الصحافة الإلكترونية بالمغرب: إشكالية أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف
حسن اليوسفي المغاري
أصبحت العديد من الدراسات والأبحاث تتطرق لموضوع الصحافة الإلكترونية، وبات الواقع الافتراضي محط اهتمام العديد من الدارسين للحقل الإعلامي الرقمي.
لقد خطا الإنترنت خطوات كبيرة في مجال النشر الرقمي، وساهم في تعميم ما أصبح يصطلح عليه بـ -الكتابة الرقمية-.. وفي ذلك، وجدت الصحافة الإلكترونية ملاذا لنشر نسخ إلكترونية لها موازية للنسخ الورقية، بحيث صار العالم الافتراضي يتضمن العديد من النسخ الإلكترونية للجرائد والمجلات والدوريات الورقية الغربية والعربية. كما صار للعديد من الصحافيين وغير الصحافيين، مواقع خاصة بهم تتضمن كتاباتهم ومشاركاتهم وتفاعلاتهم عبر الشبكة. إضافة إلى أن هناك العديد من المواقع الإعلامية والإخبارية المتنوعة وفي تخصصات مختلفة أصبح الجميع يطلق عليها إسم “الصحافة الإلكترونية”.
تمثل الصحافة الإلكترونية المغربية إحدى المحطات الهامة في تطور حرية الرأي والتعبير في المغرب، فضلا عن الانتشار وتوسيع رقعة الجمهور المخاطب، حيث تتجاوز الحدود المكانية، وتتغلب على القيود الرقابية خصوصا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
تُعرّف الصحافة الإلكترونية أو صحافة الإنترنت online journalism اصطلاحا العمل الإعلامي عموما والصحافي خصوصا، لكن بميزة خاصة، تتمثل في استعمال الوسيلة الإلكترونية وهي الحاسوب، وارتباطها بالشبكة العنكبوتية، الإنترنت، الذي يعتبر الفضاء الرقمي الذي يجمع المعلومات المعروضة أمام قراء العالم الافتراضي. وهي بذلك تكون الوسيلة الإعلامية المعروضة بطريقة النشر الإلكتروني، حيث يكون الإنترنت قد خلق نمطا جديدا من الممارسة الصحافية ونوعا جديدا من المتعاطين للكتابة الخبرية، هذا النوع الذي له جانب من القدرات الصحافية وجوانب أخرى تهم أساسا الخبرة في التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت.
جاء في وثيقة عهد الشرف الصحفي الدولي الذي وضعته لجنة حرية الإعلام وأقره التقرير الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة سنة 1959 أن ” المزاولة الشريفة للمهنة الصحفية تتطلب الإخلاص للمصلحة العامة، لذلك يجب على الصحفيين أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أيا كانت الأسباب والدوافع، فالافتراء والتشهير المتعمد والتهم التي لا تستند إلى دليل وانتحال أقوال الغير، كل ذلك يعد أخطاء مهنية خطيرة “.
فبقدر ما أسهمت التطورات التكنولوجية خصوصا تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في توسيع نطاق حرية الرأي والتعبير، بقدر ما فتحت باب الإنترنت مشرعا أمام كل الانتهاكات الحقوقية منها والأخلاقية. بل تعدتها في كثير من الأحيان لتصنف ضمن جرائم يعاقب عليها القانون، لكن أمام ذلك تبقى التشريعات لحد الآن قاصرة ولم تواكب التطورات الحاصلة في المجال التكنولوجي، وغالبا ما تعتمد في محاكماتها على القانون الجنائي.
الأكيد هو أن الإنترنت بات يشكل مصدر قلق وإزعاج للعديد من الأشخاص العموميين التي لم تستسغ بعد مبدأ حرية الرأي والتعبير والتقصي والإخبار. ومقابل ذلك، هناك شيئا أكيدا وملموسا يتمثل في عدم احترام الكثير من مستعملي المواقع الإخبارية لأخلاقيات النشر الإلكتروني، وعدم التقيُّد بالأخلاق الواجبة اتجاه الآخر، وهو ما يتأكد يوما بعد يوم خصوصا مع غياب قواعد قانونية تعمل على تأطير مختلف عمليات النشر الافتراضي، التي تتطور بدورها باستمرار بالموازاة مع التطور المضطرد لتقنيات الإعلام والاتصال.
هنا وجب التذكير بأنه ليس كل من يكتب في موقع فهو صحافي، لأن مهنة الصحافة لها أخلاقياتها ولها ميثاقها المحلي والدولي ولها تكويناتها المهنية ولها أصنافها التحريرية. لكن نظرا للحيوية التي بات يعرفها الإنترنت، لقيت عملية الإخبار الإلكتروني، إقبالا منقطع النظير من طرف كل من رأى في الكتابة الرقمية ملاذا للتعبير الحرّ دون قيود. لذلك لاحظنا توالد العديد من المواقع الإخبارية المختلفة الأشكال والألوان المتشابهة المضامين من دون أن يكون جل أصحابها من ذوي مهنة الصحافة، وبالتالي صارت مسألة الأخلاقيات متجاوزة عند الكثيرين. وصارت مسألة التفكير في الضوابط الأخلاقية ثم القانونية أمرا مُلحّا حتى لا نمسي ونصبح أمام فوضى عارمة، وصراعات وميوعة أكثر مما يوجد الآن.
إن مسألة الأخلاقيات المرتبطة بمهنة الصحافة عموما وبالمواقع الإخبارية أساسا، وعندما نتحدث عن التجاوزات التي صرنا نلاحظها عبر الفضاء الرقمي، يدفعنا إلى القول بأن الأمر قد استفحل مع التطور العددي الذي يعرفه مجال إنشاء مواقع إلكترونية إخبارية، إذ تبقى مسألة وضع قواعد لممارسة الكتابة عبر الإنترنت من الأمور التي وجب التفكير فيها.
ويؤكد الواقع الملموس أن هناك صعوبة في الفصل بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني، بل ولم يتم الحسم في العديد من الأمور المتعلقة بالمبادئ الأخلاقية والقوانين. ولا شك أن هناك قيوداً قانونية وجب التعامل معها، مقابل وجود ضوابط أخلاقية وجب احترامها من كلا الجانبين: الصحفي المهني والمواطن الكاتب العادي الذي يستعمل النشر الرقمي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
* ضرورة ضمان الحياد والدقة في نقل الأخبار، وبالتالي الشفافية التامة
* النزاهة في جمع ونشر المعلومات
* تحديد مصادر المعلومات والأخبار
* احترام الحياة الشخصية للفرد وللجماعة
* عدم تشويه محتوى الصور سواء كانت جامدة أم متحركة
* تجنب أية ممارسات غير أخلاقية: التشهير، السب والقذف، استغلال النفوذ، استغلال الصور المفبركة، التهديد والابتزاز، الصور الإباحية…
* ضرورة الإشارة إلى المصدر الأصلي لأي معلومة باستعمال الروابط والروابط التشعبية.
فهل يمكن أن نسطر أخلاقيات للإنترنت؟ وهل يمكن حماية الشبكة العالمية الافتراضية من التلوث؟ وهل يمكن اعتبار الملوثات بمثابة جرائم وجب إيجاد قانون زجري لها؟
بات الحديث إذن عن حرية التعبير المرتبطة بالمواقع الإخبارية، واحدة من لوازم الحديث عن هذا النوع من الإعلام الجديد. وفي ظل الاكتساح الهائل لوسائل الإعلام المتعددة عبر الإنترنت، واكتساح التكنولوجيا الحديثة لكل مجالات النشر (كتابة وتصوير فوتوغرافي أو تصوير رقمي متحرك)، صرنا لا نجد بُدّا من التركيز على ضرورة احترام الأخلاقيات والتشبث بها، بل والعمل على أن تُصبح بمثابة “الرقيب الذاتي” لكل مستعمل أو ممتهن للصحافة الإلكترونية أو متعامل مع مختلف وسائل النشر الحديثة.
إننا الآن أمام عولمة الإعلام وعولمة وسائل الإعلام وسط عالم بات أصغر من قرية، عالم تنتهي فيه حُرّيتي عند انتهاكي لحرية الآخر.
تُعد الأخلاقيات في مفهومها الإعلامي رافعة للحرية، وسلاحا دفاعيا لمهنة الصحافة التي صارت أكثر انفتاحا من ذي قبل. منفتحة على المهنيين وعلى المواطنين العاديين، الفئة التي صارت تملك من القدرات والإمكانات ما جعلها تطلب المزيد من الحرية في الرأي والتعبير. بل وباتت تشارك بفاعلية أكثر نظرا لتوفر الفضاء الرقمي الذي لا يفرض أي قيود أو حواجز، لتبقى أخلاقيات العمل الصحافي الاحترافي أو الهاوي عبر الإنترنت، هي الرافعة الأساسية التي ستساعد على الرقي بمهنة أو هواية الإخبار الرقمي.
كما أنه من الواجب التذكير أيضا أن الأخلاقيات Déontologie ليست عبارة عن بنود قانونية يترتب الإخلال بها المتابعة القانونية، وإنما هي مجرد مبادئ أخلاقية وجب التعامل معها. إنه ما نصطلح على تسميته بــ بُند الضمير، وهو ما نستحضره نحن معشر الإعلاميين المهنيين.