فواصل

إعلام جديد في عالم افتراضي

فواصل

 

حسن اليوسفي المغاري

حول الصحافة الإلكترونية العربية

 

 ” الإنترنت عالم متغير “. عنوان اقتبسته من مؤلف للمهند أشرف صلاح الدين، –  وهو كاتب متخصص في تقنيات المعلوماتية والإنترنت – يتناول فيه موضوعات متعددة وشاملة ذات علاقة مباشرة بالإنترنت، كالحكومة الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، وآلية عمل التوقيع الرقمي والإلكتروني، واستخدام البطاقة الائتمانية للشراء عبر الإنترنت، وتجنب مخاطر الاختراق أو الوصول إلى معلومات شخصية، ومعايير استضافة المواقع، ومشاكل البريد الإلكتروني والرسائل التسويقية غير المرغوب بها، ومحركات البحث العالمي والعربية، وأمن المعلوماتية وكيفية الحفاظ على خصوصية المعلومات وتجنب وصول المتسللين والقراصنة والمتطفلين إليها، والتجسس على المواقع وكيفية عمل البروكسي وبرامج الحماية المعروف باسم fire wall، ووسائل الحماية من الفيروسات. كما يركز على أهمية الإنترنت فيما أسماه بـالجهاد الإلكتروني والحرب الإلكترونية، ويتتبع تواجد الإعلام العربي على الإنترنت ومستقبل النشر الإلكتروني، إضافة إلى جمعه لفتاوى موثقة تتعلق بأحكام استخدام الإنترنت …

إضافة إليه، صادفت مؤلفا للدكتور “السيد بخيت” تحت عنوان: ” الإنترنت وسيلة اتصال جديدة “، ضمنه هو أيضا مجموعة دراسات حول العالم الافتراضي الذي بات يغزو العالم في جميع المناحي، سياسية واقتصادية وعلمية وتعليمية واجتماعية وأدبية فنية وإعلامية.

إلى غير ذلك هنالك العديد من الدراسات التي أصبحت تتطرق للموضوع، وكل دراسة تتناول الإنترنت من الزاوية التي يكون الباحث متخصصا فيها، لتبقى مسألة التطرق لموضوع الصحافة العربية الإلكترونية، متروكا لذوي الاختصاص قصد تعميق البحث فيه وتطوير الرؤى المتعلقة به.

لقد خطت الإنترنت خطوات كبيرة في مجال النشر عبر الإنترنت، وساهمت في تعميم ما أصبح يصطلح عليه بـ “النشر الإلكتروني” أو “الكتابة الرقمية”. وفي ذلك، وجدت الصحافة العربية ملاذا لها لنشر نسخ إلكترونية لها موازية للنسخ الورقية، بحيث صار الخط يتضمن العديد من النسخ الإلكترونية للجرائد والمجلات والدوريات الورقية العربية. كما صار للعديد من الإعلاميين العرب مواقع خاصة بهم تتضمن كتاباتهم ومشاركاتهم وتفاعلاتهم عبر الخط.

يعرف مؤلف كتاب “الإنترنت عالم متغير” النشر الإلكتروني بأنه العملية التي يتم من خلالها تقديم الوسائط المطبوعة (Printed-Based Materials) كالكتب والأبحاث العلمية بصيغة يمكن استقبالها وقراءتها عبر شبكة الإنترنت أو الوسائط المتعددة حيث تتميز هذه الصيغة بأنها مضغوطة ومدعومة بوسائط وأدوات كالأصوات والرسوم ونقاط التوصيل التي تربط القارئ بمعلومات فرعية أو بمواقع على شبكة الإنترنت.

وتتجلى مزايا النشر الإلكتروني حسب المهندس أشرف صلاح الدين، في عدم وجود تكاليف متعلقة بالطبع والتوزيع والشحن، الأمر الذي يغير المبدأ التقليدي عند الناشرين، فبدلا من مبدأ “أطبع ثم وزع” حل مبدأ “وزع ثم اجعل المستخدم يطبع”.

ومن بين مزايا النشر الإلكتروني التفاعلية من خلال استخدام ما يعرف بنقاط التوصيل (hyperlinks) التي تزود القارئ بمعلومات إضافية قد لا تكون أساسية في النص غير أنها متعلقة به، وكذلك سهولة البحث عن المعلومات وسهولة تعديل وتنقيح المادة المنشورة إلكترونيا، وإمكانية نشر وبيع أجزاء من الكتب حسب حاجة القراء.

كما يتطرق المؤلف من خلال عرضه لعدد من الصحف العربية الإلكترونية والمواقع الإعلامية العربية على الإنترنت، فيلاحظ أن التواجد الإعلامي العربي قد ازداد كثافة خصوصا خلال العامين المنصرمين. فعلى صعيد وكالات الأنباء العربية، يجد المؤلف أن معظم الدول العربية لها وكالات أنباء رسمية تعكس وجهة نظر حكوماتها على مواقع الشبكة المعلوماتية. وتشترك هذه المواقع بأنها تبث أخبارها على مدار الساعة باللغتين العربية والإنجليزية.

أما على صعيد الصحف العربية، فرغم أن تواجدها قد ازداد كثافة وانتشارا، إلا أنها بقيت في الغالب على شكل نسخ إلكترونية للصحف المطبوعة اليومية أو الأسبوعية دون جدية في تحديث محتوياتها بشكل يستفيد من إمكانات ومزايا النشر الإلكتروني. علاوة على ذلك، تعاني معظم مواقع الصحف العربية من العديد من المشاكل التقنية كالبطء في تحميل المعلومات، وعدم تحديث الصفحات وأحيانا الاحتجاب عن الظهور لأيام وانقطاع الخدمة بسبب استضافة ملفاتها ومواقعها hosting على خوادم servers خارج حدودها.

مما لا شك فيه أن العقد المقبل سيكون لصحافة الانترنيت، ولعل الفضل في ذلك يعود لا محالة للتطور المضطرد في وسائل الإعلام الالكترونية، ليبقى الحذر من الفوضى التي تصاحب إنشاء المواقع الالكترونية بسبب الفضاء الرقمي المفتوح، حذر ضروري لكنه غير مفروض.

وتبقى أهم المواضيع التي تعنى بالتعليم والتدريب الإعلامي والواقع المهني، وتأثير الإنترنت والتفاعل الجماهيري والمقروئية، وتقنيات وبرمجيات صحافة الانترنت والأخلاقيات والقانون… كلها مواضيع تتطلب دراسة جدية تواكب التطور نفسه، وبالتالي فإن مسألة إعادة التكوين بالنسبة لغالبية الجسم الصحفي باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى.

سيكون لصحافة الإنترنت لا محالة تأثير كبير على كل وسائل الإعلام في العالم في المرحلة المقبلة، وتبقى هناك أسئلة ملحة جدا تتعلق بأخلاقيات صحافة الإنترنت وقوانينها، وهل من ديناميكية جديدة تتناسب مع متطلبات الواقع المهني الجديد لهذا القطاع… أسئلة تنتظر بدورها إجابات آنية وصريحة.

فكيف هو واقع صحافة الإنترنت في المنطقة العربية داخل ما يسمى بـ”البيئة الإعلامية الإلكترونية”، وهل يمكن أن نعتبر بأن صحافة الإنترنت أصبحت بديلا للصحافة الورقية؟

إن التطور الحاصل في مجال المعلوميات منذ بداية الثمانينيات خصوصا بعد تعميم الحواسب الصغيرة، وبرامج التشغيل المتطورة التي صاحبت هذا التعميم، وتطور أنظمة الشبكات المعلوماتية (…) قد جعلت من المعلومة أمرا يمكن في كل مكان وفي زمن قياسي الحصول عليها.

وهذه الإمكانية تطرح في حد ذاتها إشكالية الشروط التي ينبغي توفيرها من أجل الولوج إلى المعلومة عبر الإنترنيت، وتقتضي من العاملين على ذلك الوعي بأن أغلب بلدان المنطقة العربية يسجلون أرقاما قياسية في الأمية وبالتالي فإن هذه النسبة من الساكنة هي خارج تأثير الإنترنيت أو حتى الإعلام المكتوب.

ولذلك فإن الرقم الأكثر دلالة في هذا السياق هو أن 1.6 % فقط من ساكنة المنطقة العربية بإمكانها استخدام الإنترنيت. ومن هنا تبرز الحدود التي تضعها الأوضاع السائدة اجتماعيا أمام تأثير الصحافة الالكترونية.

لكننا نجد في المقابل أن شبكة الإنترنيت تتيح إمكانيات هائلة للحوار والمعرفة والتثقيف والتعليم والتأطير والتنوير.

فقد نشرت مجلة ASLIB Proceedings البريطانية العلمية في عددها لعام 2002 (عدد رقم 1 مجلد 54) والتي تصدر عن دار النشر العالميةEmerald ، نشرت بحثاً علمياً عن عالم الصحافة الإلكترونية العربية للدكتور فايز بن عبد الله الشهري كباحث أول يشاركه الباحث البريطاني البروفيسور باري قنتر رئيس قسم البحث العلمي بكلية الصحافة في جامعة شيفيلد. وقد اعتمدت الدراسة على نتائج استجابات القراء في قاعدة بيانات (استطلاع) قراء الصحف الإلكترونية العربية التي تكونت عبر دراسات سابقة للباحث فايز الشهري في هذا المجال.

وقد ركزت هذه الدراسة على مقروئية الصحف الإلكترونية العربية بشكل عام بهدف توصيف وضع السوق العربي أمام هذه المطبوعات، واهتمت الدراسة كذلك بقياس مدى رضا القراء عن الصحافة الإلكترونية العربية بشكل عام. وقد أوضحت الدراسة بعض خصائص قراء الصحف الإلكترونية العربية من حيث أنهم في الغالب ذكور وشباب، يشكل الطلبة والمهاجرون العرب حول العالم نسبة كبرى منهم. وكشفت الدراسة أن ما يزيد عن نصف العينة يقررون بأنهم يتصفحون الصحف الإلكترونية بشكل يومي، ويعزو قراء الصحف الإلكترونية سبب رضاهم وإقبالهم على الصحافة الإلكترونية إلى أسباب منها أنها متوفرة طوال اليوم، ولا تحتاج إلى دفع رسوم، كما أنها تمكنهم من متابعة الأخبار من أي مكان وعن أي بلد مهما تباعدت مواقعهم. وبرغم أن كثيراً من المبحوثين قد أشاروا إلى صعوبات فنية عند تصفح بعض مواقع الصحف، أو مشكلات عدم رضا عن المحتوى الرسمي لبعض الصحف، إلا أن نسبة كبيرة من القراء ابدوا مستوى معقولاً من الرضا عن هذه الصحف.

و على الرغم من تنامي أعداد الصحف العربية على شبكة الإنترنت إلا أن الدراسة تشير إلى أنه رغم هذا الحضور الواضح لهذه المطبوعات الإلكترونية إلا أنه حضور لا يتماثل مع النمو الهائل للمطبوعات الإلكترونية عالمياً خاصة فيما يتعلق بتناسب هذه الأرقام مع أعداد الصحف العربية وعدد الدول والسكان في العالم العربي.
وتشير الدراسة إلى تواضع نسبة عدد مستخدمي الإنترنت العرب قياساً إلى العدد الإجمالي للسكان في الوطن العربي كما بينت الدراسة أن ضعف البنية الأساسية لشبكات الاتصالات إضافة إلى بعض العوائق الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، قد أخرت الاستفادة من خدمات شبكة الإنترنت وأثرت بشكل رئيس على سوق الصحافة الإلكترونية.

