فواصل
والله لن تقوم قائمة في غياب المحاسبة الجنائية!
فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
والله لن تقوم قائمة في غياب المحاسبة الجنائية!
كم من مرة نركز فيها على “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وكم هي عدد المقالات والتدوينات والتقارير التي نُشرت تتطرق للعدد الهائل من التجاوزات والاختلالات وعدم احترام المساطر الإدارية والقانونية واللوجستية والهندسية المعمارية.. وكم هي عدد الاختلاسات البيّنة التي وقف عندها القضاء بعلاّته، ويعرفها بل ويمارسها المشرّع نفسه، ويتغاضى عنها المسؤول وفي كثير من الأحيان يكون فيها هو صاحب اليد الطولى للفساد.. لتبقى القضية مجرد كلام عابر تلوكه الألسن وتحكي عنه الجدّات..
سيقول قائل بأن الكوارث الطبيعية أمر إلهي لا دخل فيه للإنسان، وسيقول آخر إن العالم بأسره يعرف كوارث طبيعية وبالتالي فلا مجال للمحاسبة..
أكيد طبعا إذا كان الأمر كذلك، وإذا حدثث كارثة، لا قدر الله وحفظنا وإياكم من الكوارث الطبيعية، مثل تلك التي نشاهدها سواء في أمريكا أو في الدول الآسيوية، لو وقعت في بلدنا، فلنقرأ الفاتحة على المغرب.. لكن.. أن تكون 33 ملّمترات من ماء المطر، حسب بلاغ ليديك، في سويعات تغرق أحياء وشوارع رئيسية لمدينة من حجم الدار البيضاء، فلعمري ما هذا سوى عبث العابثين الذي يعيث في الأرض فسادا بدون أية مراقبة أو محاسبة.
كم هو الغلاف المالي الذي صٌرف من جيوب المواطن على “الإصلاحات المتكررة” للملعب التاريخي محمد الخامس بالبيضاء؟ وكم من تصريح رسمي إعلامي قيل فيه إن تجهيزات الملعب وبنيته التحتية صارت تضاهي أكبر الملاعب العالمية.. وبأن “ملعب محمد الخامس هو الملعب الوحيد في إفريقيا الذي يتوفر على تقنية التصفية الذاتية للماء المتواجد على عشب أرضية الملعب…” بل وأضاف المسؤول حينها “أضمن لكم عدم تواجد ولو قطرة ماء على أرضية الملعب الجديدة.” وبمجرد هطول مطر عادي يغرق فريق الرجاء في وحل فساد كارثة الملعب.
ولعل الصور والفيديوهات المتناقلة من وسط (الملعب العائم)، حول مباراة الرجاء في منافسات عصبة الأبطال الإفريقية، خير دليل على وجوب محاسبة كل مسؤولي المدينة عن هذه الكارثة بمفهومها السلبي في إطار المسؤولية المدنية، ولم لا الجنائية.
إن أمر المحاسبة المُغيّبة في كل ملفات الفساد، تجد طريقها أمام المزيد من الاستهتار ومن التسيّب ومن المشاريع المفتوحة أمام ناهبي المال العام تحت ذريعة إنجاز المشاريع الاستراتيجية.. بل وإن غياب المحاسبة بالمحاكمة العلنية، أثبت أن نظامنا السياسي متورط ومرتهن للوبيات الفساد الاقتصادي والسياسي، فلا محالة يتحمل المسؤولية كاملة إلى جانب من خطّط ونفّذ وأمام من لم يراقب ومن لم ينجز الخبرة العلمية أو أنجزها عكسية مقابل ظرف سمين!
في نفس الإطار ونحن نتحدث عن الفساد وعن المحاسبة.. انعقد مؤخرا اجتماع الدورة العادية التاسعة لمجلس المنافسة، وقال رئيس المجلس في تصريح رسمي “إن مجلس المنافسة يواصل ممارسة كامل صلاحياته واختصاصاته الدستورية..”
أين هي إذن مخرجات التحقيق الذي كلفت به لجنة مختصة من أجل كشف “شبهات الفساد” أو ما تم الاصطلاح عليه بـ “التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب” لتحديد الأسعار.!؟!
للتذكير فإن مذكرتين لمجلس المنافسة، وصفتا بالمتناقضتين، بالإضافة إلى ورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس ذاته، تقول بوجود “تجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مسّت جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس” ، تم تقديمها للملك وصدر بخصوص كل ذلك بلاغ للديوان الملكي بتاريخ 28 يوليوز 2020.
أين نحن من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟
تم إنشاء العديد من لجان تقصي الحقائق البرلمانية حول جل ملفات الفساد، وهناك تقارير رسمية أصدرها قضاة مجلس المحاسبة، وقضايا أخرى مرّت مرور الكرام وضعت المغرب في مصاف متدنية في تقارير الشفافية، بل إن تقارير التنمية البشرية والتنمية المستدامة، تجعل المغرب في أسفل قائمة مؤشرات التنمية الدولية، ويكفينا هنا التذكير بتقرير منظمة النزاهة المالية لسنة 2017 الذي قال إن المغرب خسر أزيد من 41 مليار درهم، مبالغ مالية مهرّبة خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2013.
هناك سباق الآن وحديث عن انتخابات أكتوبر 2021 ، تشريعية كانت أم جهوية، نسبة العتبة المطلوبة، القاسم المشترك، نمط الاقتراع أو الانتخاب.. والتي بدت وكأنها ستحدث انقلابا جوهريا في نظامنا السياسي، ما هي إلا بلقنة جديدة ستفرز لنا لوبيات سياسية واقتصادية جديدة، لا نعمّم طبعا، لكن على الأقل ظهر للعيان أن أصحاب رؤية “التغيير من الداخل”، صاروا بدورهم أمام “مؤامرة” –قولو العام زين- و-عفا الله عمّا سلف-.
يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة لقول إن ظاهرة العزوف عن المشاركة لدى فئات واسعة من المواطنين في الانتخابات، تعود بالأساس إلى انعدام الثقة أولا في الفاعل السياسي، ثم في انعدام الإقرار الفعلي لمبدأ المحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة كما تم التنصيص على ذلك في العديد من المحطات الرسمية.. وإلا، كيف لنا أن نُقنع المواطن الآن، بفعلية التغيير، أمام كل تلكم المحطات المأساوية التي شهدناها، اجتماعيا وحقوقيا…
والله لن تقوم قائمة في غياب المحاسبة الجنائية!