التدهور المالي لصندوق التقاعد بالمغرب: تداعيات وحقائق العجز
تشير التقارير الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية بالمغرب إلى أزمة متصاعدة في وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يواجه عجزا تقنيا وماليا قد يؤدي إلى استنفاد احتياطاته بشكل كامل بحلول عام 2028.
تأتي هذه الأزمة بالتزامن مع ارتفاع أعداد المتقاعدين وتزايد تكاليف معاشاتهم، في مقابل ضعف الاشتراكات ونمو الديموغرافيا السريع للفئة المعنية، الأمر الذي يضع منظومة التقاعد برمتها في وضعية حرجـة تستوجب تحركات عاجلة لضمان استمرارية الصندوق.
مؤشرات الأزمة بالأرقام: واقع مقلق ومستقبل غامض
بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والمالية، سجّل الصندوق المغربي للتقاعد خلال عام 2023 عجزا تقنيا يُقدّر بحوالي 9.87 مليار درهم، ما أدى إلى تآكل رصيده الاحتياطي الذي وصل إلى حوالي 65.8 مليار درهم فقط.
يتوقع التقرير استمرار هذا الاتجاه التنازلي للاحتياطي حتى يصل إلى مرحلة العجز الكلي في غضون خمس سنوات، ما لم يتم اتخاذ خطوات إصلاحية حاسمة.
أما المندوبية السامية للتخطيط، فقد تناولت في تقاريرها وضعية المتقاعدين بالمغرب، مشيرة إلى أن عدد المتقاعدين يشهد نموا مستمرا مع تقدم معدل الأعمار في المملكة، مما يرفع الطلب على المعاشات ويزيد من التحديات المالية للصندوق.
ووفقا لتوقعات المندوبية، يتطلب الوضع المالي لصندوق التقاعد مراجعة شاملة لاستدامته على المدى الطويل، خاصة أن النظام الحالي يعتمد بدرجة كبيرة على مساهمات الأجيال الشابة التي تتراجع قدرتها على التغطية بفعل التغيرات الاقتصادية والديموغرافية.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة
يعني تدهور الوضع المالي للصندوق المغربي للتقاعد عدم القدرة على تأمين معاشات المتقاعدين بشكل مستدام، ما قد يتركهم عرضة لتدهور معيشتهم.
وقد عبرت النقابات عن قلقها إزاء هذا الوضع،”أزمة الصندوق تهدد حقوق المتقاعدين وتستدعي تدخلا حكوميا عاجلا”. وتنبع هذه التخوفات من تأثير أي قرارات إصلاحية محتملة كرفع سن التقاعد أو زيادة الاقتطاعات الشهرية على المستوى المعيشي لفئات الموظفين، إذ قد تضع عبئا إضافيا على العمال الحاليين وتخفض من فترة استفادتهم من المعاشات عند بلوغهم سن التقاعد.
مقترحات إصلاحية ومواقف نقابية
في ضوء هذه الأزمة، طرحت بعض الجهات الحكومية والاقتصادية مقترحات إصلاحية قد تساهم في تحسين الوضع المالي للصندوق. وتشمل هذه المقترحات زيادة نسبة الاقتطاعات، ورفع سن التقاعد، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات استثمارية جديدة لتعزيز الإيرادات.
في هذا السياق، تم التأكيد على أن مقترح “رفع سن التقاعد قد يبدو حلّا على المدى القصير، ولكنه يمثل عبئا على الأجيال العاملة”، في الوقت الذي تذهب فيه أصوات مقابية إلى “ضرورة البحث عن استثمارات مستقرة وعوائد تساهم في دعم موارد الصندوق”.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن بعض النقابات تتبنى مقترحات تنادي بتأسيس صندوق وطني احتياطي مواز لدعم الصندوق المغربي للتقاعد، خاصة في ظل انخفاض قيمة الدرهم وتزايد التضخم الذي يؤثر سلبا على القوة الشرائية للمتقاعدين.. “لن يتحقق استقرار حقيقي للمتقاعدين إلا بإيجاد حلول وطنية تضمن استمرار التقاعد في إطار اجتماعي عادل”.
استشراف المستقبل والحلول الممكنة
تؤكد التقارير الرسمية والنقابية على أن استقرار وضع المتقاعدين يتطلب استراتيجيات شاملة ومتكاملة. فتحديث أنظمة التقاعد ورفع كفاءة إدارة الصناديق الاستثمارية قد يكون حلّا مستداما على المدى الطويل،
إلا أن هناك حاجة ملحة لقرارات مستعجلة لتحسين وضع الصندوق المغربي للتقاعد في المدى القريب، لتجنب تفاقم الأزمة والوصول إلى عجز كامل.
تضع الوضعية المالية الحرجة للصندوق المغربي للتقاعد ملف المتقاعدين على رأس الأولويات الوطنية، وتستلزم حوارا شاملا يجمع جميع الأطراف المعنية، من الحكومة والنقابات إلى الجهات الاقتصادية، لضمان مستقبل آمن للمتقاعدين بالمغرب وحماية حقوقهم المكتسبة.