فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
تحالف دولي وتواطؤ عربي في إبادة شعب واغتصاب أرض
اللاإنسانية في أبهى تجلياتها
لطالما عاشت الشعوب تحت وطأة التحيّز الظاهر من المنتظم الدولي حين يتعلق الأمر بفلسطين وقضيتها العادلة، حيث يقف المجتمع الدولي، بمؤسساته وقواه الكبرى، موقف المتفرج، بل وأحيانا موقف المتواطئ.
وتتجلى اليوم “اللاإنسانية” في أبهى صورها، مع استمرار العدوان على قطاع غزة وتدمير البنى التحتية، وارتكاب المجازر اليومية، فضلا عن التحرك الأخير لقوات الاحتلال على حدود جنوب لبنان، كل ذلك يحدث أمام أعين العالم دون أي ردع أو إدانة جدية.
تعتبر السياسات الدولية تجاه فلسطين نموذجا صارخا في ازدواجية المعايير. فبينما تدّعي المؤسسات الدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، نرى أن تلك المبادئ تتبخر عندما تُجرّد من تطبيقها في حالة الشعب الفلسطيني. القصف المستمر، التجويع الممنهج، وقتل المدنيين الأبرياء في غزة، يمثل إبادات جماعية تُمارس بشكل متواصل، ولكن المنتظم الدولي لا يزال يتخذ موقفا حياديا، بل يدعم الاحتلال عبر صمت متواطئ يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة عدوانها.
تُعد الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأساسي لسياسات إسرائيل، حيث لا يقتصر هذا الدعم على الجانب السياسي، بل يمتد ليشمل الدعم اللوجستي والعسكري من أسلحة متطورة وعتاد عسكري حديث. ويتم تمويل إسرائيل بشكل مباشر بمليارات الدولارات سنويا تحت مسميات دعم دفاعي. كل هذا يعكس تحالفا استراتيجيا يُمعن في إبادة الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه، وهو دعم يقف حائلا أمام أي مساع دولية لمحاكمة الاحتلال أو إدانته.
على الصعيد العربي، تتخذ العديد من الدول مواقف متخاذلة إزاء القضية الفلسطينية، وبدلاً من الوقوف صفًا واحدًا، أصبحت بعض الدول تُطبع العلاقات مع “إسرائيل”، متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية. هذا التخاذل يضعف من أي تأثير دبلوماسي عربي محتمل، حيث أصبح التعاون مع الاحتلال سمةً تروج لها بعض الأنظمة بذريعة “التطبيع من أجل السلام”، في حين لا ينطوي هذا السلام على أي ضمانات لحقوق الفلسطينيين، بل يعزز من انتهاك الاحتلال لحقوقهم.
قطاع غزة، الذي يُعد من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، يتعرض لعدوان متكرر وقصف وحشي يؤدي إلى استشهاد المدنيين، ودمار شامل للبنية التحتية، وتجويع ممنهج من خلال الحصار المستمر. كذلك، تتعرض قرى جنوب لبنان، وخاصة الحدودية منها، لاعتداءات إسرائيلية متكررة، ضمن محاولات الاحتلال الضغط على المقاومة وخلق واقع جديد في المنطقة. هذه الاعتداءات اليومية تعكس مدى استهتار “إسرائيل” بالقوانين الدولية، وغياب أي رادع دولي فعال.
إن الصمت الدولي وعدم التحرك الفعلي لمحاسبة الاحتلال، يرسل رسالة مفادها أن العدالة قد أُهدرت، وأن حقوق الإنسان قد أصبحت مجرد شعارات يتم الترويج لها لخدمة مصالح القوى الكبرى. هذا الصمت إزاء جرائم الإبادة والتطهير العرقي يعبر عن انهيار منظومة القيم الإنسانية، وعن مدى تواطؤ القوى الكبرى في صب الزيت على النار في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الأزمة وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني.
أمام هذا الواقع المرير، بات من الضروري على الشعوب والحكومات العربية، وعلى أحرار العالم، التحرك بشكل عاجل لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل. لا بد من إعادة ترتيب البيت العربي وإحياء روح المقاومة من أجل دعم القضية الفلسطينية كأولوية لا تقبل المساومة. فالسكوت عن هذا الظلم سيزيد من تمادي الاحتلال، وسيفتح الباب لمزيد من الجرائم والانتهاكات.
إن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية وطنية أو قومية، بل هي قضية إنسانية بامتياز. فالمقاومة ليست خيارًا، بل هي ضرورة في وجه هذا التحالف الظالم، ليبقى الأمل حاضرًا في قلوب الفلسطينيين وكل من يؤمن بحقوق الإنسان وعدالة قضيته.