ثلاثون عاما على درب الصحافة: مسيرة العزة والمبدأ.. مسيرة الكرامة والمهنية
فواصل– –
حسن اليوسفي المغاري
ثلاثون عاما مضت وأنا أتشبث بالحرف، أجعله سفينة لرحلة طويلة في بحور الحقيقة، رحلة لم تهدأ أمواجها ولم تغب شمسها، رغم تبدل المواقع وتنوع الأدوار. ثلاثون عاما قضيتها بين الحلم والعمل، بين التكوين والتجربة، مستغرقا في عوالم الصحافة، متسلحا بالمهنية وبمبادئ لطالما حملتها على عاتقي.
بدأتُ، كغيري من الحالمين، أبحث عن مكان بين الكبار، مدفوعا بشغف لا ينطفئ. اقتحمت ميادين العمل الصحفي، متنقلا بين زوايا الكتابة وميكروفون الإذاعة. لم تكن الرحلة سهلة، بل مليئة بلحظات من السعي الحثيث، لاكتشاف عمق الكلمة وسر التأثير. تنقلتُ بين مهام إعداد البرامج وتقديمها، مراقبا لتفاصيل العمل الدقيق، ساعيا لخلق مساحة للصدق وللفكر الحر.
كبرتُ مع مهنتي، وأخذتُ من التجربة دروسها، فوجدت نفسي في مواقع جديدة، أقدّم العون لوجوه شابة متطلعة نحو الإعلام، أزرع فيهم مبدأ الحرية، وأوصيهم أن يكونوا أوفياء للكلمة، أن يعوا أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة تتطلب الالتزام والشرف، وألا ينحنوا أمام إغراءات مال أو جاه أو نفوذ.
في لحظة نضج مهني، انتقلت إلى مرحلة إدارة النشر، حيث أصبح الحرف الذي خططته من قبل مشروعا متكاملا، رؤية في سبيل إعلام هادف. وضعتُ فيها خلاصة مسيرتي، مؤملا أن أترك من ورائي بصمة تُضاف إلى تاريخي المهني، وصوتا يصدح بالحق، ولو بعد حين.. التجربة التي لم تكتمل بفعل احتكار سوق الإعلان والتضييق على الإعلام الحر النزيه.
اليوم، أقف هنا وقد مضى العمر، وها هي الذكريات تعود، ذكريات زاهية بالعمل والمواقف، تعود ليحضرني شعور العزة والفخر؛ لأنني اخترت الكرامة رغم كل المُغريات، وتمسكتُ باستقلالي رغم كل التحديات. لم أنحنِ لبريق السلطة، ولم أبع ضميري مقابل مال. كنت ولا زلت أؤمن بأن الكرامة أثمن من كل مكسب، وأن كلمة الحق هي رأس مالي الحقيقي.
ورغم أني اليوم أواجه تقاعدا هزيلا، إلا أن السلام الروحي يظل عزائي، مطمئنًا إلى أنني لم أساوم، ولم أضعف، ولم أخضع.
ثلاثون عاما، كانت رحيقا أقطف ثماره بفخر، بالكرامة التي أتشبث بها، وفي القلب رضًا بأن الرحلة كانت جديرة بكل خطوة خطوتها.
إن الثروة الحقيقية والانتصار الأكبر، هو أن تظل وفيا لنفسك مهما كانت التضحيات.
والحمد لله رب العالمين.