تكنولوجيا

ChatGpt: أداة ثمينة أم عائق أمام الإبداع والتفكير؟

تكنولوجيا

ChatGpt: أداة ثمينة أم عائق أمام الإبداع والتفكير؟

حسن اليوسفي المغاري

لقد أحدثت نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGpt ثورة في علاقتنا بالكتابة والتفكير. فهذه الأدوات، القادرة على إنتاج نصوص عالية الجودة في غضون ثوانٍ، تُعتبر مُغرية بفضل فعاليتها. ومع ذلك، أثارت أيضا مخاوف بشأن تأثيرها على دوافعنا للكتابة والتفكير بأنفسنا.

في هذا المقال، نحاول أن نستعرض مزايا هذه التقنيات وحدودها في عالم الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على مخاطر الاعتماد عليها وتأثيرها على القدرات الذهنية.

الفعالية على حساب الجهد؟

الأكيد أن “شات جي بي تي” يمثل نقلة نوعية في تقليل الجهد الذي يبذله الإنسان في الكتابة والتفكير، بفضل قدرته على إنتاج نصوص متقنة بسرعة وبدقة عالية. يعتمد هذا التطبيق على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعلم العميق والنماذج اللغوية المدربة مسبقا، مما يجعله قادرا على توليد أفكار جديدة، تلخيص محتوى معقد، وصياغة إجابات مقنعة لمجموعة واسعة من الموضوعات. إذ يُمكّن المهنيين والطلاب الاستفادة من هذا التطبيق لتوفير الوقت والجهد في المهام الروتينية مثل كتابة التقارير، الرسائل، أو المقالات، مما يسمح لهم بالتركيز على الجوانب الإبداعية والتخطيط الاستراتيجي لأعمالهم.

ورغم هذه المزايا، يثير الاعتماد على “شات جي بي تي” تساؤلات حول تأثيره على مهارات الإنسان في الكتابة والتفكير النقدي. بينما يساهم في تسريع العمليات الكتابية، قد يؤدي الاستخدام المفرط له إلى تقليل حاجة الأفراد لتحليل المعلومات وصياغتها بأنفسهم، مما يضعف قدراتهم الإبداعية بمرور الوقت. لذلك، تعد فعالية “شات جي بي تي” مرهونة بمدى التوازن في استخدامه؛ حيث يمكن أن يكون أداة مساعدة قوية لتحسين الكفاءة إذا ما استُخدم بشكل مدروس، دون أن يحل محل التفكير البشري الضروري لصقل الأفكار وضمان جودة المحتوى.

من المعلوم أن التفكير والكتابة يتطلبان وقتا وصبرا وتعديلات مستمرة. هذه العملية التي يصفها البعض في عصرنا بـ”الشاقة”، هي ضرورية لتحسين التفكير وتعزيز الإبداع. ومع تبسيط هذه المهمة بشكل مُفرط، هناك خطر من أن نعتاد على الحصول على إجابات فورية، مما يضعف قدرتنا على الصمود أمام التحديات الذهنية.

السلبية أمام المعلومات

مع “شات جي بي تي”، غالبا ما يكفي للمستخدم طرح سؤال بسيط للحصول على إجابة. هذه السهولة قد تؤدي إلى سلبية فكرية: فبدلا من البحث وتحليل ومقارنة المصادر، قد نكتفي بقبول المعلومات المقدمة دون نقد أو تحليل أو حتى إبداء رأي، الأمر الذي قد يؤدي إلى نوع من الاستيلاب الفكري وتربية العقل البشري على الخمول ما يجعله يقبل بالوجبة السريعة، “الفاست فود” الفكري!.. هذا الاعتماد الذي قد يؤدي إلى فقدان مهارات أساسية مثل:

البحث عن المعلومات الموثوقة والتفكير النقدي، بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخطئ أو يُنتج معلومات متحيزة، والاعتماد الكامل عليه قد يضر بالدقة الفكرية.. لذلك، لكي نتعلم التفكير، يجب أن ننخرط في عملية تحليلية ومواجهة الأفكار، وهي مهمة لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها نيابة عنا.

فالكتابة ليست مجرد تمرين في الصياغة؛ إنها فن ينبع من الخيال والعاطفة والتجربة الشخصية. بتوفير نصوص جاهزة ومنسقة، يمكن لـ”شات جي بي تي” أن يحدّ من التعبير عن تفرد كل فرد. والخطر هنا يكمن في تجانس الأفكار والأساليب. مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في الكتابة، قد نفقد “الصوت” الفريد الذي يميز كاتبا عن آخر. يتطلب الإبداع محاولات وتجارب غير ناجحة وحتى أخطاء، وهي عناصر تميل الأتمتة إلى محوها.

كيف نحافظ على دافعنا للكتابة والتفكير؟

مع التوسع الكبير في استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الكتابة والتفكير، ظهرت تحديات تتعلق بحفاظ الإنسان على الدافع الشخصي لتطوير مهاراته الإبداعية والذهنية. إلا أن الحفاظ على هذا الدافع يتطلب إدراكا لدور الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، وليس بديلا عن الإنسان. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز علاقة متوازنة بين الإبداع البشري والمساعدة التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة التي باتت مسيطرة..

أولاً، يمكن النظر إلى الكتابة والتفكير كفرص للتعبير الشخصي الذي لا يمكن للآلة محاكاته بشكل كامل. تجربة الكتابة اليدوية أو التفكير الحر دون الاعتماد الفوري على الآلات تُعيد للإنسان إحساسه بالإنجاز والتميز.

ثانياً، يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي لتسريع المهام الروتينية، مما يتيح للإنسان التركيز على الجوانب الإبداعية التي تضيف قيمة شخصية لا تقبل التقليد، مثل تطوير أسلوب خاص في الكتابة أو معالجة قضايا معقدة.

وأخيرا، يجب أن يتحلى الإنسان بفضول دائم يدفعه لاستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتعزيز مهاراته، وليس لتثبيطها، عبر طرح أسئلة أعمق والعمل على تنمية الفكر النقدي.

إن الحفاظ على الدافع، يتطلب أيضا بيئة تعليمية وتشجيعية تُظهر أهمية الكتابة والتفكير كأدوات لبناء الشخصية والمجتمع. فالذكاء الاصطناعي لن يكون بديلا للفضول والإبداع البشري، بل وسيلة تتيح توسيع نطاقهما إذا أُحسن استخدامه.

التوازن مطلوب

الذكاء الاصطناعي تقنية مذهلة تفتح آفاقا واسعة، لكنها قد تؤدي إلى شكل من أشكال التبعية الذهنية إذا أسيء استخدامها. للحفاظ على إبداعنا وقدرتنا على التفكير بأنفسنا، يكون من الضروري استخدام هذه الأدوات بوعي. يجب ألا يحل الذكاء الاصطناعي محل الجهد البشري، بل يجب أن يكون مرافقا له..

مقاومة الكتابة والتفكير لإغراء الذكاء الاصطناعي 

مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، خاصة في أدوات الكتابة والتفكير، يجد الإنسان نفسه أمام إغراء الاعتماد شبه الكامل على هذه التقنيات. يتمثل التحدي الأكبر في كيفية مقاومة فقدان الأصالة الشخصية والإبداع الفكري، مع الاستفادة من مزايا هذه التقنيات دون التضحية بالجهود العقلية والكتابية.

لعل أبرز التحديات التي تفرضها أدوات الذكاء الاصطناعي، قدرتها على توليد نصوص عالية الجودة في وقت قصير، مما يغري الكثيرين بالتخلي عن الجهد الشخصي. هذه الراحة قد تُضعف قدرة الإنسان على التفكير النقدي وتؤدي إلى تآكل المهارات الأساسية مثل التحليل وصياغة الأفكار. إضافة إلى ذلك، يميل الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى طمس الهوية الفردية في الكتابة، حيث تصبح النصوص متشابهة وتفتقِر إلى الروح الإبداعية الفريدة التي يتميز بها الإنسان. وعلى الرغم من هذه التحديات، يمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز القدرات الفكرية بدلا من استبدالها.

هنا، يبقى الحل في إيجاد توازن بين الاستفادة من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في عملية البحث وجمع المعلومة، والإبقاء على الجهد البشري في صلب العملية الإبداعية، إذ يمكن للإنسان أن يستخدم الذكاء الاصطناعي كمساعد في البحث أو التدقيق اللغوي، دون أن يتخلى عن دوره الأساسي في صياغة الأفكار وتطويرها.

أهم طرق مقاومة إغراء الذكاء الاصطناعي

من أجل التغلب على إغراء تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، يظل الإبداع هو العامل الرئيس للوقوف أمام تغوّل هذه التكنولوجيات، هنا يأتي دور القراءة، والقراءة تتطلب المداومة والتنويع في المعارف، لتأتي بعد ذلك مرحلة الكتابة، التي تصبح وسيلة للتعبير عن التجارب والأفكار الخاصة، وهو ما يعجز الذكاء الاصطناعي عن محاكاته بشكل كامل.

للتركيز على الإبداع الشخصي، يجب أن يبدأ الفرد بالتواصل العميق مع ذاته من خلال استكشاف شغفه الحقيقي وما يحفزه على التفكير الخلاق. يمكن تحقيق ذلك بتخصيص وقت يومي للقراءة والتأمل والكتابة الحرة، حيث يسمح هذا النشاط الفكري بتدفق الأفكار دون قيود أو قلق من الحكم عليها.

من المهم أيضا أن يحيط الإنسان نفسه ببيئة ملهمة، سواء عبر القراءة الغنية، أو التفاعل مع أشخاص محفزين، أو تجربة أنشطة جديدة تخرج عن الروتين. التركيز على تطوير المهارات الفريدة واختيار التحديات التي تتناسب مع مواهبه يسهم في بناء ثقة ذاتية تعزز إبداعه، مع الابتعاد عن المقارنات التي قد تعيق نموه الفكري.

إلى جانب الإبداع، هناك الكتابة والتعبير.. العودة إلى أساليب الكتابة التقليدية والتفكير التأملي تساعد في إعادة بناء الاتصال بالذات وتعزيز القدرات الذهنية، وبالتالي يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كمحفز للأفكار أو لتجاوز عوائق البداية، ولكن مع إكمال العمل بأصالة إنسانية.

الكتابة والتفكير هما أدوات الإنسان لتطوير هويته وإثراء عالمه. وفي عصر الذكاء الاصطناعي، تكمن المقاومة في استخدام هذه التقنيات بذكاء دون فقدان الأصالة والإبداع. إنها ليست معركة بين الإنسان والتكنولوجيا، بل فرصة لإعادة تعريف العلاقة بينهما بما يحفظ قيمة الجهد البشري ويعززها.

الكتابة والتفكير هما مهارتان إنسانيتان عميقتان، فريدتان وغير قابلتين للاستبدال، ويتعين علينا الاستمرار في رعايتهما بعناية.. القراءة أولا، القراءة ثانيا والقراءة ثالثا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى