فواصل
ثقافة تكميم الأفواه المعارضة..
فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة: ثقافة تكميم الأفواه المعارضة..
كنت قد شاركت بتاريخ 02 ماي 2016 في المؤتمر المنظم بشراكة بين الاتحاد الدولي للصحفيين واليونسكو، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بمناسبة اليوم العالمي لحرية
الصحافة؛ والذي حمل شعار: “الحصول على المعلومات والحريات الأساسية؛ من حقك أن تعرف!”
اليوم، وبعد مدونة الصحافة والنشر، نكون قد تحصّلنا على قانون “الحق في الحصول على المعلومات”، لكن.. ما معنى المحاكمات الخارجة عن إطار قانون الصحافة والالتجاء إلى فصول القانون الجنائي؟
لا أريد، ونحن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة 03 ماي، أن أتطرق لتفاصيل بيروقراطية الحصول على المعلومة، والخاضعة لعدة إجراءات قد تكون لنا معشر الإعلاميين جدّ محبطة.
لكن، وبما أن حرية الصحافة تعني أساسا حرية الرأي والتعبير، كما تقدمها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”، وبما أن الدستور ينص في فصله الـ25 “أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، وفي الفصل 28 أن”حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية” وبأن “للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.. نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أمام إعمال بنود قانونية جنائية لمحاكمات الغرض منها “تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح”، من أجل تكميم الأفواه وتكميم حرية الرأي والتعبير..
فهل يحق لنا فعلا أن نحتفل؟
الاحتفال له طُقوسه ومناسباته.. له واقعه الاحتفالي الذي يجعل منك إنسانا فرحا بطبيعة الحدث الذي يجعلك مُنتشيا بكل ما يحيط من حولك.. فهل نحن كذلك؟!
ليس المكان هنا لتشريح واقعنا الإعلامي، ولن أنتشي فرحا لذكرى سنوية أراد أصحابها أن تكون “يوما عالميا لحرية الصحافة”، ولكن.. وبما أن المناسبة شرط، وجب الاحتفال، ولكلٍّ منا احتفاله بما يراه مناسبا ولائقا بمقامه، وبما يراه ظاهرا أو خفيّا من واقع الحرية، لظاهرة تسمى “حرية الصحافة”..
الصحافة والإعلام عندنا ينهلُ من واقع السياسة، والسياسة تنهل من واقع بئيس أخلاقيا وتربويا وتعليميا.. إعلامنا المتوخّى منه تنوير وتوعية وتثقيف وأيضا توجيه الرأي العام، بكل حرية وبكل مسؤولية وبالمصداقية اللازمة والأخلاق المهنية، هو للأسف، عنوانٌ للرداءة والتسفيه، لا أعمم طبعا، ولكن ما يطفو على سطح الإعلام بحضوره اليومي مثل ” روتيني اليومي”، هو كذلك..
لنتذكر جميعا حملة “المقاطعة” والنجاح الذي حققته بفعل الحرية التي تمنحها مواقع التواصل الاجتماعي.. ولنتذكر أيضا حينها الإهانات التي تلقاها الشعب من طرف بعض المسؤولين، منهم من قال “المداويخ”، ومنهم من سوّلت له عرنسيته بوصفنا ب”الخونة”، ومنهم من قال إننا “جيعانين”..
رأينا كيف كانوا يتقاذفون مسؤولية إقرار قانون “تكميم الأفواه” حتى لا تكون وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وسيلة مفتوحة لفضح تسلط السلطة وغطرسة اللوبيات الاقتصادية المتحكّمة ودكاكين السياسة المهترئة.. إنها حرية الرأي والتعبير كما تتعترف بها الدوائر الرسمية لا كما هو متعارف عليها بالنصوص القانونية الحقوقية.
إننا نحتفل وواقعنا الإعلامي يسائلنا جميعا، واقع حرية الصحافة في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. والسؤال المحوري عن أية حرية نتحدث؟
إذا كان الأمر يتعلق بحرية مقولة “العام زين”، فذاك أمر قد تحقق فعلا بوسائل إعلام باتت تُعرف كأبواق رسمية، بات همّها الحضور في المواسم والأفراح والأتراح والتصفيق و”تغراق الشقف” لكل صوت معارض..
فبالنظر إلى تقارير المنظمات الدولية المختصة بدراسة واقع الصحافة والإعلام عموما، نجد أنفسنا في مراتب متدنية، وواقعنا يشهد على محاكمات بسبب نشر أخبار صحيحة، وأخرى بسبب خطها التحريري غير المتناغم مع التوجه الرسمي، ومحاكمات مغلّفة بلبوس غير إعلامي صرف وبعيدا عن بنود قانون الصحافة والنشر، وبعيدا عن اعتماد قرينة البراءة وحسن النية.
صورتنا وواقعنا لا يشرفاننا نحن كجسم إعلامي.. وبالنظر إلى ما نعاينُه نُسائل أنفسنا، هل يجدر بنا الاحتفال بصيغة الانتشاء، أم الارتكان إلى زاوية الانكفاء أم الصّدح بقول الحق والعمل بنضال مستمر من أجل الوصول إلى المبتغى.. مبتغى الاحتفال بيوم عالمي تكون قد تحققت فيه عمليا حرية الصحافة!
لقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي بابا مشرعا أمام حرية الرأي والتعبير، لكن في الوقت ذاته، أصبحت سيفا مسلطا أمام من لا يفقه أدبيات وأخلاقيات وقوانين التعبير، إذ لا يمكن لي شخصيا التصفيق، لمن يريد استغلال الحرية دون التزام، التزام مباديء حرية الرأي وحرية التعبير المكفولة حقوقيا والملتزمة أيضا أخلاقيا..
أملي أن نحتفل يوما بديمقراطية إعلامية في كنف حرية الرأي والتعبير، دون تضييق أو إقصاء، ودون تلميع لصورة جهة عن أخرى، ودون تحيّز لطرف عن آخر، ودون احتكار للمعلومة، ودون تنقيص لموقف أو لحركة أو لفكر أو لاجتهاد..
أملي أن نحتفل يوما بواقع إعلامي حُرّ ونزيه..
أملي أن أرى الحرية تمشي بين ظهراننا بالتزام وبأخلاق وبمصداقية، وبمهنية أيضا.. والصحافي ليس ملاكا، ومهنة الصحافة ليست مقدّسة لدرجة انتهاك حرمة المواطن والعبث بحياته الشخصية وتشويه سمعته وإذلال أفراد أسرته وعائلته. كما أن أملي أن نتوفر على قضاء نزيه يشتغل بضمير العدالة وبميزان العدالة الحق.
..كل عام ونحن إلى حرية الصحافة أقرب..