كما بينت الدراسة أنه في ظل التحدي الذي جلبته شبكة الإنترنت وظهور الأجيال الجديدة التي لا تقبل على الصحف المطبوعة، وجدت الصحف العربية أنه من غير الممكن تجاهل شبكة الإنترنت برغم غياب التخطيط ودراسات الجدوى وعدم وضوح مستقبل الصحافة الإلكترونية أمام الناشرين العرب. وقد حددت الدراسة أبرز التحديات التي تواجه الصحافة العربية على شبكة الإنترنت مثل ضعف عائد السوق (القراء والمعلنين) وعدم وجود صحافيين مؤهلين لإدارة وتحرير الطبعات الإلكترونية، إضافة إلى المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار والمعلومات العربية الدولية والأجنبية التي أصدرت لها طبعات إلكترونية منافسة باللغة العربية، علاوة على عدم وضوح مستقبل النشر عبر الإنترنت في ظل عدم وجود قاعدة (مستخدمين) جماهيرية واسعة.

وقد خلصت الدراسة إلى التوصية بأهمية تواجد الصحف الإلكترونية العربية عبر الإنترنت رغم المعوقات لاكتساب الخبرة، وتحجيم المنافسة الخارجية، وتفعيل خاصية التفاعل مع القراء التي تُعد أهم مميزات خدمات شبكة الإنترنت.

وبالنظر إلى محتوى صحافة الإنترنت العربية بصفة مجملة، فإن الملاحظ هو أنها شكلت إضافة نوعية لحرية الرأي والتعبير، وذلك بكسرها للعديد من “المحظورات” التي يمنع الاقتراب منها عادة في الصحف الورقية، إضافة إلى أن الصحافة الإلكترونية تتناول موضوعات وقضايا جديدة، وبلغة جريئة، فضلا عن إتاحتها الفرصة للتعبير عن وجهات النظر المختلفة.

مثل الصحافة الإلكترونية العربية إذاً إحدى المحطات الهامة في تطور العمل الصحفي، سواء من حيث الشكل أو المضمون، فضلا عن توسيع رقعة الجمهور المخاطب، حيث تتجاوز الحدود المكانية، وتتغلب على القيود الرقابية، إذ لا مكان في بيئة هذه الصحافة الجديدة لمطابع تمتنع عن طبع صحيفة تنفيذاً لتوجيهات عليا، ولا وجود لنسخ مطبوعة يمكن سحبها من السوق، ولا غير ذلك من القيود والممارسات التي ألفنا سماعها تتم أحيانا في بيئة الصحافة الورقية التقليدية.

لقد أضعفت “الإنترنت” السيادة الصحفية التي تمارسها الجهة الممولة، وبخاصة النظام السياسي، واستبدلت بوجهة النظر الأحادية وجهات نظر متعددة، وهو ما عزز من حرية الصحافة، وأن مواقع الصحافة الإلكترونية العربية تتمتع اليوم بحرية تذهب بعيدا عما تحلم الصحافة المطبوعة بنشره.

لهذا ومما لا يدعو مجالا للشك، فإن الصحافة الإليكترونية العربية لعبت دورا هاما في عالم حرية الرأي المفقودة داخل بلداننا العربية، حيث تقع الصحف المطبوعة بشكل عام تحت ألوان وصنوف من القمع وكبت الحريات متمثلة في الرقابة الحكومية أحيانا والرقابة الذاتية نتيجة عهود طويلة من المراقبة والملاحقة(1)

 

– – – – – – – – –

(1): بهذا الخصوص، وجب الاطلاع على التقرير الذي أنجزته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمتعلق بـ” الإنترنت في العالم العربي: مساحة جديدة من القمع ” / تقرير يونيو 2004 / تقرير مفصل يتناول مسألة حرية الرأي والتعبير عبر الإنترنت في الدول العربية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى