العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا: دوافع وثيقة رغم التوترات السياسية
تُعتبر العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا أحد الأعمدة الثابتة في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين، رغم التوترات السياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة.
ويُنتظر أن تُعيد زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب طرح أسئلة حول استمرارية الارتباط الاقتصادي بين البلدين، ودوافع هذه العلاقة التي تتسم بتداخل المصالح وتكاملها.
زيارة ماكرون: دبلوماسية اقتصادية لدفع التعاون الثنائي
تحمل زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب أبعادا اقتصادية مهمة، حيث يُنتظر أن تتم مناقشة ملفات تتعلق بتوسيع الشراكة في مجالات جديدة كالتكنولوجيا الخضراء والطاقات المتجددة.
ومع اهتمام المغرب بالتحول إلى مركز إقليمي للطاقة الخضراء، تسعى فرنسا إلى تعزيز دور شركاتها في هذا القطاع الواعد، مما يبرز أفقاً جديدًا للتعاون بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة أيضا في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، حيث تسعى فرنسا لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، فبالإضافة إلى مجالات الطاقة المتجددة، الصناعة، هناك أيضا الاستثمارات في البنية التحتية.
هذه الزيارة تحمل طابعا استراتيجيا، إذ تتطلع فرنسا إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية وسط منافسة متزايدة من قِبل قوى اقتصادية أخرى تسعى للاستثمار في المغرب، بما فيها الصين والولايات المتحدة.
ويرى المغرب بدوره في الزيارة فرصة لتوطيد علاقاته الاقتصادية مع فرنسا، خاصة في مجال التحول الرقمي والابتكار التكنولوجي.
تبادل تجاري كبير يُعزز الارتباط
وفقا لإحصاءات رسمية، تحتل فرنسا المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري للمغرب، بعد إسبانيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 12 مليار يورو في 2022.
وتشكل الصادرات المغربية نحو فرنسا 15٪ من إجمالي صادراته، بينما تُصدر فرنسا حوالي 20٪ من منتجاتها إلى المغرب في قطاعات متنوعة تشمل التكنولوجيا، والطاقة، والصناعات الزراعية.
استثمارات فرنسية مستدامة في الاقتصاد المغربي
تُعد فرنسا من بين أكبر المستثمرين الأجانب في المغرب، حيث تتركز الاستثمارات في قطاعات رئيسية مثل السيارات والطيران والبنية التحتية.
وتشير البيانات إلى أن الاستثمارات الفرنسية في المغرب وصلت إلى نحو 5 مليارات يورو بحلول نهاية 2023، خاصةً في قطاع السيارات الذي يمثل حوالي 60٪ من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع. هذه الاستثمارات ساهمت في خلق نحو 80,000 فرصة عمل، مما يُبرز التأثير الإيجابي المباشر على الاقتصاد المغربي.
قطاع الخدمات والتعاون في التعليم
العلاقة الاقتصادية تتجاوز الجوانب التجارية لتشمل التعليم والخدمات. فالجامعات والمؤسسات التعليمية الفرنسية تستقبل عددا كبيرا من الطلاب المغاربة، حيث يُقدر العدد بنحو 40,000 طالب سنويا، وهو ما يعكس التعاون الأكاديمي والعلمي المكثف الذي يعزز روابط التعليم العالي بين البلدين. كما تُعد الشركات الفرنسية الفاعل الأبرز في قطاعات حيوية مثل الاتصالات والطاقة.
تحديات وفرص في ظل التقارب الأوروبي المغربي
يأتي التقارب المغربي الأوروبي، من خلال شراكات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، كمحفز جديد للعلاقات المغربية الفرنسية، مما يمنح الشركات الفرنسية فرصًا أكبر في السوق المغربية. ومع ذلك، تظل التوترات السياسية بين المغرب وفرنسا عقبة قد تؤثر على التعاون في بعض القطاعات، خاصة في ظل تقلبات السياسات الفرنسية تجاه قضايا مغربية حساسة.
رغم التحديات السياسية، لا تزال المصالح الاقتصادية بين المغرب وفرنسا متينة، تدفعها أرقام التبادل التجاري والاستثمارات المتزايدة، ما يعزز فرص الشراكة المستدامة.