الحروب والمناخ: كيف تُحطّم النزاعات العسكرية التوازن البيئي وتزيد من أزمة المناخ
هل هناك أي ضرر تسببه الحروب للمناخ؟
بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ (كوب 29) في أذربيجان، تزداد أهمية التطرق إلى مواضيع بيئية حرجة تتعلق بتأثير الحروب والنزاعات على المناخ، إذ يأتي هذا المؤتمر كمنصة دولية لتعزيز التزامات الدول بخفض انبعاثات الكربون والعمل على الحد من آثار التغير المناخي.
وتعدّ قضية الحروب وتبعاتها البيئية أحد الملفات التي، من المفروض، أنها تستحق النقاش خلال هذا الحدث العالمي، لما لها من آثار مباشرة على التوازن البيئي وقدرة المجتمعات المتضررة على مواجهة تحديات المناخ.
وبالاستناد إلى دراسات الأمم المتحدة والمنظمات البيئية الأخرى، نرى أن الحد من الحروب وخلق بيئة دولية مستقرة يسهم بشكل مباشر في تقليل الانبعاثات وتعزيز الجهود المناخية.
ففي ظل التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، بات من الضروري تسليط الضوء على أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ، ألا وهي الحروب والنزاعات العسكرية. ورغم أن الحروب تؤثر مباشرة على حياة الأفراد والمجتمعات، إلا أن تأثيراتها البيئية تتعدى الفترات الزمنية للنزاع وتترك آثارا طويلة الأمد على الكوكب.
ومن خلال هذه المقالة، سوف نستعرض البيانات العلمية والإحصائية التي تكشف عن حجم الضرر المناخي الذي تسببه الحروب، وذلك بناء على تقارير منظمات دولية ودراسات علمية رصينة.
أثر الحروب على انبعاثات الكربون
تساهم الحروب بشكل كبير في زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂) وغيره من الغازات الدفيئة. وفقا لتقرير صادر عن “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” (UNEP)، فإن العمليات العسكرية الكثيفة تستخدم كميات هائلة من الوقود الأحفوري. وقد أوضح تقرير للأمم المتحدة أن النقل العسكري الأمريكي خلال حرب العراق عام 2003 أنتج أكثر من 141 مليون طن من الكربون، ما يعادل انبعاثات بعض الدول في عام كامل.
المصدر: UNEP – تقرير الأمم المتحدة عن تأثير النزاعات على البيئة
تدمير النظم البيئية والتنوع البيولوجي
الحروب تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية والغابات، مما يقلل من المساحات الخضراء التي تساهم في امتصاص الكربون وتنقية الهواء. على سبيل المثال، فقدت سوريا حوالي 22% من غاباتها منذ بدء النزاع في 2011، وذلك وفقا لتقرير نشرته مجلة Science Advances ، وهذا التدهور في الغطاء النباتي أدى إلى فقدان مساحات مهمة لامتصاص الكربون وتعزيز التوازن البيئي.
المصدر: Science Advances – تأثير النزاعات على الغابات
تلوث المياه والتربة
تتسبب الأسلحة الثقيلة والمتفجرات المستخدمة في النزاعات في تلوث التربة والمياه بالمواد السامة والمعادن الثقيلة، مما يؤثر سلبا على التنوع البيولوجي وعلى صحة السكان. دراسة نشرتها منظمة الصليب الأحمر أظهرت أن ما يصل إلى 40% من الأراضي الزراعية في مناطق النزاع تصبح غير صالحة للاستخدام بسبب تلوثها بالمتفجرات والمخلفات الكيميائية، وهذا يؤدي إلى تقليل الإنتاجية الزراعية ويزيد من خطر التصحر.
المصدر: الصليب الأحمر – آثار النزاعات على الموارد الطبيعية
الأثر على الموارد الطبيعية واستنزاف المياه
وفقا لدراسة صدرت عن المجلس العالمي للمياه، فإن النزاعات التي تتسم باستخدام موارد المياه كوسيلة للضغط تضر بشدة بموارد المياه العذبة. ومن الأمثلة على ذلك النزاعات في العراق وسوريا، حيث تم تدمير العديد من السدود، مما أدى إلى تلوث المياه ونقصها.
وقد أشارت التقارير إلى أن 50% من السكان في هذه المناطق يعتمدون على مصادر مياه ملوثة، مما ينعكس سلبا على الصحة العامة والبيئة.
المصدر: المجلس العالمي للمياه – تأثير النزاعات على موارد المياه
إن تأثير الحروب على المناخ يتجاوز الآثار البيئية التقليدية، حيث تترك النزاعات بصمات عميقة على البيئة وعلى صحة الإنسان وتفاقم من أزمة المناخ التي تهدد الكوكب. وبتقليل النزاعات والسعي إلى حلول سلمية يمكن أن يسهم في حماية البيئة وتعزيز استدامة الموارد الطبيعية.
من دون شك أن (كوب 29 ) يستعرض سبل تحقيق مستقبل مستدام وعادل، وهو هدف يتأثر بشدة بتأثيرات النزاعات المسلحة.
فالحروب لا تقتصر على تدمير البنى التحتية والموارد الطبيعية فحسب، بل تؤدي إلى تفاقم انبعاثات الكربون وزيادة التصحر وتلوث المياه والتربة، وهي مشكلات بيئية تزداد حدة مع تصاعد التغير المناخي. وبالتالي، يُعدّ مؤتمر الأطراف هذا العام، فرصة مواتية للتأكيد على أهمية تضمين آثار الحروب ضمن استراتيجيات المناخ العالمية، وللحث في توصياته، على اتخاذ إجراءات تسهم في الحد من الآثار البيئية للنزاعات.