إعلامفواصل

الإعلام الفرنسي والحرب على غزة.. افتقار فاضح للمصداقية

كشفت الحرب على غزة، مرة أخرى، الدور المزدوج الذي يلعبه الإعلام الفرنسي في التعامل مع صراع ذي أبعاد إنسانية وسياسية وتاريخية كبرى

فواصل

بالعربي من باريس |

الإعلام الفرنسي والحرب على غزة.. افتقار فاضح للمصداقية

حسن اليوسفي المغاري

 

كشفت الحرب على غزة، مرة أخرى، الدور المزدوج الذي يلعبه الإعلام الفرنسي في التعامل مع صراع ذي أبعاد إنسانية وسياسية وتاريخية كبرى. ففي حين يُتوقع من الإعلام أن ينقل الأخبار ويوضحها ويضعها في سياقها، يبدو أن وسائل إعلام فرنسية تفشل في تلبية هذه المتطلبات الأساسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بملف القضية الفلسطينية وعلى وجه الخصوص حرب الإبادة التي يملرسها الجيش الإسرائيلي على ساكنة قطاع غزة.

تظهر معظم وسائل الإعلام الفرنسية الكبرى، سواء كانت قنوات إخبارية أو صحفا يومية أو منصات رقمية، اعتمادا على رواية غالبا ما تكون متوافقة مع المواقف الغربية المهيمنة، مما يفضّل الدفاع عن إسرائيل مع التقليل من معاناة الفلسطينيين أو حتى تجاهلها. هذا الانحياز الواضح، سواء في اختيار الكلمات أو الصور أو التحليلات، يثير شكوكا جدية حول مصداقية هذه الوسائل.

فعلى سبيل المثال، تُستخدم عبارات مثل “ردّ إسرائيلي” لوصف قصف مناطق مكتظة بالسكان، بينما نادرا ما يُشار إلى ذلك على أنه “مجازر” أو “جرائم حرب”. في المقابل، توصف عمليات المقاومة الفلسطينية بـ”الإرهاب”. هذا التناقض في المعايير يقوّض ثقة الجمهور في إعلام يُفترض أن يعكس تعقيدات الواقع.

من المعلوم أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني متجذر في أكثر من سبعة عقود من الاستعمار والاحتلال والنضال من أجل مواجهة الاحتلال. ومع ذلك، نادرا ما تخصص وسائل الإعلام الفرنسية وقتا لشرح هذه الديناميكيات التاريخية، غياب هذا السياق الأساسي يقلل الصراع إلى مجرد مواجهة بين طرفين متساويين، متجاهلا الفجوة الواضحة بين دولة تتمتع بجيش قوي ودعم دولي، وشعب محروم من كل شيئ، وبتجاهل هذا الجانب، تساهم وسائل الإعلام في تقديم قراءة مشوهة للأحداث، مما يؤثر على الرأي العام، وربما على القرارات السياسية المترتبة عليه.

مشكلة رئيسية أخرى هي تمثيل أطراف الصراع. ففي حين تحظى الأصوات الإسرائيلية بحضور واسع في التغطية الإعلامية، تظل الأصوات الفلسطينية، سواء كانت من المجتمع المدني أو منظمات غير حكومية أو حتى مسؤولين سياسيين، خصوصا من يمثل المقاومة، تظل مهمشة ولا تجد صدى يوازي أهميتها. هذا التفاوت في إتاحة المنصات الإعلامية يعزز الانحياز السردي ويحرم الجمهور من رؤية شاملة.

أمام هذه الثغرات، يلجأ العديد من مواطني فرنسا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى روايات بديلة. بحيث تنتشر مقاطع الفيديو الشخصية والشهادات المباشرة والتحليلات المستقلة بشكل واسع، متناقضة مع الرواية المقدمة من وسائل الإعلام التقليدية. هذا التوجه يعكس أزمة ثقة متزايدة.

من المعلوم أن دور الصحفي ليس الدفاع عن موقف سياسي، بل في نقل الحقائق بدقة، ومساءلة أصحاب السلطة، وإعطاء صوت للمحرومين. الإعلام الفرنسي، من خلال انحيازه المتكرر للروايات المهيمنة وتجنبه طرح الأسئلة الصعبة، يخذل هذه المهمة الأساسية.

الحرب على غزة لا تُخاض فقط على الأرض؛ بل أيضا في ساحة الإعلام، والمبادئ الأساسية للصحافة: الاستقلالية، والحياد، والسعي وراء الحقيقة، مبادئ مغيّبة بالكامل في الإعلام الفرنسي لدى تناوله مجريات الأحداث في قطاع غزة.

 

بالعربي من باريس |

#حسن_اليوسفي_المغاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى