صهيونية من الثمانينيات”، المنسوب للصحفي والمسؤول الإسرائيلي السابق أوديد إينون، والصادر في طبعته الأولى سنة 2009، اعتمادًا على وثيقة أصلية نُشرت سنة 1980 في مجلة كيفونيم التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية.

وثيقة إينون: خريطة تفكيك الشرق الأوسط

الكتاب، لمن لم يطّلع عليه، لا يقدّم رأيًا سياسيًا عابرًا، بل يوثّق بالحجة والنص رؤية استراتيجية صهيونية متكاملة، ترى أن الدور الجوهري لإسرائيل في المنطقة يتمثل في تفكيك العالم العربي ومنع قيام أي قوة إقليمية موحدة.

ويستشهد المؤلف بتصريح خطير للجنرال شلومو جازيت، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يؤكد فيه أن:

“المهمة الأساسية لإسرائيل لم تتغير، فهي حارس الاستقرار في المنطقة، عبر منع أي تحولات راديكالية أو توسع قومي أو ديني.”

هذا التصور ينسجم تمامًا مع ما ذهب إليه مفكرون غربيون وصهاينة على حد سواء، مثل روجيه جارودي في كتابه الأساطير المؤسسة للصهيونية، أو هنري كيسنجر الذي أنكر وجود أمة عربية، وغولدا مائير التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني.

الاستراتيجية الصهيونية: من الدولة إلى الدويلات

وفق وثيقة إينون، ترتكز الاستراتيجية الصهيونية على مقدمتين أساسيتين:

  1. تحويل إسرائيل إلى قوة إقليمية إمبريالية مهيمنة.

  2. تفكيك الدول العربية إلى كيانات صغيرة على أساس طائفي وإثني، بما يضمن تبعيتها الدائمة.

وهنا يطرح السؤال نفسه:
أليس هذا ما نعيشه اليوم؟

لبنان الغارق في الطائفية، العراق وسوريا بعد تدمير الدولة الوطنية، النزاعات الإثنية، والصراعات العربية–العربية، كلها تعبيرات واقعية عن مشروع كُتب قبل أكثر من أربعة عقود.

فلسطين وغزة: حجر الزاوية في المخطط

تبقى فلسطين، وفق الوثيقة، مفتاح المعادلة كلها. فالسياسة الإسرائيلية منذ 1948، من التهجير القسري إلى الاستيطان، وصولًا إلى حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ليست سوى تطبيق عملي لاستراتيجية ترى في الشعب الفلسطيني عقبة مركزية يجب كسرها.

وتُدرج الوثيقة ما سُمّي بـ “الفرص بعيدة النطاق”، والتي تفترض أن كل دولة عربية ذات نزعة قومية موحدة تمثل خطرًا وجوديًا على إسرائيل، وبالتالي هدفًا استراتيجيًا للتفكيك عاجلًا أم آجلًا.

لبنان، سوريا، العراق: السيناريو المرسوم

يشير الكتاب صراحة إلى أن تفكيك لبنان إلى خمس كيانات طائفية سيشكّل نموذجًا يُحتذى في باقي المنطقة. وهو ما اعتُبر مدخلًا لتفكيك سوريا والعراق إلى دول إثنية ودينية:

  • دولة علوية على الساحل

  • دول سنية متناحرة

  • كيان درزي

  • تقسيم العراق إلى شيعي وسني وكردي

وهو ما أكده الصحفي الإسرائيلي زائيف شيف سنة 1982 حين اعتبر أن تفكيك العراق هو أفضل سيناريو يخدم المصالح الإسرائيلية.

المغرب العربي في الحسابات الصهيونية

اللافت في وثيقة إينون أنها لم تُهمل دول المغرب العربي، إذ تعتبر أن المنطقة مكونة من خليط عربي–أمازيغي قابل للاشتعال، وتُشير إلى الصحراء والنزاعات الحدودية كعوامل تفجير كامنة.

وهو ما يعكس منطقًا صهيونيًا ثابتًا:
لا منطقة خارج الحسابات، ولا دولة بمنأى عن التفكيك الناعم أو الخشن.

الفتنة كأداة استراتيجية

خلص الكتاب إلى أن الكيان الصهيوني يرى في التعدد الإثني والطائفي من المغرب إلى الهند، ومن الصومال إلى تركيا، بيئة مثالية لزرع الفتن، وإعادة تشكيل المنطقة وفق موازين تخدم أمن إسرائيل وتفوقها.

إنها ليست نظرية مؤامرة، بل نصوص موثقة، منشورة، ومعلنة.خلاصة يوم الأرض

في يوم الأرض الفلسطيني، لا يكفي أن نُحيّي الذكرى، بل أن نقرأ التاريخ بعين نقدية.
ما يحدث في غزة، وما جرى في سوريا والعراق ولبنان، ليس معزولًا عن مشروع صهيوني طويل النفس، كُتب مبكرًا، ونُفّذ تدريجيًا.

الوعي هو أول أشكال المقاومة.

حدث سنوي يحتفل به في الثلاثين من مارس من كل عام، وتعود جذور يوم الأرض الفلسطيني إلى عام 1976، حيث نظمت الحركة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني في الداخل الفلسطيني مظاهرات سلمية احتجاجًا على مصادرة الأراضي الفلسطينية في قرية سخنين والجليل الأعلى. وهي خطة وخطوة في نفس الوقت لتهويد منطقة الجليل، ببناء تجمّعات سكنية على أراض تعود لفلسطينيين، يمثلون أغلبية في المنطقة. وجاءت تلك الخطة، ضمن مشروع أطلقت عليه “الحكومة” الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين عام 1975، اسم تطوير الجليل. خلال هذه المظاهرات، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار على المحتجين السلميين، ما كان سببا في إشعال ثورة غير مسبوقة في فلسطين. منذ ذلك الحين، أصبح يوم الأرض الفلسطيني فرصة للتعبير عن سخط الإنسان الفلسطيني، في مختلف أنحاء فلسطين وفي الشتات، ومواجهته للغطرسة الصهيونية بدفاعه عن أرضه التي يسلبها المحتل الغاصب. من المهم أن نذكر أن يوم الأرض الفلسطيني، ونحن نعاين ما يقع اليوم على أرض غزة من تقتيل وتهجير، بل وإبادة جماعية للإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، ليس فقط دفاعا عن الأرض، بل هو أيضًا عن الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، بالنظر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني يؤثر على جميع جوانب حياة الفلسطينيين. لذلك، يعتبر يوم الأرض الفلسطيني فرصة للتضامن والتعبير عن الدعم لقضية شعب صار في وضع إبادة، شعب من حقه العيش في كرامة على أرضهم الأم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى