بين قرارات الأمم المتحدة وتصعيد الجزائر: لماذا تستمر الأزمة في الصحراء المغربية
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مناسبات متعددة، الدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في النزاع حول الصحراء المغربية. وقد أشار غوتيريش في تقارير الأمم المتحدة إلى أن الجزائر ليست مجرد “طرف مراقب” بل تلعب دورا أساسيا في تأجيج النزاع، سواء بدعمها العسكري لجبهة البوليساريو أو بعرقلتها للحلول السلمية التي تسعى لها الأمم المتحدة.
دعم الجزائر لجبهة البوليساريو
لطالما كانت الجزائر من أكبر الداعمين لجبهة البوليساريو الانفصالية، وذلك من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي.
في تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2021، أكدت مصادر موثوقة أن الجزائر تستمر في تسليح الجبهة وتجهيزها بأسلحة متطورة، مما يعزز قدرة البوليساريو على شن هجمات ضد المغرب ويعيق أي تقدم نحو حل سلمي يعتبر انتهاكا لجهود المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي مستدام، ويثير قلقا بشأن استقرار المنطقة.
عرقلة الحلول السلمية
على الرغم من “مساعي” الأمم المتحدة لإيجاد تسوية سلمية للنزاع، ترفض الجزائر التفاوض المباشر مع المغرب وتواصل دعم البوليساريو كبديل للنقاش السياسي.
في عام 2018، عُقدت جلسات محادثات في جنيف برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف المعنية، وشهدت مشاركة المغرب، جبهة البوليساريو، والجزائر، إلا أن الأخيرة رفضت الانخراط بجدية، مما أدى إلى عدم إحراز أي تقدم في تلك الجلسات .
إحدى أبرز المحطات التي كانت الجزائر سببا في عرقلتها هي جلسة المفاوضات التي عقدت في أبريل 2019 في نيويورك، حيث أُعلن عن نية المملكة المغربية تعزيز مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه عام 2007.
ورغم الدعم الدولي لهذا المقترح، إلا أن الجزائر رفضت بشكل قاطع مناقشته، وواصلت المطالبة بتقرير المصير الذي تدعو له البوليساريو. هذا الموقف المتعنت أضعف فرص تحقيق أي اختراق دبلوماسي في النزاع .
التسليح المستمر
وفقا لتقارير دولية متعددة، يُعد الدعم العسكري الجزائري لجبهة البوليساريو من أكبر العوامل المعرقلة لتحقيق أي سلام دائم في المنطقة.
ففي تقرير صادر عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI) لعام 2022، تم تأكيد أن الجزائر زودت البوليساريو بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الدبابات والمدفعية، وذلك في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر تسليح الجهات غير الحكومية .
كما أشارت تقارير أخرى إلى أن الجزائر توفر السكن لعناصر البوليساريو على أراضيها، مما يضاعف من تعقيد النزاع ويؤجج التوتر في المنطقة.
القرارات الأممية ومقترح الحكم الذاتي
على مر العقود، أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات تدعو إلى حل سياسي قائم على التفاوض بين الأطراف، إلا أن الجزائر استمرت في رفض الحلول المقترحة.
قدم المغرب في 2007 مبادرة الحكم الذاتي كخيار واقعي ودائم لإنهاء النزاع، وهو المقترح الذي لاقى إشادة دولية واسعة، حيث اعتبره مجلس الأمن في قراراته أساسا جادا وواقعيا للتفاوض.
في قرار مجلس الأمن رقم 2602 الصادر في أكتوبر 2021، أشادت الأمم المتحدة بالمقترح المغربي واعتبرته “ذا مصداقية” كإطار للحل . إلا أن الجزائر رفضت هذا المقترح واستمرت في دعم البوليساريو بالانفصال، مما يعطل أي تقدم نحو الحل.
التصعيد الجزائري ضد المغرب
تعتمد الجزائر سياسة تصعيدية ضد المغرب على جميع الأصعدة، إذ تسعى في المحافل الدولية إلى عرقلة أي جهود تفضي إلى تسوية سلمية للنزاع.
ففي عام 2021، قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وزادت من حدة تصريحاتها العدائية، متهمة الرباط بالتدخل في شؤونها الداخلية وبدعم حركات انفصالية داخل الجزائر نفسها .
هذه الخطوات التصعيدية تساهم في تفاقم التوترات وتزيد من تعقيد ستعداد الجزائر للدخول في حوار بناء مع المغرب.
الحكم الذاتي تحت سيادته الوطنية
منذ العام 1975، تشهد المناطق الصحراوية نزاعا حول السيادة، حيث قدم المغرب حلا يتمثل في منح الحكم الذاتي للمنطقة تحت سيادته الوطنية كوسيلة لإنهاء النزاع وضمان استقرار المنطقة.
يقوم هذا المقترح على تمكين سكان الصحراء من إدارة شؤونهم المحلية بشكل واسع، مع الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
ويهدف الحل إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ‘ذ يُعتبر من قبل العديد من الدول والمجتمع الدولي خيارا واقعيا وقابلا للتطبيق مقارنة بدعوات الانفصال.
يسعى هذا المقترح إلى تحقيق السلام من خلال الحوار والتفاوض، ويؤكد على احترام الهوية الثقافية لسكان المنطقة في إطار السيادة المغربية.
شهادات وتصريحات رسمية
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022، سبق لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن أشار إلى أن الجزائر “تلعب دورا سلبيا في تعقيد النزاع المفتعل بالصحراء المغربية”، مؤكدا أن الحل الأمثل للنزاع هو من خلال مبادرة الحكم الذاتي.
من جانبه، أكد غوتيريش في تقريره السنوي حول النزاع في الصحراء المغربية، على “أهمية الأطراف بما فيها الجزائر” للتوصل إلى حل سياسي دائم .
يتضح أن الجزائر تلعب دورا معيقا لأي تقدم نحو حل النزاع في الصحراء، وذلك من خلال دعمها المتواصل للبوليساريو وتسليحها، ورفضها الانخراط الجدي في محادثات السلام.