واقع الإعلام البيئي في العالم العربي على ضوء انعقاد “كوب29” في أذربيجان
حسن اليوسفي المغاري
تستعد أذربيجان لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 29” خلال منتصف الشهر، في حدث يتوقع أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الاهتمام بالإعلام البيئي. ويمثل هذا المؤتمر فرصة حيوية لإعادة تعريف دور الإعلام في توجيه وعي الجمهور بالقضايا البيئية، وتسليط الضوء على أهمية الإعلام البيئي في معالجة التحديات المناخية التي تواجه العالم.
ففي العقود الأخيرة، أصبح التغير المناخي من أبرز القضايا العالمية التي تشغل الأوساط العلمية والسياسية والإعلامية، لما له من تأثيرات خطيرة على البيئة والبشرية. وقد ازدادت أهمية الإعلام البيئي كوسيلة لنشر الوعي حول هذه القضايا وتعزيز فهم الجمهور العام لتحديات التغير المناخي وأثره على البيئة والمجتمعات.
في العالم العربي، حيث تتفاوت طبيعة الإعلام وتنوعه من بلد لآخر، يبرز التساؤل حول دور هذا الإعلام في معالجة التغير المناخي، ومدى قدرته على تغطية القضايا البيئية بعمق وفعالية.
خصائص الإعلام البيئي في العالم العربي
يتسم الإعلام البيئي في العالم العربي بسمات تميزه عن الإعلام البيئي في الدول الغربية. فعلى الرغم من اهتمام بعض المؤسسات الإعلامية العربية بقضايا التغير المناخي، إلا أن طبيعة التغطية غالبا ما تكون سطحية وغير كافية، إذ يُعتبر الإعلام أداة أساسية لنقل المعرفة ورفع الوعي حول قضايا البيئة، حيث يمتلك قوة فريدة في التأثير على الجمهور وصناع القرار.
في هذا السياق، من المفروض أن يعزز مؤتمر كوب 29 الفرص لتسليط الضوء على أهمية الصحافة البيئية ودورها في تسليط الضوء على تأثيرات التغير المناخي وسبل مكافحته. إذ من المتوقع أن يركز المؤتمر على إبراز قضايا مثل انبعاثات الكربون، والتدهور البيئي، والطاقات المتجددة، وهي قضايا تتطلب تغطية إعلامية معمقة لإيصالها للجمهور.
يمكن أن يلعب مؤتمر كوب 29 دورا في دفع وسائل الإعلام نحو تكريس جزء أكبر من تغطيتها لمواضيع بيئية. وذلك من خلال تقديم توصيات لتخصيص برامج تلفزيونية وإذاعية ومقالات في الصحافة المطبوعة والإلكترونية، تركز على القضايا البيئية، سواء كانت محلية أو دولية. علاوة على ذلك، يمكن أن يشجع المؤتمر على تكوين شبكة من الصحافيين البيئيين الذين يتبادلون المعارف والموارد لتعزيز التغطية الإعلامية لقضايا البيئة.
دور الإعلام البيئي في مواجهة التغير المناخي
يعد الإعلام البيئي أداة رئيسية لتعزيز الوعي المجتمعي بشأن التغير المناخي وتشجيع المواطنين على اتخاذ سلوكيات صديقة للبيئة. وفي السياق العربي، يُعد الإعلام البيئي ضرورة لمواجهة تحديات التغير المناخي، خصوصا في ظل ما تشهده المنطقة من ارتفاع درجات الحرارة، وشح الموارد المائية، وزيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة. ويمكن تحديد دور الإعلام البيئي في العالم العربي كما يلي:
التوعية بتأثيرات التغير المناخي: يجب أن يكون للإعلام دور كبير في توضيح تأثيرات التغير المناخي على الموارد الطبيعية، كالمياه والزراعة، والتي تُعد حيويةً للاقتصاديات العربية، وخاصة في البلدان المعتمدة على الزراعة.
تعزيز التعليم البيئي: يتطلب تعزيز الوعي البيئي في العالم العربي أن تكون هناك برامج توعوية وتثقيفية تستهدف الأطفال والشباب عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهو أمر لا يزال محدوداً في الواقع العربي.
نقل التجارب الناجحة: يمكن للإعلام أن يلعب دورا في عرض تجارب الدول الأخرى في التعامل مع التغير المناخي، وتشجيع الحكومات العربية على تبني استراتيجيات بيئية ملائمة تستفيد من هذه التجارب.
تحديات الإعلام البيئي في المنطقة العربية
يواجه الإعلام البيئي العربي عدة تحديات تحول دون تحقيقه لفاعلية كبيرة في توعية المجتمع ومواجهة التغير المناخي، لأجل ذلك، فمن مسؤولية “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” المنعقد بداية من الأسبوع والذي تحتضنه أذربيجان، في العاصمة باكو (كوب 29)، من مسؤوليته الإعلامية العمل على صياغة توصيات خاصة بالإعلام البيئي، في أفق إيجاد حلول، بل والمساهمة في تجاوز التحديات التي تقف أمام تطوير الإعلام البيئي :
المساهمة في توفير الكوادر الإعلامية المتخصصة: يتسم الإعلام البيئي في المنطقة بقلة الصحفيين المتخصصين في القضايا البيئية، مما يؤثر على جودة التغطية الإعلامية لهذه القضايا.
الاستثمار في الإعلام البيئي: نادرا ما تخصص الدول العربية ميزانيات أو دعم مالي لتطوير الإعلام البيئي، مما يؤدي إلى افتقاره للموارد اللازمة لإنتاج مواد إعلامية قوية ومؤثرة.
عدم التعاون بين الإعلام ومراكز البحث: تفتقر وسائل الإعلام في العالم العربي إلى التعاون الكافي مع المؤسسات البحثية والجامعات، مما يؤثر على دقة المعلومات العلمية المتعلقة بالتغير المناخي ويفقدها المصداقية.
آفاق تطوير الإعلام البيئي العربي بعد “كوب 29”
لتعزيز دور الإعلام البيئي العربي في مواجهة التغير المناخي، من الضروري العمل على عدد من الاستراتيجيات، أهمها:
التدريب والتأهيل: ينبغي توفير برامج تدريبية للصحفيين تركز على فهم القضايا البيئية وإدراك عمقها العلمي، الأمر الذي يسهم في تحسين جودة التغطية الإعلامية.
التعاون مع المؤسسات البيئية: يمكن تعزيز الإعلام البيئي من خلال التعاون مع المنظمات البيئية الوطنية والدولية، مما يتيح للإعلام العربي الحصول على معلومات دقيقة وإحصائيات رسمية تسهم في تقديم تغطية موضوعية وموثوقة.
التنوع في الوسائل الإعلامية: يجب على المؤسسات الإعلامية العربية تبني وسائل متعددة لعرض القضايا البيئية، مثل الوثائقيات، والبودكاست، ومحتوى السوشيال ميديا، بهدف جذب فئات أوسع من الجمهور.
الأكيد أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 29)، يمثل فرصة حقيقية لدفع عجلة الإعلام البيئي نحو مزيد من التقدم والتأثير. وذلك من خلال التعاون والتكنولوجيا والمحتوى المبتكر، يمكن للإعلام أن يصبح شريكا أساسيا في تحقيق الأهداف البيئية، ونقل الرسائل البيئية بطريقة تصل إلى كل أفراد المجتمع، وتلهمهم للالتزام بأسلوب حياة أكثر استدامة.
ففي ظل تصاعد أزمة التغير المناخي وتزايد الحاجة إلى مواجهة تأثيراتها السلبية، تبرز أهمية تطوير الإعلام البيئي في العالم العربي.
إن تعزيز هذا الدور يتطلب التزاما من الحكومات ووسائل الإعلام بتخصيص موارد أكبر لهذا المجال وتطوير قدرات الصحفيين المتخصصين. بفضل هذا التطوير، يمكن للإعلام البيئي أن يسهم بفاعلية في توعية المجتمعات العربية وتوجيهها نحو سياسات وسلوكيات مستدامة تخفف من آثار التغير المناخي، ما يحقق التوازن بين التنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية.