الناتو وأوكرانيا وفلسطين: ازدواجية المواقف في خدمة المصالح
الناتو وأوكرانيا وفلسطين: ازدواجية المواقف في خدمة المصالح
إعداد: حسن اليوسفي المغاري
تحظى الحرب الروسية-الأوكرانية بدعم غير مسبوق من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ تُقدّم مساعدات عسكرية، ودعم اقتصادي ضخم، وحملات تضامن سياسي وإعلامي. في المقابل، تواجه القضية الفلسطينية تجاهلاً صارخًا من قبل الحلف نفسه، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات اليومية بحق الفلسطينيين. هذه المفارقة تثير تساؤلات حيال ازدواجية المعايير التي يتبناها الناتو وأعضاؤه.
وفقًا لتقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، قدّمت الدول الأعضاء في الناتو ما يزيد عن 100 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير 2022. تشمل هذه المساعدات أنظمة صاروخية متقدمة مثل “هيمارس” وطائرات مسيّرة، بالإضافة إلى عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، مما يبرز التزام الحلف بتأمين “سيادة” أوكرانيا.
التصريحات الرسمية الصادرة عن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أكدت أن الحلف يعتبر أوكرانيا “خط دفاع أمامي ضد روسيا”، مشددًا على أن أي تهديد لأوكرانيا يُعد تهديدًا للنظام الدولي القائم على القواعد.
في المقابل، يُظهر الناتو ودوله الأعضاء فتورًا واضحًا في دعم القضية الفلسطينية، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك قرارات الأمم المتحدة بشكل متكرر، ومنها القرار 242 الذي يدعو إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة. ووفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية لعام 2023، تُمارس إسرائيل سياسات فصل عنصري وتهجير قسري ضد الفلسطينيين، ما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
ورغم هذه الانتهاكات، تقتصر مواقف الدول الأعضاء في الناتو على “الدعوات للحوار” دون فرض أي عقوبات اقتصادية أو سياسية ضد إسرائيل. الأسوأ من ذلك، تُبرم الدول الغربية صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع إسرائيل، مما يعزز قدرتها العسكرية على قمع الفلسطينيين.
وتتجلى ازدواجية المعايير في التناقض بين الدعم الشامل لأوكرانيا مقابل التجاهل الممنهج لفلسطين. يُعزى هذا التناقض إلى عدة عوامل:
- الدعم العسكري والمالي:
قدمت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ما يزيد عن 100 مليار دولار لأوكرانيا، تضمنت أسلحة نوعية ومساعدات إنسانية، وفقًا لتقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). - العقوبات الاقتصادية على روسيا:
فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على روسيا، منها تجميد الأصول الروسية وحظر صادرات الطاقة، للتأكيد على أن سيادة الدول خط أحمر لا يمكن تجاوزه. - التغطية الإعلامية:
هيمنت الحرب الأوكرانية على وسائل الإعلام العالمية، حيث تم تصوير الأوكرانيين كضحايا لنظام شمولي، مع تجاهل بعض الجوانب المعقدة للصراع مثل النزعة القومية الأوكرانية المتشددة في بعض المناطق.
تبرز الحرب في أوكرانيا والقضية الفلسطينية كنموذجين واضحين لسياسات حلف الناتو المنحازة. الدعم الشامل لأوكرانيا مقابل التجاهل لفلسطين لا يعكس فقط ازدواجية المعايير، بل يكشف عن استغلال الحلف للقانون الدولي بما يخدم مصالحه الجيوسياسية.
أوكرانيا وإسرائيل: المستعمِر والمستعمَر في نظر الغرب
فمنذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، برزت أوكرانيا كنموذج “للمستعمَر” الذي يحظى بدعم الغرب، بينما تُعامل إسرائيل كـ”مستعمِر” يحصل على حماية غير مشروطة. في هذه المقارنة، نحلل كيف يعكس الغرب ازدواجية معاييره بين هاتين القضيتين المختلفتين في السياق والمتشابهتين في الجذور الأخلاقية والقانونية.
تُصوّر أوكرانيا، في الخطاب الغربي، كضحية لاستعمار روسي جديد، إذ يعتبر الغرب الحرب الروسية-الأوكرانية تهديدًا للنظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول.
في المقابل، يتم التعامل مع إسرائيل ككيان استثنائي يحق له الاستعمار وممارسة التمييز العنصري بحق الشعب الفلسطيني دون عواقب حقيقية.
وعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة، ومنها القرار 242 الذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، فإن إسرائيل تواصل توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين.
تحصل إسرائيل على دعم مالي وعسكري سنوي من الولايات المتحدة يُقدَّر بـ 3.8 مليار دولار، فضلاً عن صفقات أسلحة متقدمة تسهم في تعزيز قوتها العسكرية ضد الفلسطينيين، بحسب منظمة العفو الدولية.
يُقدَّم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كـ”نزاع معقد”، مما يخفف من وطأة الجرائم الإسرائيلية ويُسهم في تغييب الحقيقة عن الرأي العام العالمي.
المقارنة بين الحالتين:
أوكرانيا |
إسرائيل |
|
الوضع القانوني |
ضحية احتلال روسي خارجي | كيان يمارس الاحتلال والتمييز العنصري |
الدعم الدولي |
دعم عسكري ومالي غير مسبوق | دعم غير مشروط من الغرب |
الإعلام |
يُصوَّر كحرب للدفاع عن الديمقراطية | يُصوَّر كنزاع معقد دون طرف معتدٍ واضح |
النتائج |
عقوبات صارمة على روسيا ودعم لأوكرانيا | إفلات إسرائيل من العقوبات واستمرار احتلالها |
نخلص إلى أن مقارنة أوكرانيا وإسرائيل، تكشف عن ازدواجية واضحة في المواقف الغربية تجاه مفاهيم الاستعمار والسيادة. يدافع الغرب عن سيادة أوكرانيا بحزم، بينما يتجاهل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. هذا التناقض لا يهدد فقط مصداقية الغرب، بل يعزز أيضًا استمرارية الاحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
مصادر مقترحة:
- تقرير معهد SIPRI حول المساعدات لأوكرانيا
- تقرير منظمة العفو الدولية حول فلسطين
- تصريحات ينس ستولتنبرغ، الموقع الرسمي للناتو: NATO Newsroom
- بيانات الأمم المتحدة حول القرار 242: UN Resolutions
- تقرير منظمة العفو الدولية حول فلسطين
- معهد SIPRI لتتبع المساعدات العسكرية
- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين
- تصريحات الناتو بشأن أوكرانيا