فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
التعددية الحزبية والصحفية
تطرقنا في مطلع هذه الدراسة الخاصة بتأريخ الصحافة المغربية، ومن خلال الجزء الأول، إلى البوادر الأولى لظهور مشهد سياسي مغربي مرتبط بالإعلامي، إذ أن الحديث عن الصحافة الحزبية، لم يكن ممكنا إلا بربطها بمحيطها الذي تتفاعل معه، أي بالمؤسسة الحزبية السياسية. ورأينا كيف كانت الأحداث مرتبطة بثلاثة عهود سياسية حتّمت وجود صحافة بدائية تطوّرت فيما بعد مع تطور جزئي في المشهد السياسي.
وتعرفنا في الجزء الثاني على الإسهامات الصحفية التي واكبت الظاهرة الحزبية المغربية منذ عهد الحماية التي كانت مفروضة من طرف المستعمر الفرنسي، بلُغته الفرنسية أولا، وذلك بحكم أن شباب الحركة الوطنية كانوا من خريجي جامعاتهم.
التعددية الحزبية والصحفية
أولا: التعددية الحزبية المواكبة للاستقلال السياسي
بعد مرحلة الحماية وظاهرة التنظيمات السياسية الأولى التي انبثقت عن الحركة الوطنية المغربية ثم عن كتلة العمل الوطني، وبعد الأحداث التي عرفتها الساحة السياسية المغربية، دخل المغرب منعطفا جديدا في ظل الاستقلال السياسي سنة 1956، وذلك من خلال التعددية الحزبية التي واصلت مشوارها السياسي مواكبة بذلك مرحلة الاستقلال. فظهرت تنظيمات جديدة كان لها وقعها الكبير داخل الخارطة السياسية المغربية، نظرا لوزنها الثقيل الذي أصبح يفرض وجوده داخل المنظومة المجتمعية المغربية بحكم موقعها وسط المواطن، سواء من الناحية التنظيمية السياسية كحزب سياسي، أو من الناحية الإعلامية من خلال الصحيفة.
فقد عرفت الظاهرة السياسية الحزبية المغربية منذ بداية الاستقلال تصنيفا تمييزيا جعل منها الأحزاب المحافظة والأحزاب التقدمية، وأحزاب يمينية وأخرى يسارية. الاستقلال والحركة الشعبية يتبنيان الإيديولوجية المحافظة، أما أحزاب التقدم والاشتراكية، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، جميعها أحزاب تتبنى الإيديولوجية التقدمية.
ومن الناحية الإعلامية، تعتبر سنة 1946 هي البداية الأولى لظهور جريدة العلم التي ستكون بمثابة الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال منذ ظهوره. وإذا تتبعنا خطوات حزب الاستقلال عبر تاريخه الطويل، سنجده لا يخلو من سلبيات ومن تناقضات داخلية أدت فيما بعد إلى انشقاق بيت الاستقلاليين وبروز جناح المعارضة الذي شكّل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
لكن حزب الاستقلال لم يكن وحده على الساحة السياسية المغربية، بل كان تواجد حزبان آخران لهما وقعهما أيضا في المجتمع المغربي، ويعملان معا حسب نهج سياسي له أهدافه ومراميه. ويتعلق الأمر بحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي، لتأتي بعد ذلك الحركة الشعبية كحزب يميني تشكل من رجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير في منطقة الريف.
أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقد تأسس على إثر الانشقاق الذي حصل داخل حزب الاستقلال في سنة 1959، وقد كان ذلك بين الجناح اليساري المتكون من المقاومين والمناضلين النقابيين والطلبة وبعض الأطر والوزراء، وبين الجناح المحافظ في دواليب الحزب والدولة بحكم أن حزب الاستقلال كان يشكل الطرف الأكبر في الحكومة.
كما وجب التنبيه إلى وجود بعض الأحزاب، الصغيرة حزب الأحرار المستقلين، الحزب الديمقراطي المغربي للأحرار، حزب الشعب المغربي، حزب الوحدة الريفية، حزب الدفاع الوطني ثم حزب المغرب الحر، أحزاب كانت في هيكلتها مكونة من أشخاص موالين سواء للإدارة الفرنسية أو الإسبانية أو للقصر الملكي.
ثانيا: الأحزاب السياسية والمرحلة الجديدة
تميزت المرحلة الجديدة من المشهد السياسي المغربي بظهور أحزاب أخرى ستكون لها كلمتها داخل الواقع السياسي والصحفي، وذلك بحكم وجودها أولا كتنظيمات لها هياكلها وبرامجها، ثم بحكم توفر المناخ السياسي المتمثل في التعددية الحزبية الذي يفسح المجال لخلق تنظيمات جديدة، وبالتالي توفّر صُحُف ومجلات، وأخيرا بفضل مساندتها من طرف النظام الحاكم لكي تكون أداة في شكل أغلبية إما من أجل تشكيل حكومات، وإما من أجل تمرير المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بتسخير الآلة الإعلامية وبدون عرقلة المعارضة.
