واصل المؤتمر الدولي للتحول الرقمي في الإعلام، المنعقد في الدار البيضاء بين 16 و18 نونبر 2024، أشغاله في اليوم الثاني، بعقد الورشات المتخصصة في مجال التطورات الرقمية وتأثيرها على المشهد الإعلامي، وذلك بمشاركة مجموعة من الخبراء والإعلاميين، لمناقشة أحدث المواضيع ذات الصلة بالتحول الرقمي في الإعلام.
ركزت أوراش اليوم على “صناعة المحتوى لمنصات الإعلام الرقمي”، من تقديم مهدي عمري، وموضوع “المنصات الاجتماعية ما لها وما عليها”، من تأطير طلحة جبريل، وموضوع “استراتيجيات الإعلام في العصر الرقمي: إعادة تنظيم المؤسسات الإعلامية لتلبية تطلعات الجمهور الرقمية، قدمها عبر تقنية التناظر المرئي من السعودية، الدكتور مبارك واصل الحازمي. كما تطرق صانع المحتوى أسامة اطويل، لموضوع “صناعة البودكاست في المغرب وعلاقته بالتحول الرقمي”. في حين قدم محمد الوافي من القناة الثانية، موضوع “التلفزيون والتحولات التكنولوجية والرقمية: الإكراهات المادية ودور العنصر البشري”.
مواقع التواصل الاجتماعي وتحدي صناعة ونجاح المحتوى
الأكيد أن صناعة المحتوى لمنصات الإعلام الرقمي، تشهد تطورا متسارعا مع تزايد اعتماد الأفراد على الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار والمعلومات. هذا التطور يطرح تحديات كبيرة أمام صناع المحتوى، لا سيما في ظل تنوع الجمهور واختلاف اهتماماته، ما يجعل الإبداع والتجديد شرطين أساسيين للنجاح.
يتمحور المحتوى الرقمي اليوم حول سرعة النشر، التفاعل الفوري، وتوظيف الوسائط المتعددة. وتعتمد المؤسسات الإعلامية على منصات مثل فيسبوك، تويتر، يوتيوب، وإنستغرام للوصول إلى الجمهور المستهدف. ورغم هذه الفرص، تعاني الصناعة من تحديات مثل انتشار الأخبار الزائفة، نقص الكفاءات المدربة، وصعوبة تحقيق عائد اقتصادي مستدام. هذا إلى جانب تحديات عملية أخرى تواجه صناع المحتوى الرقمي من قبيل، التنافسية العالية، التغيير المستمر في خوارزميات المنصات، ضغوط التفاعل اللحظي والتحدي التقني.
وتظل صناعة المحتوى الرقمي واحدة من أكثر المجالات حيوية وتعقيدا في آن واحد. وتحقيق النجاح يتطلب فهم الجمهور، استغلال التكنولوجيا، والتكيف مع التغيرات المستمرة في طبيعة المنصات الرقمية. وبالرغم من التحديات، فإن الابتكار والإبداع يبقيان المفتاح الرئيسي لتحقيق التميز في هذا المجال.
ففي عصرنا الحالي، تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي المنبر الرئيسي لنشر المحتوى الرقمي والتفاعل مع الجمهور. وتتمثل إحدى أكبر التحديات في كيف يمكن لصناع المحتوى التفوق وسط كثافة المنشورات والتفاعل على هذه المنصات. سيما وأن النجاح في منصات مثل إنستغرام وتويتر وتيك توك، يتطلب معرفة دقيقة بكيفية جذب الجمهور وامتلاك القدرة على صياغة محتوى يثير اهتمامهم.
لذلك فإن الجمهور الرقمي يميل إلى الاهتمام بالمحتوى البصري أكثر من النصوص التقليدية. ما يجعل المحتوى جذابا بصريا، سواء كان في صورة أو فيديو، ليتمكن من جذب الانتباه وتفاعلات الجمهور. هذا طبعا، إلى جانب القيمة المضافة، بحيث لا يكفي أن يكون المحتوى مسليا فقط، بل يجب أن يقدم قيمة حقيقية للمشاهدين. سواء كان من خلال نصائح تعليمية، توعية اجتماعية، أو تقديم حلول عملية لمشاكل معينة، يجب أن يشعر الجمهور بأن المحتوى يضيف لهم شيئا مفيدا.
لتأتي في مرحلة أخرى مسألة التفاعل مع الجمهور، وذلك أساسا بالاستجابة لتعليقات الجمهور وتفاعلهم، إذ يساهم ذلك في بناء علاقة قوية معهم ويزيد من مستوى الثقة في المحتوى المنشور. والمنصات التي تتيح التواصل المباشر، مثل فيسبوك وتويتر، تعد أفضل بيئة لخلق هذه التفاعلات.
تأثير الشبكات الاجتماعية على وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية
مع ظهور المنصات الاجتماعية وانتشارها، أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ما أثر بشكل جوهري على مختلف جوانب الحياة، ولا سيما الإعلام. تعد الشبكات الاجتماعية اليوم القوة المحركة للمعلومات، مما أحدث تغييرا جذريا في وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحافة المكتوبة، الإذاعة، والتلفزيون.
تتميز المنصات الاجتماعية بسهولة الوصول والتفاعل، تنوع المصادر، الابتكار في الإنتاج الإعلامي، التحول إلى صحافة المواطن، كما أنها في نفس الوقت “تتهم” بانتشار الأخبار الكاذبة، ذات تأثير سلبي على وسائل الإعلام التقليدية، تراجع جودة المحتوى الإعلامي، وتأثير الخوارزميات. عوامل كلها تجمع بين السلبي والإيجابي، تجعل من التأثير له وقع على المتتبع المهني.
يمكن القول إن المنصات الاجتماعية قدمت مزايا لا يمكن إنكارها، لكنها في الوقت نفسه فرضت تحديات كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية. فعلى الرغم من تمكين الجمهور وإتاحة الفرصة للتعبير الحر، تسببت في تقليل الاعتماد على الصحافة المهنية.
لذلك، يمكن القول إن وسائل الإعلام التقليدية، تحتاج إلى إعادة تعريف دورها في عصر الشبكات الاجتماعية من خلال التركيز على المصداقية والتحليل العميق، وهو ما لا توفره غالبا المنصات الاجتماعية التي تميل للسرعة والتفاعل السطحي. في الوقت ذاته، تقع مسؤولية كبيرة على مستخدمي الشبكات الاجتماعية للتحقق من مصادر الأخبار التي يستهلكونها.
إجمالا، تعتبر المنصات الاجتماعية بمثابة سلاح ذو حدين؛ إما أن تكون أداة لتحرير الإعلام أو لتشويه الحقيقة، ويبقى التحدي في كيفية تحقيق التوازن بين الاستفادة من مزاياها والحد من تأثيراتها السلبية.
الوافد الجديد.. البودكاست والتحول الرقمي
أصبح البودكاست من أبرز أدوات الإعلام الحديث، حيث يمثل تحولا نوعيا في استهلاك المحتوى الصوتي ضمن إطار التحول الرقمي، ويتيح هذا الشكل من الوسائط إمكانية الوصول إلى جمهور واسع بطريقة مرنة وشخصية، متجاوزا الحدود التقليدية للبث الإذاعي.
البودكاست جزء لا يتجزأ من التحول الرقمي الذي يعيد تعريف أساليب الإعلام التقليدي. فهو يقدم محتوى يلائم أسلوب حياة المستخدمين الرقميين ويواكب التطور التكنولوجي في إنتاج المحتوى الإعلامي.
ففي ظل التحول الرقمي، يبرز البودكاست كوسيلة إعلامية مبتكرة وفعالة. يوفر مزيجا من المرونة، التنوع، والتكلفة المنخفضة، ما يجعله خيارا مثاليا للإعلاميين والجمهور على حد سواء.
إن صناعة المحتوى الرقمي في عصر الإعلام الاجتماعي تتطلب مزيجا من الإبداع، التقنية، وفهم الجمهور. على الرغم من التحديات التي تواجه صناع المحتوى، يبقى النجاح مرتبطا بالقدرة على التكيف مع التحولات المستمرة في عالم الإعلام الرقمي. فمن خلال استراتيجيات مبتكرة وفهم عميق لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، يمكن لصناع المحتوى أن يبنوا علاقات قوية ومستدامة مع جمهورهم، مما يعزز من نجاحهم في هذا المجال التنافسي.
التلفزيون والتحولات التكنولوجية والرقمية
يشهد التلفزيون المغربي، كغيره من وسائل الإعلام، تحولات كبيرة بفعل التطور التكنولوجي والتحول الرقمي الذي أثر في طريقة إنتاج واستهلاك المحتوى الإعلامي. وتتمثل أبرز تأثيرات التحولات التكنولوجية والرقمية على قطاع التلفزيون، حسب ورقة محمد الوافي، من القناة الثانية، في أن المغرب شهد تحولا تدريجيا من البث التماثلي إلى البث الرقمي، مما أتاح تحسين جودة الصورة والصوت وزيادة عدد القنوات المتاحة.
لقد ساهم البث الرقمي أيضا في تعزيز الوصول إلى القنوات المغربية على نطاق أوسع، محليا ودوليا، خاصة من خلال الأقمار الصناعية ومنصات الإنترنت. ومع مع ازدياد الاعتماد على الإنترنت، أطلقت القنوات المغربية خدماتها عبر الإنترنت مثل البث المباشر وإعادة مشاهدة البرامج من خلال مواقعها الرسمية أو تطبيقات الهواتف المحمولة.
هذا التوجه سمح بالطبع للمشاهدين بمتابعة المحتوى في أي وقت ومن أي مكان. وأصبحت القنوات، حسب المتحدث، تستخدم منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع جمهورها وتلقي آرائهم في الوقت الفعلي، مما خلق تجربة أكثر تشاركية.