هل أُريدَ لنا أن نكون كذلك؟
فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
هل أُريدَ لنا أن نكون كذلك؟
هل أُريد لنا أن نكون كذلك؟ سؤال يؤرق مضجعي ويوقض أحاسيس اليأس وإن كنتُ ممن يتحرى الأمل. يحُزّ في نفسي أن أرى وطني وأبناء وطني يحتلون مراتب غير حاضرة ضمن لوائح الترتيب العالمي سواء تعلق الأمر بجودة التعليم، او بالتنمية التي لطالما يتشدق المسؤولون بالعمل على تحقيقها..
ويحُزّ في نفسي أكثر عندما أطالع التقارير والاعترافات الرسمية بالخيبات المتتالية المسجلة لمنظوماتنا التعليمية والتربوية ولسياساتنا التعليمية التي لم تَحد منذ عقود عن التخلف الممنهج الذي تنهجه الدولة بمعية الطبقات السياسية التي تقرر ما يُملى عليها من تعليمات فقط.. فمرة تعريب وأخرى فرنسة ودعوة للتدجين بالعامية ليصل المستوى إلى تفريغ المدرسة العمومية من محتواها الإيجابي، مناهج وأُطرا حتى أضحى التعليم الذي يعتبر رافعة التقدم، مُنتجا للضحالة والفقر المادي والمعنوي.
عندما نعلم أن الهدر المدرسي بلغ مداه، وعندما يقول تقرير تقييم المكتسبات أن التلاميذ لم يكتسبوا الكفايات اللغوية في العربية والفرنسية، بحيث لم يتجاوز وطنيا 23 في المائة من الأهداف المحققة في التعليم العمومي، وعندما نعلم أن أداء التلاميذ ضعيف في مادة الرياضيات وفي باقي العلوم الإنسانية، فاعلم حينها أننا فعلا في حضيض أسفل سافلين، وبأن سياسات تعليمنا مُفلسة، الغرض منها المزيد من التجهيل..
وعندما نعلم أن 98 بالمائة من التلاميذ ينتمون إلى الأسر الفقيرة، وبأن جهات تدفع إلى إلغاء مجانية التعليم والذهاب به إلى دهاليز الخوصصة وجشع القطاع الخاص الذي بات أمرا واقعا، وعندما تُسيّسُ المسألة التعليمية ويصبح الشارع ملاذا للتلميذ والأستاذ معا، فاعلم حينها أننا وسط سوق يُسمى “التعليم”.
سيُلاحظ المُتتبع للوضع السياسي المغربي الراهن، أن هناك مُفارقة بين الخطاب وبين الممارسة، مُفارقة بين الوثيقة الدستورية لسنة 2011 والممارسة الفعلية للحكومة. لقد صرنا نعيش الاستسلام الواضح لقوى التحكم التي تريد حياكة مشهد سياسي اجتماعي تربوي تعليمي جديد على مقاس السيطرة السياسية والاقتصادية، إن داخليا أو خارجيا.
يجب القول وبصريح العبارة، إن المغرب يجتاز في الظرفية الحالية، مرحلة سياسية واقتصادية بالغة التعقيد والأهمية، مرحلة تتسم بعدم الاستقرار المجتمعي والسياسي، وإن كان الأمر ظاهريا يُظهرُ عكس ذلك..
هناك التخبط السياسي، تنامي الدين الخارجي، الهوة العميقة في الفوارق الاجتماعية، تبني إجراءات وتدابير اجتماعية تزيد من تعميق جُرح المواطن البسيط وطموحه في العيش الكريم، ومأسسة وتدبير وتشريع مُحكم في صالح النظام السياسي…
إن الاستمرار في غياب المُحاسبة السياسية، لن يستطيع أمامه أيا كان تثبيت المفهوم الصحيح للديمقراطية، ولن نصل إلى مستوى إقناع جل فئات المجتمع بالتغيير. هناك تحديات مُجتمعية، لا محيد عنها، ذات الأولوية بالنسبة للمواطن، أما الصراعات السياسية الحزبية الضيقة، وسيطرة المال على السياسة وزواج السياسة بالمال، لن تعدو كونها إحدى تمظهرات الواقع السياسي البئيس..
ألم يإن الأوان بعد لكي نصنع جيلا جديدا ونخاطب الفكر والعقل معا؟ ألم يحن الوقت بعد لكي نضع استراتيجية تكوين مجتمع قادر على بناء مغرب المستقبل؟ كفى استهتارا بنا وبعقولنا، كفى صراعا على الغنيمة.. الغنيمة الوحيدة التي يمكن أن نتصارع جميعا لأجلها هي بناء جيل جديد واع قادر على بناء مغرب الغد الجديد، مغرب المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحقوق، مغرب مزدهر بأبنائه إناثا وذكورا، مغرب الألفية الثالثة بجيل مفكّر عبقري سياسي أكاديمي صناعي وتقني مُتعلّم قادر على تحمل مسؤوليات وطنه..
ولأن الوطن فوق كل اعتبار، وفوق كل مزايدات وصراعات من أجل كرسي مزركش بلون دكّان سياسي او مشتل نقابي، لن أقول خُذوا الكراسي وخلّوا لي الوطن، بل أقول:
“لنحتضن جميعا الوطن ولنصنع الكراسي لجميع أبناء الوطن، كراسي العلم والمعرفة والشفافية والوضوح والالتزام والتضحية (…) حينها ستكون كراسي السياسة وتدبير الشأن العام لمن يستحقها ومن يستحقها فقط”.