ألا يحق لنا أن نحلُم بعالم يحترمُ إنسانية الإنسان!؟
فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
ألا يحق لنا أن نحلُم بعالم يحترمُ إنسانية الإنسان!؟
أستعير عبارة عن تقديم كتاب “إنسانية الإنسان” لكاتبه (رالف بارتون Ralph Barton Perry)، التي تقول إن المذهب الإنساني تعبير عن تلك النوازع والمآتي وضروب النشاط التي يتوصل الإنسان الطبيعي بفضلها إلى ما فوق الطبيعة، والإنسان الذي يتجسم في هذا المذهب ليس هو الإنسان الطبيعي ولا الإنسان فوق الطبيعي، بل إنه بالضبط الثنائي الذي يتألف من الإنسان الطبيعي ومن إمكاناته على التسامي والقدرة على تفحص هذا العالم وامتلاكه عن طريق المعرفة، والاستمتاع بواسطة الإحساس الجمالي، واستخدامه لتحقيق المُثُل العليا وإشاعة قيم الحرية والعدالة والمساواة التي هي في صميم جوهر إنسانية الإنسان.
لأُضيف، ونحن في كل مناسبة حقوقية وطنية أو دولية إلا ويتم التطرق لمسألة المُثُل العليا وإشاعة قيم الحرية والعدالة والمساواة والحرية في الرأي والتعبير.. ومن خلال كل ذلك يكون التنويه بالتقدم الحاصل عندنا في كل ما له علاقة بجوهر إنسانية الإنسان.
وفي كل مرة من تلك المناسبات، يتم استعراض الجهود المبذولة من أجل النهوض بتلك القيم “الحريات” في ارتباط وثيق بالمواثيق الدولية التي تنصص على الحق في الرأي وفي التعبير، على أساس أنها حقوق كونية كما تم التنصيص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونحن نحتفل هذه السنة بذكراه السبعين، لا يمكن لأي طرف انتهاكها.
لكن، كثيرا ما يتم تجاهل الحديث، وفي إطار المُثُل العليا وإشاعة قيم الحرية والعدالة والمساواة، يُتجاهل الحديث عن الرأي والتعبير في ارتباطه بالحرية وبقيم الحرية والعدالة والمساواة وبالالتزام أيضا، وكثيرا ما نقول إن الحقوق الكونية هي بمثابة التنزيل الفعلي لإقرار حرية الرأي والتعبير عالميا، لكن على أرض الواقع، غالبا ما نجد أنفسنا أمام ممارسات لا تمت بأية صلة لما هو منصوص عليه لا في المواثيق الدولية المرجعية ولا في القوانين والتشريعات الوطنية.
كانت إبان فترة ما سمي بـ “الربيع العربي” طفرة في مجال الحريات التعبيرية سيما مع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، ولاحظنا “ربيعا عربيا” تمّت فيه المطالبة بقيم الحرية والعدالة والمساواة.. وبحرية الرأي والتعبير، بحيث صار الحديث عن الحرية تعبيرا ورأيا رقميا وسط فضاء منفتح لتداول المعلومة أولا، والأفكار، والحركة بالترويج لكل ذلك في ظرف زمني قياسي.
وبالنظر إلى ما صارت إليه الأمور، في معظم الدول العربية التي طالها “الربيع” قبل الخريف، بتنا نلاحظ تقلص مساحة الحريات وصارت الحرية الرقمية وبالاً، وذلك بحكم المتابعات والمضايقات والملاحقات المرتبطة أساسا بالمنظومة الجنائية العربية.
صار الحديث إذن عن الحرية والمسؤولية، وعن الحقوق والواجبات، وعن الرأي والموقف، ذات أهمية قصوى في إطار الحديث عن حرية الرأي والتعبير، وبالتالي أصبح من المؤكد أيضا الخوض بجدية في مسألة الفجوة الحاصلة بين السياسة والتشريع فيما يرتبط بحرية الرأي والتعبير.
وذلك لأن الواقع يؤكد وجود العديد من الخروقات ذات الصلة بالموضوع، بحيث أضحت الحرية مقيدة بالمتابعة طالما أن الرأي والتعبير يخالف الرأي الرسمي، أو انتقاد الموقف الرسمي لمعظم الدول العربية، بحيث وصل الأمر إلى الاتهام بالإرهاب او التحريض على الإرهاب…
ولعل ما يحدث من متابعات قضائية وصلت حدّ الجنائية، خير دليل على تقييد قيم الحرية والعدالة والمساواة التي هي في صميم جوهر إنسانية الإنسان.
إننا في حاجة ماسة لجيل جديد من الحقوق الإنسانية، حقوق تكون فيها الإنسانية أسمى من أي شيء آخر ينبض بالحياة.. فإذا جاز لنا أن نحلُم، فلا مناص من أن نحلُم بعالم يحترم إنسانية الإنسان.