فواصل
الحُكم الرشيد عند تدبير الأزمات
عندما نطرح السؤال البديهي عند كل أزمة: من يحكُم؟ فإننا نتوخى من علامة الاستفهام تلك؛ التنبيه إلى المزالق والهفوات التي يمكن أن تحصل عند تدبير أي أزمة، وبالتالي
التنبيه إلى الضرر المتحصّل لدى فئة عريضة من الشعب التي لن تستطيع تدبير أزمتها الشخصية الناجمة عن الأزمة العامة.. وعليه، فإننا نراها تتخبط في ضنك العيش أمام من له القدرة على المواجهة والتصدي لأي “جايحة” بالمفهوم الدلالي العامي.
إن تدبير الأزمة تلزمها إرادة سياسية حقيقية للتغيير، وحينما يصل الوضع للأزمة العامة، فهذا يعني أن الوضع يلزمه حُكماء يُنصتون للمصلحة العليا، والمصلحة العليا تقتضي التحرك بحكمة في اتخاذ القرارات التي من شأنها حماية المواطن الضعيف الذي يعيش بين دفتي الوطن وتحت حمايته.. ولا داعي هنا للتأكيد على أن حماية المجتمع بكل أطيافه هي حماية للوطن .. الوطن الذي يجب أن يحتوي الجميع دون فرق بين شمالي وجنوبي أو شرقي أو غربي، وطن يحتضن الُعُروبي والأمازيغي والريفي والعرَبي والأندلسي..
في ظل الأزمات نعرف مدى حِنكة من يحكُم، أي من يُدبّر، أي من يتخذ القرار وكيف يُطبّق القرار ومن يراقب التطبيق السليم للقرار..
لقد أظهرت الأزمة التي نمرّ منها الآن أن العديد ممن أنيطت بهم مسؤولية تدبير الأزمة، لم يعيروا للمواطن البئيس أي اهتمام، بل وهناك من تلاعب ومن اختلس ومن آثر لنفسه عوض العمل على إحقاق الحق..
عندما نتحدث عن الوطن فلأن الوطن وطن الجميع، وعلى مدبّري الشأن العام الإنصات لنبض المجتمع بكل أطيافه.
وإذا كانت السياسة هي تدبير ما يمكن تدبيره في الوقت والحين، فالأجدر البحث عن الحلول الناجعة لكل أزمة وليس خلق أزمة بأزمة أكبر منها..
هناك العديد من أصحاب ومدبري المؤسسات من بات جشعه أكبر؛ ولم يتوان في البحث عن نفس الربح إن لم يكن أكثر، غير عابئ بمن لا حيلة له ولا مورد سوى ما كان يتقاضاه حيث حرمته الأزمة إياه لتنضاف أزمات أخرى على كاهله..
لم يكثرت العديد من أولئك لهؤلاء، ولم يأخذوا بعين الاعتبار ما حققوه من أرباح طيلة سنوات والوقوف إلى جانب المتضررين الحقيقيين دون التفكير في ضرورة تحقيق نفس المكاسب والأرباح..
علينا جميعا المساهمة في حلّ الأزمات وليس خلقها! وما وجود عِلْم تدبير الأزمات Gestion des crises إلا ليكون أداة للتدبير الحكيم.
يجب أن نعي جيدا أنه عندما تصل درجات الاحتقان إلى مستوى الضغط؛ فإن الصغط يولد الانفجار، والانفجار ليس في صالح الوطن..
أليس الوطن وطن الجميع؟ وطن الغني والفقير، لا ضير في ذلك، لكن ليس وطن الأغنياء والساسة والحُكّام دون باقي الفئات الاجتماعية الأخرى والتي هي المُعتبرة عدديا!
عهدي بالديمقراطية إيجاد عيش كريم للجميع، عهدي ب”الحِراك المجتمعي” العمل على تحقيق المطالِب الديمقراطية والمشروعة التي تحقق العيش الكريم الذي يبتغيه المواطن، فكيف لوطن أن يكون بدون مواطن!؟…
إن التدبير الصحيح لأي أزمة هو تدبير يأخذ بعين الاعتبار الفئات الهشة والفقيرة، فكيف إذا صارت من كانت متوسطة في دائرة الفقيرة..
تدبير الأزمة أيضا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تدبير الاختلاف، وتدبير الاختلاف لن يكون إلاّ بحُسن الإنصات والتدبير العقلاني البعيد كل البُعد عن المؤامرات، بضمان تامّ لحرية الرأي والتعبير، مع الالتزام طبعا، لأن الحرية لا تعني السب والتشهير..
تدبير الأزمة يستلزم الوقوف عند الفوارق الاجتماعية وإعطاء لكل ذي حق حقه؛ والحقوق ضدّ الاسترزاق والاصطياد في الماء العكِر، كما أن الاختلاف أو المعارضة لا تستوجب اختلاق الملفات و”تغراق الشقف”، بل الحِكمة في التدبير مادامت المصلحة العامة هي الأساس..
فهل لدينا من يُنصت وبتواضع من أجل تدبير حكيم للأزمات؟