كريم خان: المدعي العام الذي يلاحق الكبار متحديا الضغوط والمؤامرات (بورتريه)
بورتريه – الرأي
برز اسم كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كأحد أبرز الشخصيات القانونية في المشهد الدولي. قراراته الشجاعة، لا سيما الأخيرة بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، جعلت منه رمزاً للعدالة الدولية، لكنه في الوقت ذاته واجه تحديات وضغوطاً استثنائية بلغت حد توجيه اتهامات بحقه في محاولة لتشويه سمعته وإضعاف سلطته.
ولد كريم خان في 30 مارس 1970، وهو من أصول بريطانية باكستانية. تدرج في مسيرته المهنية محاميا وخبيرا دوليا في القانون الجنائي وحقوق الإنسان، وشغل مناصب مرموقة في هيئات دولية مثل الأمم المتحدة والمحاكم الجنائية الدولية. في يونيو 2021، انتُخب مدعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية، ليصبح أول شخص من أصول آسيوية يتولى هذا المنصب.
إلى جانب قراراته القانونية الجريئة، واجه خان حملة منظمة تستهدف مصداقيته. فمنذ أن أعلن تحقيقات موسعة في النزاعات في الأراضي الفلسطينية، بدأت محاولات مناهضيه داخل بعض الدوائر السياسية والقانونية لإضعافه. تضمنت هذه المحاولات اتهامات تتعلق بمخالفات مزعومة خلال مسيرته المهنية السابقة، في محاولة لإثارة الشكوك حول نزاهته وإبعاده عن دوره المحوري في قيادة المحكمة.
حاول خصوم خان استغلال مزاعم تتعلق بمسائل إدارية ومالية وجنسية خلال عمله في مؤسسات دولية سابقة، زاعمين أنه خالف قواعد السلوك المهني. ورغم أن هذه الاتهامات لم تستند إلى أدلة قوية وتم تفنيدها لاحقا، فإنها كانت جزءا من حملة ضغط منسقة بهدف التشكيك في قرارات المحكمة، خاصة تلك المتعلقة بالتحقيقات ضد إسرائيل.
رأى مراقبون أن هذه الاتهامات لم تكن مجرد قضية مهنية، بل خطوة سياسية لتقييد صلاحيات خان، في ظل تقاطع قرارات المحكمة مع مصالح قوى دولية نافذة. لكن كريم خان واجه هذه الحملة بثبات، مؤكداً أن العدالة لا يمكن أن تُختزل في نزاعات سياسية أو شخصية، وأن استقلال المحكمة فوق كل اعتبار.
رغم الحملة التي استهدفته، مضى خان قدما في تحقيقاته، ليصدر مؤخرا مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. القرار أثار عاصفة من ردود الفعل الدولية، بين مؤيد يرى فيه انتصارا للعدالة ومنتقد يعتبره تصعيدا سياسيا.
أكد خان في تصريحاته أن العدالة يجب أن تكون شاملة وغير انتقائية، وأن حماية حقوق الضحايا هي جوهر عمل المحكمة. ورغم الضغوط التي تعرض لها، سواء عبر حملات التشويه أو محاولات الإطاحة به، حافظ على موقفه المستقل، رافضا أن يكون أداة في يد القوى السياسية.
تجربة كريم خان في مواجهة هذه الاتهامات أظهرت شخصية قانونية صلبة، قادرة على إدارة الأزمات والبقاء متمسكا بمبادئ العدالة. هذه التجربة لم تضعف خان، بل زادته إصرارا على تنفيذ مهمته.
قراراته تُعد اليوم اختبارا حقيقيا لمدى قدرة المحكمة الجنائية الدولية على مواجهة القوى السياسية الكبرى والالتزام بمبادئها، في وقت يشهد العالم تصاعدا في الانتهاكات ضد حقوق الإنسان.
يبقى كريم خان رمزا لإمكانية تحقيق العدالة الدولية في وجه الضغوط والمناورات السياسية. قصة مواجهته للاتهامات وحملات التشويه تؤكد أن الطريق نحو العدالة ليس سهلا، لكنه طريق يستحق أن يُسلك. وبقراراته الشجاعة، أثبت خان أن العدالة يمكن أن تُطارد أي شخص، مهما كان موقعه أو نفوذه، في عالم لا يزال يبحث عن التوازن بين السلطة والمسؤولية.