ثقافة وإعلام

النقاش العمومي والتعاطي الإعلامي مع حكومة الأحرار: خفوت ممنهج أم أزمة قطاع إعلامي؟

إنجاز: ياسر مكوار 
(طالب بماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي)

عرف الإعلام المغربي دوما بكونه يتعاطى مع القضايا السياسية والشخصيات السياسية التي توجد في مربع السلطة باهتمام كبير، إذ تشكل المادة السياسية النسبة الأكبر داخل الصحف والإذاعات والبرامج الحوارية، مما ينعكس على الرأي العام الذي تغنيه القضايا السياسية بشكل كبير.

لكن و مع قرب انصرام الستة أشهر الأولى من الولاية الحكومية الجديدة تحت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، سيلاحظ خفوت داخل ساحة النقاش العمومي في شقه الإعلامي، مقارنة بالولايات الحكومية  السابقة على الأقل، و التي عرفت نقاشا حادا على المستوى الإعلامي، ويعزز هذا المعطى مؤشر يمكن الاعتماد عليه، وهو مدى حضور قضايا معينة على المستوى الإعلامي في فترة وجيزة و بشكل كثيف، يغيب معه أي موضوع آخر على مستوى الإعلام المؤسساتي، أي الصحف الورقية و الإلكترونية، وإذاعات الراديو والتلفزيون، بشكل يخلق رأي عام موحد على مستوى الموضوع و مختلف على مستوى التعاطي..

وإذا ما اعتمدنا هذا المؤشر يبقى الجدل الذي أثاره جواز التلقيح القضية الأبرز التي تستحق تصنيفها في هذه الخانة، إذ  استحوذت على مساحة كبيرة من التغطية الإعلامية ، وهذا راجع بالأساس إلى المظاهرات التي فرضت نفسها انداك، وجعلت الإعلام يلتفت نحوها بشكل كبير، ورغم وجود قضايا بالغة الأهمية وسياق مشجع على تحرك الرأي العام في شقه الإعلامي، إلا أن الهدوء يبقى السمة البارزة داخل المشهد الإعلامي، فهل يتعلق الأمر بدخول الإعلام إلى ”دوامة الصمت” بشكل اضطراري أم هي أعطاب ذاتية داخل الجسم الإعلامي؟

 

التغطية الإعلامية بين الحكومة الحالية والسابقة: هل تجوز المقارنة؟

حين الحديث عن العلاقة بين الحكومة والإعلام و النقاش العمومي، يتذكر الجميع مباشرة الولاية الأولى لحكومة عبد الإله بن كيران، التي امتازت منذ أيامها الأولى بسجالات لا تنتهي داخل الأروقة الإعلامية، مما أعطى فضاءً إعلاميا متحركا نسبيا ، وإذ كان البعض لا يحبذ هذه المقارنة إذ يرى أن الولاية الأولى لحزب العدالة والتنمية أتت في ظرفية خاصة بعد موجة احتجاجات 2011  حفزت إثارة قضايا عديدة،  ثم الطبيعة ” الإيديولوجية” لحزب العدالة و التنمية، و التي دفعت الإعلام لمراقبة هذا  ”الكائن السياسي”  الجديد على الحكم، إضافة إلى طبيعة خطاب رئيس الحكومة أنداك عبد الإله بن كيران، والذي كان لوحده يشكل مادة إعلامية مغرية، ينضاف إلى هذا وضعية المقاولات الإعلامية حين إذن و التي تختلف بشكل كبير عن الوضعية الحالية بعد جائحة كورونا.

أسامة باجي

ويرى الصحفي و الباحث في قضايا التواصل السياسي أسامة باجي ، أن المشهد الإعلامي اليوم أصبح مشتتا أكثر من الوقت السابق، خصوصا فيما يرتبط بتعاطيه مع الحكومة الحالية التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، وما يقع في المشهد الإعلامي هو انعكاس واضح للمشهد السياسي المتسم بالعشوائية والتشتت وغياب الرؤية.

ويضيف أسامة باجي للمنصة 24 ”أن مجموعة من المواقع الإعلامية تعاطت مع بعض هفوات رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني بكثير من السخرية والهجوم أحيانا، والأمر نفسه بالنسبة لبعض وزراء الحكومة، الملاحظ كذلك غياب واضح للمقالات والأخبار والتحليلات وتصريحات المواطنين المنتقدة لعمل حكومة أخنوش من طرف وسائل الإعلام، فضلا عن تلميع صورة الحكومة بشكل مروع والبحث عن التبريرات وهو ما يمكن أن نسميه بظهور صنف جديد في الصحافة وهي صحافة التبريرات، وهنا لا نعمم، لكن الأمر يعود على مؤسسات إعلامية عديدة، الخلاصة أننا أمام تعاطي محتشم بالمقارنة مع التعاطي الإعلامي مع الاحتجاجات التي كانت ضد حكومتي بن كيران والعثماني، مما يجعلنا نطرح سؤال هل الحكومة في مرحلة “زواج” بينها وبين بعض وسائل الإعلام”؟

 

هل أثر ” بروفايل ” عزيز أخنوش كرجل أعمال على التعاطي الإعلامي مع حكومته؟

يعتبر رئيس الحكومة الحالي من بين أهم رجال الأعمال في المغرب، إذ يعد مستثمرا كبيرا في قطاع المحروقات ومساهما في قطاعات أخرى، وإذا ما عدنا إلى النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحفية والذي يعتمد بشكل كبير على الإشهار كممول رئيسي، ومؤثر في السياسات الإعلامية للمقاولات الصحفية، فإن هذا المعطى قد يلعب دور الموجه لوسائل الإعلام.

وفي هذا الصدد  قال الصحفي والباحث في قضايا التواصل السياسي أسامة باجي : ” إن الحكومة الحالية تتميز بكونها حكومة رجال الأعمال، وأصحاب النفود والشركات وأول مثال هو رئيس الحكومة الذي يملك شركات ومعها مؤسسات إعلامية، إما تابعة له أو يساهم فيها أو تجده متدخلا فيها بأي شكل من الأشكال مما يعطيه حضورا قويا في مختلف وسائل الإعلام، وهو ما ينعكس سلبا على السياسة التحريرية لأي جريدة أو مؤسسة إعلامية كيفما كانت، الأمر الذي يدفع بصحفيي المؤسسة الى السعي إلى تلميع صورته وجعله بعيدا عن أي نقد أو أي شكل من أشكال التعاطي الذي ووجه به رؤساء سابقون للحكومة.”‘

 

صلاح الدين المعيزي

أزمة تعاطي إعلامي أم أزمة إعلام؟

يرى الصحفي صلاح الدين المعيزي أنه لا يمكن إنكار التحكم القبلي الذي قامت به حكومة عزيز أخنوش اتجاه بعض وسائل الإعلام، فقامت هذه الأخيرة بالتسويق والدعاية لصالح البرنامج الحزبي، كما يضيف صلاح الدين المعيزي أننا أصبحنا أمام صناعة للرأي عام، حيث تقوم مجموعات إعلامية معروفة بقربها من السلطة بانتقاد الحكومة، في محاولة لإيهام بوجود نقاش عمومي متحرك، كما يرى الفاعل في مجال الإعلام أن الأزمة أكبر من مجرد أزمة تعاطي إعلامي بل هي أزمة حرية تعبير وأزمة نقاش عمومي أيضا.

ويرى فاعلون أن الأزمة التي يمر منها الإعلام خاصة في جانبه الاقتصادي بعد جائحة ”كورونا”، أرخت بظلالها على النقاش العمومي برمته، وأصبحنا نحس بغياب نقاش عمومي وجدال سياسي، إضافة للمساحة الكبيرة التي أصبحت تشغلها وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة الوسائط التقليدية لإعلام.

 

المهدي يسيف: الإعلام لم يقم بدوره أيضا اتجاه العمل الذي تؤديه حكومة التجمع الوطني لأحرار في أشهرها الأولى

المهدي يسيف

بالنسبة إلى المهدي يسيف عضو المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني لأحرار، فالحكومة الحالية تعاني بنفسها من وجود ما أسماه الإعلام الموجه الذي يخدم أجندات سياسية أو حقوقية أو نقابية، ويضيف عضو المجلس الوطني للأحرار: ”أنه يمكن تقسيم الإعلام في الفترة الحالية إلى قسمين، قسم يتعاطى بشكل إيجابي مع الحكومة بالتواصل معها والتعريف بعملها، بالمقابل هنالك إعلام ينتظر هفوات الحكومة فقط”.

وأضاف المهدي يسيف للمنصة 24 أن خير مثال هو ما وقع جراء ارتفاع الأسعار، إذ لم يكلف هذا الإعلام نفسه عناء البحث عن مسببات الارتفاع المرتبطة بعوامل دولية ومحلية، وعلق الفاعل السياسي على سؤال حول الوسم الذي انتشر في منصة توتير تحت عنوان ” أخنوش ارحل”، على ”أن مواقع التواصل الاجتماعي تبقى موجهة ولم نعد نعرف من يتحكم بها.”

 

المؤثرون” سلاح للتسويق أم منافس للإعلام؟

آخر فصول الجدل داخل المشهد الإعلامي، أثيرت جراء استعانة الحكومة مؤخرا ببعض النشطاء من مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق برنامج فرصة الذي يستهدف تقديم تمويلات للمقولات الشابة، ليدشن هذا الأمر نقاشا وإشكالا جديدا حول أدوار الإعلام اليوم، ينضاف إلى الإشكالات الأخرى التي استعرضناها في هذا الاستطلاع، وحول هذا الموضوع يعلق الصحفي صلاح الدين المعيزي ” أن نقاش المؤثرين هو في الحقيقة نقاش تحريفي عن القضايا الأساسية التي يجب أن يتفاعل معها الرأي العام”.

 

في الحاجة لنقاش عمومي

رغم الإختلاف حول طبيعة المشهد الإعلامي اليوم في علاقته بالحكومة، إلا أنه هنالك إجماع بين كافة الأوساط حول الحاجة الملحة لوجود نقاش عمومي حي، وفضاء عمومي صحي يحتضن النقاش والأراء المتنوعة، بينما تنذر حالة السكون داخل الفضاء العام بوجود حالة من الاحتقان لم يستطع الإعلام تصريفها، الشيء الذي قد يدفع نحو تصريفها وفق أليات أخرى ممنهجة أو موجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى