فواصل – –
حسن اليوسفي المغاري
بين المعلومة والجريمة الإلكترونية العابرة للحدود
عندما نتحدث عن الجريمة الإلكترونية Cyber crime أو جرائم تقنية المعلومات، فإننا نقصد الفعل الإجرامي الجديد الذي ظهر مع التطور التكنولوجي والطفرة النوعية الرقمية التي بات يعرفها الفضاء التواصلي المفتوح عبر الإنترنت. وبالتالي صار الحديث عن وجود فعل جُرمي مرتبط أساسا بهذه الثورة حيث تدفُّقُ المعلومات وحيث المعطيات الخاصة والعامة أضحت مُشرعة وفي متناول الجميع!
هناك التفسير القانوني للظاهرة، كما هناك التفسير العلمي والتفسير الاصطلاحي المرتبط بالوقائع ذات الصلة المباشرة بتعامل الفرد مع الحاسب الآلي والإنترنت. لكن، يبقى الاجتهاد الفقهي القانوني هو الأساس ما دام عليه ينبني الفعل الجُرمي الدَال على الجريمة ذات البُعد الإلكتروني المتمثل أساسا في الدخول غير المشروع إلى جهاز حاسب آلي أو نظام معلوماتي أو شبكة معلوماتية.
وقد أجمع فقهاء القانون الدولي ومن خلال تفسيرهم لأنواع الجريمة الإلكترونية، على أن تزوير أو إتلاف مُستند، أو سجل أو توقيع إلكتروني أو نظام إلكتروني أو موقع، والاستيلاء على منفعة أو مال أو مُستند باستعمال طرق احتيالية، أو إعاقة أو تعطيل الوصول إلى موقع أو الدخول إلى الأجهزة أو البرامج أو مصادر البيانات، تعتبر كلها ضمن الجريمة الإلكترونية. وبالإجمال يبقى التعريف العام المتمثل في كون الجريمة الإلكترونية هي جميع أشكال الجريمة التي تلعب فيها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا أساسيا، تعريفا شاملا وموجزا.
ففي ظل التطور التكنولوجي، كان من الطبيعي أن يُفرز المجتمع فئات جديدة متطورة في تعاملها الإجرامي، ذاك الذي أسميه شخصيا بـالإجرام العلمي الذي يستلزم معرفة علمية معلوماتية دقيقة ومتطورة جدا، مواكبة للتطور الحاصل في الفضاء الرقمي الافتراضي. فهو يتجه صوب المعلومة مباشرة، تلك التي تعتبر أساس الجريمة الإلكترونية.
المعلومة إذن هي الهدف الأول والأخير، بحيث أن سمات العالم الافتراضي الرقمي يعتمد أساسا المعلومة كأداة للتعامل، ومسرح الجريمة نفسه هو العالم الرقمي، بل وأدوات الجريمة هي أيضا من وإلى العالم الافتراضي العلمي المعلوماتي.
من هنا نقول إن المقصود بالجريمة الإلكترونية هو ذاك الفعل أو السلوك كيفما كان نوعه، والغير مشروع طبعا، يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات، سواء بالنسخ أو التغيير، أو الحذف أو الوصول والحصول على المعلومات المخزّنة داخل الحاسوب الآلي، أو تلك التي يتم تحويلها عن طريق الحاسوب المرتبط بالإنترنت. وإجمالا، يمكن القول بأن الجريمة الإلكترونية هي الفعل الإجرامي الذي يُلحق الأذى بمجنيّ عليه، فردا كان أو مؤسسة، بواسطة الحاسوب أو أي جهاز تكنولوجي آخر مرتبط بالفضاء الرقمي.
المعلومة إذن هي الهدف الأول والأخير، بحيث أن سمات العالم الافتراضي الرقمي يعتمد أساسا المعلومة كأداة للتعامل، ومسرح الجريمة نفسه هو العالم الرقمي، بل وأدوات الجريمة هي أيضا من وإلى العالم الافتراضي العلمي المعلوماتي.
المُجرم المعلوماتي:
المُجرم المعلوماتي، وهو الفاعل الرئيسي للعملية الجُرمية الإلكترونية، يتمتع بذكاء وبدراية معلوماتية وبدهاء. إذ أن مسرح الجريمة الإلكترونية هو الفضاء الرقمي، وبالتالي فإن ذلك المسرح هو مسرحٌ للأذكياء، وأداة الجريمة تكون هي الحاسوب المرتبط بالشبكة العالمية. وعليه فإننا بصدد الحديث عن الجريمة العابرة للحدود.
المجرم الإلكتروني مُتخصص، يتوفر على مهارة عالية في مجال المعلوميات والبرمجة، مهارة في اختراق الشبكات، مهارة فائقة في كسر الشفرات وكلمات المرور، مهارة خارقة في الوصول إلى المعلومات الدقيقة والحصول عليها. يشتغل بسرية تامة ويُشَغّل أجهزة عن بُعد ومن خلال ارتباط بشبكة الإنترنت. ذكاء وتجربة ودهاء في تطوير وتعديل الأنظمة الأمنية المعلوماتية.
هؤلاء الأذكياء أصبحت لهم أسماء عالمية من قبيل: الهاكرز Hackers وهم المتسللون الدخلاء، الكراكرز Crackers وهم المخترقون، Malecious hackers وهم العابثون بالشفرات ومؤلفو الفيروسات، وأنونيموس Anonymous، وهي مجموعة مجهولة تعمل جماعة من أجل الاختراق البرمجي، والمجرم الإلكتروني إذن هو مُجرمٌ عابر للحدود، إنه الإجرام المُعولم!
الأبعاد والمخاطر:
لا شك أن للجريمة الإلكترونية أبعادا مرتبطة بالحياة الخاصة والعامة للفرد. فمنها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو سياسي، وما دمنا نتحدث عن الجريمة الإلكترونية، فهي غالبا ما تكون مرتبطة بعالم الاقتصاد الرقمي بالدرجة الأولى، ثم الحياة الشخصية والشأن العام والشأن السياسي.
إن كلمة الإجرام كمصطلح قانوني، فعلٌ مادي أو معنوي يُلحق الأذى بالآخر، وهذا الأذى إما أن يكون اقتصاديا، قرصنة حسابات بنكية مثلا، وإما اجتماعيا أو سياسيا، قرصنة معطيات شخصية لها علاقة مباشرة بحياة الفرد والجماعات والحكومات، ويكليكس WikiLeaks على سبيل المثال.
إننا نعيش زمن ثورة المعلومات وزمن التطور التكنولوجي الذي أوجد تكنولوجيات الاختراق، وفي الاختراق تكمن العملية الجُرمية بحيث أصبحت للجريمة الإلكترونية عدة عواقب قانونية دولية اتفق عليها المجتمع الدولي.
نلاحظ أيضا عمليات التصنت عبر الإنترنت التي باتت معلومة لدى الجميع، وذلك باستعمال أحدث أجهزة التجسس والتصنت، كما هو الشأن بالنسبة إلى سرقة البيانات الخاصة، بيانات البطاقات الائتمانية، تهديد الأشخاص وابتزازهم والتشهير بهم، الدخول غير المشروع إلى المواقع الإلكترونية بغاية استهدافها وتدميرها.
الحرب الإلكترونية:
عندما نستعمل مصطلح الحرب، فغالبا ما نستحضر الحرب بمفهومها التقليدي، لكن الحروب الإلكترونية تجاوزت ما هو مُتعارف عليه، وباتت من الحروب الباردة التي يمكنها أن تهز أركان الحكومات والدول، بل وأصبحت تهدد أركان الجيوش، وذلك بالاختراقات المتكررة للأنظمة المعلوماتية بواسطة الحاسب الآلي. كما للحرب الالكترونية مضار اقتصادية وسياسية يمكنها أن تعصف ببورصات في إطار الاحتيالات المالية، والإطاحة بحكومات والتشويش أو باختراق نتائج الانتخابات، كما حصل مؤخرا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية باتهام وزارة الأمن الداخلي لروسيا بأن الأخيرة تسعى للتدخل في الانتخابات الأميركية! كما أن الحرب الإلكترونية باتت تعتبر رئيسية في العمليات الإرهابية، وأصبحت تسمى بالإرهاب الإلكتروني Cyber terrorism العابر للدول والقارات.
الترسانة القانونية المغربية:
بخصوص الترسانة القانونية في المغرب، فهي مرتبطة أساسا بالقانون الجنائي، وتستمد روحها من اتفاقية أوروبا بشأن الإجرام الإلكتروني، أو السيبيري كما هو متعارف عليه لعام 2001، وهي تتخذ طابعا توجيهيا. وهذه الجرائم تنطلق أساسا باستخدام الكمبيوتر أو ضد الكميوتر. والجريمة الإلكترونية في المغرب هي من اختصاص القانون المغربي والمقارن.
كما أن هناك بعض التعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي المغربي، قانون 03،07 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والتي نصت عليها وعلى عقوبتها تسعة فصول جنائية جديدة.
لكن رغم صدور قانون مسطرة جنائية جديد، فهو لا يتضمن إشارات إلى كيفية التعامل من الناحية الإجرائية مع هذا النوع الجديد من الجرائم، وهنا نتحدث عن الإثبات ذو الطابع الإلكتروني، وعن الإجراءات الخاصة بالبحث والتحقيق والتفتيش والحجز والمعاينة، إلى غير ذلك. إننا أمام جريمة عابرة للحدود!
على سبيل الختم:
مع عولمة المعلومة وسهولة الاختراق التي باتت تعرفها مختلف الأجهزة المعلوماتية عالميا، صار من الضروري سن تشريعات وقوانين زجرية آنية من أجل مواجهة الجريمة الإلكترونية. كما نلاحظ انتشار وسائل إيضاح عديدة تهم تقديم وشرح وتحليل الوسائل التقنية التي بإمكانها على الأقل تحجيم الآفات الناجمة عن الاختراقات المسببة في الجريمة الالكترونية. بل وصرنا نسمع بوجود الأمن المعلوماتي والقضاء الذي يبث في مثل هذه القضايا التي باتت منتشرة عبر العديد من الدول التي باتت تعرف العديد من الجرائم المعلوماتية. لكن، ما مدى نجاعة التشريعات أمام الانتشار المهول للاختراق المعلوماتي العالمي؟