التطور الحاصل في مجال الإعلام المعتمد على التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي
حسن اليوسفي المغالري
شهد مجال الإعلام في العقود الأخيرة تحولات جذرية بفضل التطور السريع في التكنولوجيا الحديثة، وأبرزها الذكاء الاصطناعي. حيث أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من العمل الإعلامي، من مرحلة جمع المعلومات والتحليل إلى الإنتاج والتوزيع. تتزايد أهمية هذه التحولات في ظل التحديات التي يواجهها الصحفيون ووسائل الإعلام، مثل سرعة انتشار الأخبار وتدفق المعلومات عبر الإنترنت.
جمع المعلومات وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي
في الماضي، كان جمع المعلومات والتحقق من صحتها يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين من الصحفيين والمحررين. لكن مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة. على سبيل المثال، تعتمد بعض الأدوات الإعلامية على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وتحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة المواضيع الأكثر رواجا واتجاهات الرأي العام.
أمثلة:
أدوات تحليل البيانات الضخمة (Big Data): تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات كبيرة من البيانات الخام من مصادر مختلفة، مما يُسهل على الصحفيين اكتشاف أنماط جديدة من المعلومات وتحليل الأحداث بشكل أكثر دقة. مثلا، يمكن أن توفر أدوات مثل DataMiner و Crimson Hexagon تحليلا فوريا للمحتوى عبر الإنترنت.
الصحافة القائمة على الذكاء الاصطناعي: تستخدم أدوات مثل Narrative Science و Wordsmith لإنشاء تقارير ومقالات تحليلية بناء على البيانات المتاحة. هذه التقنيات تمكّن المؤسسات الإعلامية من إنتاج محتوى بسرعة ودقة مع الحفاظ على الجودة العالية.
الإنتاج الإعلامي الآلي
بات بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء تقارير إخبارية بسيطة بشكل أوتوماتيكي، وهو ما يُعرف بالصحافة الروبوتية (Automated Journalism). تعتمد هذه العملية على خوارزميات قادرة على تحويل البيانات الرقمية إلى نصوص إخبارية قابلة للنشر.
أمثلة:
وكالة أسوشيتد برس (AP): منذ عام 2014، تعتمد وكالة أسوشيتد برس على الذكاء الاصطناعي في إنتاج تقارير إخبارية متعلقة بالأرباح الفصلية للشركات. هذا الاستخدام يوفر الوقت للصحفيين للتركيز على مهام أكثر تعقيداً.
صحيفة واشنطن بوست: طورت الصحيفة نظاما يُعرف بـ Heliograf، يُستخدم في تغطية الأحداث الرياضية والسياسية بشكل آلي. خلال الانتخابات الأمريكية 2016، ساعد هذا النظام الصحفيين في تقديم تحديثات لحظية حول نتائج الانتخابات.
تحسين تجربة المستخدمين في استهلاك الأخبار
التكنولوجيا الحديثة تمكن وسائل الإعلام من تحسين تجربة المستخدم من خلال تقديم محتوى مخصص وفقا لتفضيلات القراء. تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين على المنصات الإعلامية وتقديم توصيات بمحتويات تتناسب مع اهتماماتهم.
أمثلة:
نتفلكس الإخبارية: تقدم منصات مثل Flipboard و Google News تجارب شخصية للقارئ، حيث تستند إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك القارئ واقتراح مقالات تتناسب مع اهتماماته.
الدردشة الذكية (Chatbots): بدأت العديد من المؤسسات الإعلامية في استخدام الدردشة الذكية لتقديم الأخبار. على سبيل المثال، تستخدم هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) روبوتات الدردشة لتوفير تقارير محدثة للمستخدمين بناء على تفضيلاتهم الشخصية.
التحقق من الأخبار الزائفة
مع تزايد انتشار الأخبار الكاذبة، أصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري في كشف الأخبار المضللة والحد من انتشارها. تعتمد العديد من المؤسسات الإعلامية على أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحقق من صحة الأخبار قبل نشرها.
أمثلة:
أداة Factmata: تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي للتحقق من الأخبار والتأكد من صحة المعلومات التي تُنشر عبر الإنترنت. تعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل النصوص والتأكد من موثوقية المصادر.
مشروع Google Jigsaw: طوّرت جوجل أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحقق من الأخبار الزائفة ومحاربة التضليل الإعلامي.
التفاعل مع الجمهور باستخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز
يساهم الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) في توفير تجربة إعلامية تفاعلية وفريدة من نوعها. هذه التقنيات تمكّن المستخدمين من التفاعل مع الأخبار بدلاً من استهلاكها فقط. تقدم وسائل الإعلام الآن تقارير ومواد تفاعلية تمكّن القارئ أو المشاهد من الغوص في الأحداث واستكشافها من زوايا متعددة.
أمثلة:
نيويورك تايمز: تستخدم الصحيفة الواقع الافتراضي لتقديم تقارير معمقة تتيح للمشاهدين “زيارة” مناطق الحرب أو الأحداث العالمية المهمة من خلال تجارب غامرة.
قناة الجزيرة: أطلقت تطبيق Contrast VR الذي يستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لتغطية قصص إنسانية بطريقة تفاعلية تمنح الجمهور شعوراً أكثر واقعية بالأحداث.
الصحافة الاستقصائية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
يمكن للذكاء الاصطناعي تسهيل التحقيقات الصحفية عبر تحليل الوثائق الضخمة والبيانات المعقدة. يُسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع العمليات التقليدية مثل مراجعة الوثائق وتحديد الأنماط والعلاقات الخفية بين المعلومات.
أمثلة:
مشروع Panama Papers: خلال التحقيقات في وثائق بنما، تم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل ملايين الوثائق وربط العلاقات المعقدة بين الأفراد والشركات. هذه التقنية ساهمت بشكل كبير في كشف الفساد والتهرب الضريبي على مستوى عالمي.
غيرت التكنولوجيا الحديثة، وبالأخص الذكاء الاصطناعي، بشكل جذري ممارسات الإعلام والصحافة. سواء في عملية جمع المعلومات، أو الإنتاج، أو التفاعل مع الجمهور، أو حتى في مكافحة الأخبار الكاذبة،
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرا لا غنى عنه في الصناعة الإعلامية الحديثة. ومع استمرار تطور هذه التقنيات، يمكن توقع ظهور المزيد من التحسينات والتطبيقات التي ستزيد من فعالية وكفاءة العمل الإعلامي.