مغتصبوا وطن.. لا حظّ لهم فيه سوى حظّ الاغتصاب!
فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
مغتصبوا وطن.. لا حظّ لهم فيه سوى حظّ الاغتصاب!
استمعتُ بكل إمعان للشريط الصوتي الذي سُرّب من سجن فاس لصاحبه السجين الزفزافي، المعتقل على خلفية أحداث الحسيمة المطالبة بالعيش الكريم.. استمعت للفظاعات وللانتهاكات التي قالوا عنها إنها صارت من أحداث زمن ولّى، أحداث وفظاعات وانتهاكات جسيمة لحق الإنسان، وتعاقدت بخصوصه الدولة في إطار تسامح جابر للضرر.. وقلنا إننا بصدد فرصة تاريخية سيكون عنوانها التعاقد من أجل مصلحة الوطن..
لكن، وأمام كل تلك الفظاعات الموثقة بصوت السجين، وأمام ما حكاه من قبلُ أمام المحكمة، وأمام تسريبات الفيديو إياه، والتي طُمست معالمها فيما بعد، حيث ظهر فيها السجين عاريا تماما، وفي انتهاك صارخ لحقوقه الإنسانية.. ماذا عسى المرء أن يقول!
وفي موضوع آخر، تتبعنا جميعا مجريات محاكمة الزميل بوعشرين وما رافقتها من تصريحات وتصريحات مضادة، وكثُر الحديث عن الحقوق والعدالة إلى أن خرجت إحداهن بفيديو تنفي فيه وتصرح بحقيقة الأمور.. بينما طلعت أخرى بتدوينة تعاتب فيها من وعدها وأخلف وعده معها، وأشارت المعنية إشارتها “قبل النوم” التي قالت فيها إن “سمعة وكرامة الناس ماشي لعبة… وفاش الواحد يكون باغي يقضي شي غرض باستغلال مقيت للثقة وخصوصا إذا ارتبط الأمر بصورة ومصلحة البلاد، ما يستعملش الناس بحال شي جفّاف ويلوحهم أول ما يصدر شي حُحم…” وأنهت السيدة تدوينتها بـ”الدنيا دوارة”.
فظاعات أخرى تنظاف إلى فظاعات المتحكمين الذين ينتهجون سياسة الترهيب والحكّرة والإجهاض!
منذ أكثر من عقدين وواقعنا الإعلامي يتأرجح داخل أرجوحة التقنين والتضييق والحرية، ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي ونحن نتأرجح معهم أملا أن يصيبنا يوما سهم حرية الرأي والتعبير الحقيقية لا الصورية.. عشنا مراحل التسلّط السلطوي ومراحل التسلط النخبوي ومراحل قالوا عنها إنها الانفتاح نحو مسيرة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والحقوق دون إِجهاض!
اليوم صار التحكم والإبداع فيه يتجاوز المنطق ويتجاوز الأخلاق.. هذا إن وُجدت أصلا. صار التحكم باستحداث “وسائل إعلام” خدُومة حتى النخاع، ومطيعة لحدّ “تغراق الشقف” لمن يريدونه أن يشرب ماء البحر.. وأمام الانفتاح والتطور التكنولوجي، صارت مواقع إلكترونية “إخبارية”، ناطقة باسم لسان حال مموّليها وأصحاب نعمتها، يرقصون على جراحنا، يتباهون بـ”صيدهم” المزعوم!
منذ أكثر من عقدين وحضوري في الوسط الإعلامي، صحافيا مهنيا، إعلاميا متتبعا، مسؤولا ومسيّرا ومدرّباً.. بتكوين إعلامي وبشهادات عليا متخصصة، التزمت طيلة هذه المدة بالمصداقية والمسؤولية والأخلاق المهنية.. لم أبتغِ شُهرة ولم أدّعِ التفوّق ولم أسعَ إلى ما يسعى إليه الكثرة من الناس.. رفضت الانصياع ووقفتُ أمام الظلم و”الحكّرة”، وأمام عبودية رأس المال ودافعت بشراسة عن كرامتي وحقي في العيش الكريم..
أحيانا جهرت بذلك، وأحايين عديدة جعلت الأمر حبيس الجُدران وأحايين أخرى وقفتُ صامدا أمام خفافيش الظلام ولم أنصع لأوامر من هم “فوق” لأنهم يرونا نحن “تحت”، فقلت يوما لأحدهم طلب مني حينها التواصل مع “رجل دولة” من أجل أخذ التعليمات قبل الشروع في إنجاز مادة إعلامية، قلت له إن اليوسفي لا يأخذ التعليمات من”فوق” لإنجاز عمله الإعلامي المهني.. استشاط صاحبنا غضبا وأنجزتُ عملي بكل مهنية، وأدّيت طبعا ثمن الرفض، لكني خرجتُ منتصرا بأنفة الإعلامي الذي يحترم المبادئ التي يؤمن بها.
لكن، الحقيقة المُرّة هي أننا نُغتصب ويُجهِضوننا لكي تموت فينا الكرامة الإنسانية، ونصبِح إمّعات ببّاغوات نردّد ونكتب ونمجّد ونسبّح بحمد ما يريدونه هم، لا ما يجب أن يكون، وتُسلَّط على رقابك سيوف الذل والقهر والهوان لكي تكون مُطيعا، وإلا فالاغتصاب المادي والمعنوي والجسدي في انتظارك.
أجهِضونا إذن مرّات ومرّات، ولتختاروا بعناية فائقة المكان والزمان والحدث المناسب لكي تُحبَك خيوط الاغتصاب والإجهاض!.. فما أنتم سوى مغتصبي وطن لم يكن لكم يوما فيه حظٌّ سوى حظُّ الاغتصاب!