فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
الصحافة والذكاء الاصطناعي.. الواقع وآفاق المهنة
يعيش العالم اليوم في عصر الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في طريقة تداول الأخبار والمعلومات والتفاعل بين الصحافة والجمهور. ومن المؤكد أن هذا التغيير سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الصحافة وطبيعة عمل الصحفيين والمحررين والمدونين وجميع الأشخاص الذين يعملون في مجال الإعلام.
على مدى العقود الماضية، كانت الصحافة تعتمد بشكل كبير على الصحف والمجلات والتلفزيون والراديو، كوسائل رئيسية لنقل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور. ولكن مع تطور التكنولوجيا، أصبح الإنترنت هو الوسيلة الأكثر استخدامًا للحصول على الأخبار والمعلومات. ومع ذلك، فإن الكثير من الأخبار التي يتم تداولها على الإنترنت ليست موثوقة، وقد تحتوي على تضليل أو أخطاء.
فقد أحدث عصر التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي تحولًا هائلاً في صناعة الصحافة، وأضحت وواجهتها تحديات جديدة. لم تعشها من قبل والأكيد أنها ستؤثر على ممارسة المهنة.
ومن المهم أن نشير إلى أن الصحافة في عصر الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، تتحدث عن مزيج من الإمكانيات التقنية والأدوات الإعلامية التي يجب على الصحافيين استخدامها بطريقة متوازنة ومنطقية، حيث يجب أن يتم الحفاظ على قيم الصحافة الأساسية مثل الحيادية والموضوعية والمصداقية والتحقق من الحقائق.
فعلى مرّ التاريخ، كانت وسائل الإعلام القائمة على الورق تمتلك السيطرة على توزيع المعلومات. ولكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، أصبح للصحافة تحديات كبيرة للتكيف مع هذه التطورات الجديدة.
ولعل أحد أبرز التحديات التي تواجه الصحافة في عصر التكنولوجيا الحديثة هو التنافس المتزايد من قبل وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي. فبفضل التكنولوجيا الحديثة، يستطيع أي شخص الآن إنشاء موقع إلكتروني أو بودكاست أو قناة على اليوتيوب ونشر المحتوى بكل سهولة. هذا يعني أن المستخدمين اليوم لديهم العديد من الخيارات للاطلاع على الأخبار والمعلومات، وبالتالي يصبح من الصعب على الصحف والمجلات التقليدية جذب الجمهور والحفاظ على القراء.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوافد الجديد المتمثل في الذكاء الاصطناعي، قد غير طريقة جمع وتحليل الأخبار، وصار بإمكان الآلات الذكية الآن أن تتصفح كميات هائلة من المعلومات وتنتج تقارير ومقالات بشكل سريع وفعال. فعلى الرغم من أن هذا النوع من التكنولوجيا يمكن أن يكون مفيدًا في تسريع عملية الإنتاج الإعلامي، إلا أنه يشكل تحديًا أيضًا للصحافة التقليدية والصحفيين على حد سواء، حيث يمكن أن يتسبب في تهديد وظائفهم.
تحدي آخر يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة هو انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات غير الموثوقة. إذ تسمح وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لأي شخص بنشر المحتوى بسهولة، وهذا يعني أن الأخبار المزيفة يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة وتؤثر في الرأي العام، وصار على الصحافة أن تواجه هذا التحدي من خلال زيادة مستوى المصداقية والتحقق من الحقائق وتوفير مصادر موثوقة للقراء.
يمكن القول، بصفة عامة، إن التحديات التي تواجه الصحافة في عصر التكنولوجيا الحديثة تستدعي التكيف والابتكار، ويجب على الصحفيين أن يكونوا على دراية بالتطورات التكنولوجية وأن يتعلموا كيفية استخدامها بشكل فعال.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين عملية جمع الأخبار وتحليلها، ويمكن أن يوفر أيضًا فرصًا جديدة للابتكار في مجال الصحافة، مثل استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز في تقديم الأخبار بشكل مبتكر.
وبشكل عام، التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي يعدان سلاحًا مزدوجًا للصحافة، حيث تواجه تحديات جديدة ولكنهما في الوقت نفسه يوفران فرصًا جديدة لتطوير وتحسين ممارسة المهنة.
يجب على الصحافة أن تكون مستعدة لاستغلال هذه التكنولوجيا بشكل مناسب وأن تحافظ على قيمها الأساسية من المصداقية والمهنية في سبيل تلبية احتياجات القراء في عالم متغير.
ويبقى السؤال هل يقضي الذكاء الاصطناعي على الصحافة التقليدية، يفرض نفسه بقوة، في عالم متغير بفعل التطورات المستحدثة أخيرا في مجالي التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.
على ما يبدو فإن الذكاء الاصطناعي لا يقضي على الصحافة التقليدية، بل يؤثر على طريقة ممارستها ويتطلب تكييفًا. الصحافة التقليدية تعتمد على مهارات الصحفيين في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها بطريقة مهنية وموثوقة. ومع ظهور التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، يمكن استخدام هذه التقنيات في تسريع عملية جمع المعلومات وتحليلها، ولكنها لا تحل محل الصحفي بشكل كامل.
الصحافة التقليدية تركز على التحقق من الحقائق، وتقديم التحليلات والتقارير المعمقة والمتوازنة. وهذه الجوانب تتطلب العناية البشرية والقدرة على التفاعل وفهم السياق الأوسع للأحداث.
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة للصحفيين في تجميع المعلومات الأساسية أو تحليل البيانات الضخمة، ولكن لا يمكن أن يحل محل القدرات الإبداعية والتحليلية البشرية لسبب بسيط يتجلى في أن الإنسان هو من ابتكر هذه التكنولوجيا الحديثة وأطلق عليها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي، فمن مقدور العقل البشري أن يبتكر تكنولوجيات جديدة قد تحد أو تزيد من فاعلية ما يسمى بـ”الذكاء الاصطناعي”.
وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يعزز الذكاء الاصطناعي المحتوى الصحفي بطرق جديدة. يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين تجربة القراءة وتوفير محتوى مخصص وفقًا لاهتمامات الجمهور. كما يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين البحث والاستكشاف الصحفي، مما يتيح للصحفيين فرصًا جديدة لاستكشاف المواضيع وتقديم المحتوى بشكل أكثر تفصيلاً وشمولًا.
بالتالي، بدلاً من أن يقضي الذكاء الاصطناعي على الصحافة التقليدية، فإنه يحدث تغييرات في طريقة عملها ويفتح أبوابًا للابتكار وتحسين العمل الصحفي.
ستظل الصحافة تلعب دورًا حيويًا في المجتمع، وتوفر المعلومات وتسهم في تشكيل الرأي العام، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي إلا أن يكون أداة لتعزيز هذا الدور وتحسين العمل الصحفي.