غزة تحت الحصار.. 400 يوم من حرب الإبادة في ظل صمت دولي مُخجل
حسن اليوسفي المغاري
غزة تحت الحصار: 400 يوم من حرب الإبادة في ظل صمت دولي مخجل
مع مرور أكثر من 400 يوم على حرب الإبادة ضد قطاع غزة، يقف العالم أمام مشهد إنساني مأساوي يكشف عن حجم العجز الدولي. تظهر غزة اليوم كنموذج للمعاناة الإنسانية المتجددة، حيث تزداد معدلات القتل، التشريد، وهدم المنازل أمام أعين العالم الذي يبدو عاجزا أو متواطئا.
إن قراءة هذا الواقع بعمق تحليلي تسلط الضوء على مجموعة من العوامل التي ساهمت في تأزيم الوضع الإنساني والسياسي في قطاع غزة.
الحصار وتطورات الصراع: قراءة تاريخية وراهنة
تواجه غزة حصارا شديدا منذ عام 2007، يمنع عنها أبسط مقومات الحياة، من غذاء ودواء وحرية التنقل. هذا الحصار جاء كوسيلة للضغط السياسي على الفصائل الفلسطينية، لكنه أدى إلى تحويل القطاع إلى ما يشبه السجن الكبير، حيث يقبع أكثر من مليوني شخص في ظروف معيشية قاسية.
ورغم كل محاولات تهدئة الصراع، إلا أن الأنظمة الرسمية الدولية، لم تُسهم في إيجاد حلول جذرية، بل زادت الوضع تعقيدا وأعطت ذريعة للعمليات العسكرية الإسرائيلية بحجة “أمن المستوطنات”، أما العربية الإسلامية، فهي تقف عاجزة مستسلمة في مواقفها، ومتخاذلة متواطئة في معظم المواقف.
خسائر بشرية ومادية ضخمة: تداعيات استراتيجية لتدمير المجتمع الفلسطيني
الخسائر البشرية المتواصلة في غزة لا تقتصر فقط على الأرواح التي تُزهق، بل تمس عمق التركيبة السكانية الفلسطينية، حيث يفقد المجتمع جزءا كبيرا من طاقته الشابة، ويُعاني الأطفال من أزمات نفسية وجسدية قد تلازمهم مدى الحياة، مما يعيق قدرتهم على بناء مستقبل مشرق.
ويهدف التدمير المنهجي للبنية التحتية إلى تفريغ المجتمع الفلسطيني من مصادر قوته وتماسكه، مما يسهم في إضعافه على المدى الطويل. إن هذه الاستراتيجية تُترجم إلى عرقلة قدرة غزة على التطور والاستقلال الاقتصادي، وربط مصيرها بالمساعدات الإنسانية الخارجية.
الوضع الإنساني المتردي: حصار الاقتصاد والسيطرة على الحياة اليومية
الوضع الإنساني في غزة أصبح جزءا من لعبة السيطرة التي يمارسها الاحتلال، حيث يتم التحكم في أدق تفاصيل حياة السكان. يعاني القطاع الصحي من نقص شديد في المعدات، ويكافح الأطباء في ظل غياب الكهرباء والمياه الصالحة. هذه الظروف تُحكم قبضتها على السكان، ما يجعلهم عرضة للأمراض وسوء التغذية بشكل متزايد، ويدفعهم إلى العيش تحت الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة. كما أن الاعتماد المتزايد على المساعدات الإنسانية يُكرّس واقع التبعية والاعتماد على الخارج، وهو ما يعيق أي جهود لتحقيق اكتفاء ذاتي.
استهداف المدنيين والأطفال: الأهداف الاستراتيجية والنفسية
تشكل عمليات استهداف المدنيين والأطفال جزءا من إستراتيجية تهدف إلى خلق حالة من الخوف والذعر الدائم بين سكان غزة، لشل قدرتهم على المقاومة. الأطفال، الذين يشكلون نحو 40% من سكان غزة، هم الأكثر تأثرا بهذه الحرب، إذ يعيشون تحت وطأة الفقدان والخوف، مما يعرضهم لأزمات نفسية حادة قد تؤثر على نموهم وصحتهم النفسية والجسدية. هذه الأزمات النفسية المستمرة تشكل خطرا على البنية المجتمعية، حيث تعيق بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات.
صمت المجتمع الدولي: ازدواجية المعايير وتأثير المصالح الدولية
الموقف الدولي المتخاذل يكشف عن ازدواجية صارخة في المعايير، حيث تتغاضى القوى الدولية عن الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، بينما تتخذ مواقف حازمة تجاه أزمات أخرى.
يعود هذا الصمت إلى توازنات مصالح سياسية واقتصادية، إذ ترتبط العديد من الدول بمصالح استراتيجية مع إسرائيل وتدعمها بشكل غير مباشر. إن غياب أي ضغط دولي حقيقي يساهم في تشجيع الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في استخدام القوة المفرطة، ويمنع تحقيق أي تطور نحو حل دائم للصراع.
التهجير القسري والمخططات الاستيطانية: أهداف تغيير التركيبة السكانية
يسعى الاحتلال من خلال سياسات التهجير القسري والتدمير المتعمد إلى إعادة تشكيل التركيبة السكانية في المناطق الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني. هذه السياسات ليست عشوائية، بل هي جزء من رؤية أوسع تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية، وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم التاريخية والجغرافية.
وتساهم هذه السياسات في تكريس سياسة الفصل العنصري، حيث يتم عزل المجتمعات الفلسطينية في جيوب جغرافية مغلقة، مع حرمانهم من الموارد الطبيعية ووسائل العيش الأساسية.
ضرورة تحرك الضمير العالمي: إعادة بناء الثقة في العدالة الدولية
إن استمرار الانتهاكات يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في دور المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان. يجب أن يكون هناك تحرك جاد من قبل الدول والمنظمات الإنسانية، ليس فقط لإيقاف الانتهاكات، بل لضمان محاسبة المسؤولين عنها.
إن التهاون في تطبيق العدالة يُشكل تهديدا لسلامة النظام الدولي، ويعزز مناخ الإفلات من العقاب. إن تقديم المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين في غزة للمحاكمة أمام محاكم دولية يعد خطوة ضرورية لإعادة الثقة في منظومة العدالة الدولية، وتوجيه رسالة واضحة بأن الجرائم ضد الإنسانية لن تمر دون عقاب.
إن ما تتعرض له غزة اليوم لا يمكن اعتباره مجرد حرب، بل هو مثال صارخ على محاولة تصفية شعب وإضعاف مقاومته وثقافته وهويته.
الوضع الراهن في غزة ليس نتيجة نزاع عابر، بل هو انعكاس لاستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى محو الشعب الفلسطيني من خريطة الوجود، وتحتاج غزة إلى تضامن عالمي يتجاوز التصريحات، إلى تحرك سياسي وحقوقي يعيد للإنسانية وجهها الحقيقي، ويضمن لأبناء غزة العيش بكرامة وأمان.