فواصل

“التكنو صحافة” بين الحرية والأخلاق

فواصل – –

حسن اليوسفي المغاري

“التكنو صحافة” بين الحرية والأخلاق

في عصر العولمة الإعلامية والمعرفية، وفي إطار الانفتاح الذي أصبح يعيشه الإعلام بصفة عامة، وبموازاة مع التطور التكنولوجي المتمثل في الثورة المعلوماتية، باتت الصحافة محط اهتمام العديد من المؤسسات التي أخذت على عاتقها مهمة بث ونشر المعلومة عبر ما أصبح يصطلح عليه بـ ” الفضاء الرقمي “، أو “الشبكة العنكبوتية” أو “العالم الافتراضي” الذي يعني باختصار الإنترنت.. هذا الاهتمام الذي أعطى طعما جديدا للإعلام المكتوب عموما، مؤسسات وأفرادا.

أصبحت ثقافة الإنترنت واقعا ملموسا، وصارت الصحافة الإلكترونية بابا مُشرعا أمام كل الإعلاميين وغير الإعلاميين لسبر أغوار الكتابة بكل حرية واستقلالية بعيدا عن كل القيود، لتبقى مسألة الأخلاق والمهنية والوثوقية من أهم الأولويات التي يجب على من يريد خوض تجربة الكتابة الإلكترونية احترامها..

وذلك حتى لا يكون فضاء الإنترنت مُشرَعا للانتهاكات، وذلك بحكم أن العمل في الفضاء الرقمي المفتوح يغفل البعض أنه ممكن مراقبته.

لا شك أن الإنترنت منح لمستعمله فضاء رحبا للتعبير بكل حرية، ولا شك أيضا أن الفضاء الرقمي العالمي منح فرصا أكبر للعديد من “المُخَرّبين” المعلوماتيين الذين وجدوا في عملية التواصل الرقمي فرصة سانحة لإبراز مواهبهم وقدراتهم التقنية في القرصنة والسطو والتخريب الرقمي، كما وجد فيه آخرون فرصة ذهبية للتعبير عن مُعارضتهم وسُخطهم وتذمرهم من النظام السياسي القائم في بلدانهم. بينما ارتأت فئة أخرى استغلال الفضاء الرقمي للتثقيف والتوعية وللمساهمة في نشر المعلومة ونشر المعرفة والمساهمة في تطوير المعارف والقدرات.

إن الفضاء الرقمي بهذا المفهوم بات سيفا ذا حدين، وصار المصدر الأول لكل دارس وباحث… وأكدت العديد من الدراسات، بأن ثورة الإنترنت أصبحت تعتبر من أهم الاكتشافات العالمية في مجال الاتصال الرقمي. وبقدر ما لهذا النجاح من آثار إيجابية على تقديم وإيصال المعارف دون حواجز ودون قيود، بقدر ما له العديد من الآثار السلبية ما لم نتحكم في استعماله.

إن عولمة الإعلام بالمفهوم الذي نعيشه اليوم مع ثورة الإنترنت – في جانبها الإيجابي – ، ومع الانتشار الواسع لوسائل الإعلام عبر الشبكة المعلوماتية الرقمية، صارت من بين أكبر الإنجازات التي حققها علم التواصل الحديث. وعليه، فإن التعامل مع الإعلام الجديد أصبح أمرا مفروضا ومُلحّا، بل ويتطلب منا المزيد من الاهتمام بحكم أن العالم الرقمي في تطور مستمر، وبحكم أن الاتصال بات الآن عبر الأقمار الاصطناعية أمرا مفروضا كذلك، وبدأت المحطات والكوابل المكونة للذبذبات العابرة للقارات تحت البحر، بدأت تترك عملها للأقمار الاصطناعية التي توفر الاتصال فضائيا.

فأمام هذا التقدم الملحوظ، وأمام تنامي ثقافة المعلوميات وما يواكبها من تطور تكنولوجي فرض وجوده في العالم الافتراضي، وبالنظر إلى أهمية ما صرنا نتوصل به من كم هائل ولا يحصى من المعلومات والمواضيع والأبحاث والدراسات، لم يجد الإعلام عموما والصحافة خصوصا، بُدا من ولوج العالم الافتراضي، وأصبحت الشبكة العنكبوتية تعج بالمحطات وبالمواقع الإعلامية الإخبارية، وبمواقع البحث والتحليل… إلى غير ذلك من المواقع التي باتت على شاكلة النسيج الذي ينسج خيوط العنكبوت، وصارت نفسها المُشكـل الحقيقي لبيت العنكبوت الرقمي.

فعلى الرغم من أن وجود هذه التقنية ليس بالقديم، (خمسون عاما خلال شهر أكتوبر 2019)، وبالرغم من أن درجات الاستعمال تختلف من مكان لآخر ومن شخص لآخر ومن دولة لأخرى، فإن ثقافة الإنترنت باتت محط اهتمام الجميع، ولا شك أن كل دارس لهذه الظاهرة الاجتماعية العلمية، لابد له أن يتعرّف أولا على تاريخ الإنترنت، المولود الجديد، الذي خرج من رحم فريق علمي من جامعة كاليفورنيا في شهر أكتوبر من سنة 1969.

وبداية سنة 1990، كانت الانطلاقة الفعلية لعملية الإنترنت التي نحن بصدد دراسة بعض جوانبه. المرحلة الجديدة في مجال علم الاتصال الحديث التي أفرزت لنا أشكالا جديدة في الاتصال والتواصل ضمن فضاء مفتوح بدون قيود، بحيث كانت سنة 1993 السنة التي بدأ فيها الإبحار Navigation من خلال إصدار أول برنامج مستعرض الشبكة “موزايـيك Mosaic” ثم تبعته برامج أخرى مثل Netscape و مايكروسوفت إنترنيتInternet Explorer ، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي كلينتون لأن يطلق صفحته الخاصة على الشبكة العالمية .

أمام كل ما يقال عن الحرية التي يتمتع بها الفضاء الرقمي فيما يخص تداول المعلومة، إلا أن هناك رقابة مخابراتية معلوماتية تستطيع أن تصل إلى مصادرة حرية الرأي والتعبير الإلكتروني…

في خضم هذه التطورات التكنولوجية، ومع ظهور وسائل إعلامية تدخل في إطار الإعلام الجديد، نروم التطرق لموضوع واقع وآفاق الصحافة الإلكترونية العربية كإعلام جديد ضمن العالم الافتراضي الذي صار يؤثث حياتنا بصفة عامة. فمن الملاحظ أن هذا النوع من الإعلام بات يعرف شيوعا كبيرا في جل المجتمعات العربية، وصارت منابر إعلامية عربية كبيرة لها مواقع إلكترونية إلى جانب الصحيفة الورقية سواء كانت يومية أو أسبوعية أو المجلات المتخصصة منها والمتنوعة، فصار الكل على الخط يمكن الوصول إليه بمجرد كبسة واحدة على الزر.

إن المتتبع للتطور الهائل الحاصل في عملية التواصل الرقمي، وفي وسائل الإعلام الرقمية عموما، ليلحظ أن الاهتمام المتزايد بهذا المجال كفيل بالدراسة والتمحيص، كما أن الأمر يتطلب طرح العديد من الأسئلة. هذا إلى جانب الهامش الكبير من الحرية في التعبير الذي صار يوفره عالم الإنترنت، عالم التعبير الرقمي بلا حدود.

لقد صارت الصحافة تحكم بشكل من الأشكال إلى جانب السلطة السياسية، وهي في نفس السياق تسمى، مجازا، السلطة الرابعة بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. الحديث هنا عن الصحافة الورقية، لكن الأمر نفسه بات ملحوظا أيضا بالنسبة للصحافة الإلكترونية التي لا تتوفر على نفس القيود، نسبيا، التي تُقيد حرية الرأي والتعبير الورقي.

لقد باتت الصحافة الإلكترونية إحدى القنوات الفعالة التي دخلت حياتنا اليومية، بحيث أثرت وبشكل حيوي ومباشر على حركة الصحافة الورقية بما وفَّرتهُ من سُبل كثيرة وسهلة للحصول على المعلومة ومتابعة الحدث أولاً بأول، بل واختصرت مسافات كثيرة على المتابعين للأحداث من كل الفئات والتخصصات.

إن ظهور الصحف الإلكترونية على شبكة الإنترنت هو بمثابة نوع من الغزو الثقافي الفكري الإعلامي إن صح التعبير، وهي الآن تخوض معركة الوجود أمام باقي وسائل الإعلام التقليدية. هنا، يجدر بنا أن نتساءل عن ماهية الوظيفة الحقيقية التي تؤديها هذه المواقع الإلكترونية خصوصاً تلك التي تقوم بما تقوم به الجرائد والمجلات؟ وهل يمكن أن تحل الصحافة الإلكترونية محل الصحافة المطبوعة؟ وهل يمكن أن نتساءل عن هوية تلك المواقع بالنظر إلى أن الفضاء الرقمي فضاء مفتوحا؟ وهل يمكن للصحافة الورقية أن تفقد جماهيريتها مقابل الصحافة الإليكترونية؟ وهل السرعة والانتشار الذي تتمتع بهما الصحافة الرقمية بإمكانهما القضاء على الصحافة الورقية؟

يتحدث الكثير الآن بأن الصحافة الإلكترونية لا يمكنها أن تكون بديلا عن الصحافة الورقية، ويرى آخرون، وهم كُثر، أن عهد كل ما هو تقليدي قد ولّى أمام تطور التكنولوجيا بحيث أصبحنا نتحدث عن التكنو صحافة ، ويتحدث بعضهم عن الفرق الشاسع من حيث الرقابة. لكن، وأمام كل ما يقال عن الحرية التي يتمتع بها الفضاء الرقمي فيما يخص تداول المعلومة، إلا أن هناك رقابة مخابراتية معلوماتية تستطيع أن تصل إلى مصادرة حرية الرأي والتعبير الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button