فقد كان الانشقاق الذي حصل للاتحاد الوطني عن حزب الاستقلال، شيئا مرتقبا، بحكم وجود خلاف على المستوى الإيديولوجي. لكن الانشقاق الذي حصل داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي أدى إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على الرغم من نفس التوجه الإيديولوجي، وخاصة الاختيار الثوري، أمر يلفّه الغموض الذي يطرح عدة أسئلة غير مفهومة خاصة وأن الانقسام لم يؤدّ إلى تنحية الاتحاد الوطني بصفة نهائية.
فالنقطة الأساسية التي استحكمت في ظهور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تمثلت أساسا في الصراع الذي ظهر بين النقابي والسياسي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الأمر الذي أظهر في الأخير القطيعة بين اللجنة المركزية واللجنة الإدارية داخل الحزب، وهو ما أدى أيضا إلى ظهور جرائد ناطقة باسم كل فريق.
ومن خلال دراسة معظم وثائق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المتضمنة حينها في مؤتمره الاستثنائي، نستشف أن المنهجية والمبادئ التي ركز عليها في تطبيق أهدافه، تتركز أساسا في الاشتراكية عملا ومفهوما.
إلى جانب هذه الانشقاقات، عرفت الساحة السياسية ولادة مجموعة أحزاب في المرحلة الجديدة، حزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الاتحاد الدستوري. أحزاب وُصفت بالإدارية بولائها للنظام المخزني. هذا في الوقت الذي ظهر فريق ثالث معارض عُرف ب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وظهرت بالموازاة مجموعة صُحُف منافحة عن الاختيار الحزبي في إطار التعدد.
بذلك يكون المشهد السياسي المغربي قد مرّ بعدة مراحل جعلته يتميز عن باقي الدول الأخرى، التميز الذي منحه إياه انعدام الحزب الوحيد، وبالتالي كانت للتعددية الحزبية في المغرب الدور الفعال في تنشيط الحركة السياسية، الشيء الذي سيؤدي حتما إلى تعدد آخر. تعدد العناوين الصحفية الموالية لتلك الأحزاب. بحيث كانت الصحافة هي الملاذ الوحيد للتعبير ونشر الأفكار، كما أنها كانت ولا تزال هي اللسان المعبر الذي يدعو لهذا المنحى أو لذاك…
وحتى تكون لدينا فكرة واضحة عن العلاقة القائمة بين الحزب السياسي وبين الجريدة، ارتأينا الحديث عن المشهد الإعلامي وعلاقته بالظاهرة الحزبية من خلال جزء مستقل، يتناولها من جانبها التاريخي أولا ثم من جانبها العملي. لأن أول ما يتبادر إلى الدهن عند دراسة المشهد الإعلامي المغربي، هو ارتباطه الوثيق إما بالجهاز الحكومي، القطاع العمومي المتمثل في الإذاعة والتلفزة وبعض الجرائد الحكومية، أو ببعض الأجهزة السياسية، خصوصا منها الأحزاب السياسية.
ومن ثم يكون الإعلام بصفة عامة خاضعا للجهاز الذي يكون تابعا له، وتلك التبعية تكون في عمقها مؤطرة بفكر معين وبسياسة لا تخلو من إيديولوجيات معينة، وعليه، فإن دراسة الصحافة في المغرب ببعدها التاريخي، ذات صلة مباشرة بالظاهرة الحزبية، وبالتالي تكون هاته الدراسة أو تلك مقرونة بالفكر الحزبي السياسي الذي هو في الأصل المسيطر على السير العادي لأية صحيفة.
فكانت الأسبوعيات: “عمل الشعب” وصحيفة “إرادة الشعب”، “الأطلس”، “العمل”، “الحياة” “المغرب الجديد”، “الريف”، خير لسان معبر عن الحركة الوطنية، بل وخير مناهض للمستعمر أمام قرارات المنع والحجز وعدم الترخيص. إلا أن الجذور الأولى للصحافة المغربية من حيث النشأة فتعود لفترة تاريخية معينة، حيث كانت أول حقبة ظهرت فيها الصحافة في المغرب ترجع لسنوات 1820 إلى غاية 1912 ميلادية، السنة التي أصبح فيها المغرب مقسما إلى عدة مناطق حسب النفوذ الاستعماري.