أغناج: حق الولوج إلى العدالة بين احتكار الدولة والمساواة للمتقاضين
بقلم ذ محمد اغناج
التقاضي ليس عملية تقنية محضة، تتحدد من خلال مساطر وقواعد. فالتقاضي يتأسس على مبادئ تشكل في جزء منها أساس الدولة الحديثة الذي هو احتكار الإكراه المشروع والقضاء على ما كان يسمى العدالة الخاصة واقتضاء الحق باستعمال القوة من طرف الأفراد.
واحتكار الدولة لمرفق القضاء يقتضي ان توفر إمكانيات لجعل الحق للولوج للعدالة حقا فعليا وليس حقا افتراضيا لا يصدقه الواقع.
لذلك ليس من المقبول أبدا ان تضيق الدولة من الولوج للعدالة بمبرر عدم كفاية الإمكانيات المادية والبشرية.
كما انه من غير المقبول ان تؤسّس لنظام عدالة يتمحور حول تسهيل عمل العاملين بقطاع العدل، بدل تسهيل ولوج المرافقين المتقاضين له.فالعدالة في محصل القول مرفق عام جعل لمصلحة المرافق وليس لمصلحة الموظف (قاضيا كان او موظفا للسلطة التنفيذية).
كما ان الولوج للعدالة لا يكفي في الولوج للقضاء. بل لا بد ان يحقق القضاء العدالة. وذلك يتم عبر سن قواعد ومساطر تحقق المساواة بين الأطراف في الولوج للقضاء، وسن قواعد تضمن حق الاستماع لطلبات ودفوع كل طرف والنظر المنصف فيها، كما تضمن تحويل مقررات القضاء لتنفيذ فعلي يحقق ذلك الانتصاف.
والولوج للعدالة يتطلب ايضاً الحق في الاستفادة من المساعدة القانونية عن طريق مهنيين مؤهلين توفر لهم وسائل العمل القانوني لتقديم خدمة مساعدة المرتفقين المتقاضين. وهذا ما يسمى الولوج المستنير accès éclairé للعدالة.
هذه بشكل عام مناط المنازعة القائمة حاليا ما بين المحامين (لكونهم من جهة مرافقين ويمثلون قانونا المرتفقين في مرفق العدل) وبين السلطة التنفيذية المستقوية بالتشريع عبر أغلبيتها.
والمحامون هنا يمثلون نظرة موضوعية للقواعد المسطرية، لكونهم بحكم مهنتهم، يمثلون جميع أطراف الخصومة (مدعين ومدعى عليهم) ويسعون لتحقيق نظام تقاض عادل منصف وفعالا لجميع هذه الأطراف.